الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رواية "سنوات الدفلى" لهزوان الوز تكتب بحبر الحقيقة

المصدر: النهار
رواية "سنوات الدفلى".
رواية "سنوات الدفلى".
A+ A-
استوحى الكاتب هزوان الوز روايته "سنوات الدفلى" الصادرة عن "دار الفارابي" في بيروت ، من سرديات الألم والموت والدمار والفناء والتهجير والغربة والنزوح، إذ إنّ "الدفلى" كما هو معروف شجيرة شديدة السُميّة تنمو في حوض البحر المتوسط و تُزرع في الشوارع العامة والحدائق والمتنزهات لجمال أزهارها ، ولكنّها تحمل في أوراقها مواد شديدة السُمّية التي تقتل كلّ ذي روح. أمّا السنوات، فهي تلك التي مضت من تاريخ الجرح السوريّ الذي ما يزال ينزف منذ نحو تسع سنوات إلى الآن. استجاب العنوان لفعّاليّات المتن، وغذاها بمزيد من الدلالات والعلامات والإشارات الظاهرة والخفيّة وصولاً إلى البناء السرديّ العام للتشكيل الروائيّ.
تناول الكاتب خلال الرواية المجتمع السوري قبيل الحرب العدوانية عليه إلى الحرب وما جرى خلالها وتبعات الحرب ..ومن ثم ناقش أسباب ما كان وكيفية الخروج منه ، و قدم في أكثر من لوحة صوراً متعددة للنسيج السوري بأطيافه المختلفة.
في سنوات الدفلى قراءة في تحولات المجتمع السوري ونقاش مكثف من قبل أبطال الرواية الذين هم من سلك التربية حول المناهج التربوية التي كانت عملية تطويرها موضع نقاش وتناول من قبل مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد نمت الرواية  عن حرفية عالية في البناء الدرامي من حيث اختيار الكتابة عن طريق الراوي أو الكاتب (بشير) إضافة إلى الإبتعاد عن طريقة السرد المباشر والطويل واللجوء إلى البناء عن طريق تقطيع الرواية إلى لوحات تعمل خارج الحدث الروائيّ العموديّ في الرواية، لأنّها تمثّل رواية "بشير" المقترحَة وقد قدّمها للنشر بعد أن طلب من صديقه قراءتها قبل ترشيحها لهيئة الكتاب،  وإضاءات ورسائل مما أكسب هذا العمل متعة القراءة والمتابعة بعيداً عن السرد المتصل الذي يوصل للملل أحيانا.
تميزت الرواية كونها تتحدث عن عالَم خبره المؤلف عن قرب بسبب عمله في الشأن التربوي لما يزيد على ثلاثة عقود، وفي أكثر من موقع من مواقع المسؤولية فيه،فكان أبرز صفات الكتلة السرديّة قابليتها على التشظّي والتفرّع بأذرع سامّة عنوانها الموت المُضمَر الكامن في كلّ شيء بلا استثناء.
ويمارس الكاتب لعبته السردية في إطار التفاعل بين الرواية الأم والرواية الفرعيّة "رواية بشير"، حيث يؤدّي هذا الراوي الذاتيّ المهيمن والعارف دوراً مُركّباً في مَدّ الأفق بين مساحَتَي الروايتين داخل حساسيّة سرديّة واحدة تجمع بينهما.
ففي ما سمّاه الراوي "لوحة صغيرة (1)" وهو يراقب عن كثب تطوّر شخصيات رواية بشير على نحو أرضاه وأسعده فنياً وموضوعياً، عرض مقطعاً من رؤيته النقديّة التي تكشف عن توجّهٍ فنيّ معيّن يلائم ما تشتغل عليه الراوية الأصل في هذا السياق:
"تمام، الآن يمضي بشير إلى فن الرواية بحقّ، عبر ما سماه فضاءات الشخصيات، وكما أقدّر أنّ كلّ شخصية ستتحدث بنفسها، أو ستنيب راوياً عنها، لتوضح مرجعيات الأحداث، وربما مآلاتها فيما سيأتي من الرواية". 
ارتكزت الرواية على مرجعيّة واقعيّة صادمة للعقل والعاطفة والوجدان والشعور والإحساس، وربّما كانت أكثر عجائبيّة وفجائعيّة من التصوّر والتخييل في أقصى أقاصيهما.
أما الشخصيات الروائيّة فتنمو في حاضنة الراوي القرائيّة قريباً من حساسيّة الرواية الأم بما يجعل الفضاء واحداً والرؤية واحدة والحدث واحداً والمسيرة العامة الكبرى واحدة. 
أما اللغة المستخدمة في الرواية فكانت مبهرة ، وصفت بالسهل الممتنع فلا هي غاصت في مجاهيل الألفاظ ولا هبطت إلى مستوى غير ممتع بل جاءت ضمن جمل أنيقة وسلسة وبسيطة.
"لم تعد حلب التي عرفت، والتي كان أبي يردد دائماً عنها إنها ملكة الشرق حسب وصف أحد الرحالة الإنكليز لها، والتي لم تعد كذلك، بل مدينة حزينة، شاحبة الوجه، يختلط دمع روحها بماء نهرها قويق المقطوع الأنفاس بعد أن كان يرويها".
جاءت رواية سنوات الدفلى  لتسلط الضوء على الوجع السوري بكل تجلياته ..صوفيته عبثيته سموه …وطنيته …فيمكن تشبيهها بخيمة لها عمود نور شامخ وراسخ الجذور اسمه الوطن ، كما يمكن تشبيه الرواية بلوحة فسيفساء تم رصف حجارتها بإتقان بديع فجاءت ذاخرة بالمشاعر غنية بالمعلومات  ومفعمة بالشواهد. لتنتهي الرواية برؤية مستقبلية متفائلة بالرغم من الفوضى والخراب والجراح النازفة والألم الذي أصاب المجتمع السوري خلال سنوات الحرب.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم