الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"النهار" خاضت حملة الـ16 يوماً لمناهضة العنف... أين نحن في يوم حقوق الإنسان؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
مفوّضة لجنة حقوق الإنسان إليانور روزفلت تحمل ملصق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باللغة الفرنسية، تشرين الثاني 1949، مقرّ الأمم المتحدة، نيويورك.
مفوّضة لجنة حقوق الإنسان إليانور روزفلت تحمل ملصق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باللغة الفرنسية، تشرين الثاني 1949، مقرّ الأمم المتحدة، نيويورك.
A+ A-

نقطة سوداء أخيرة على سجلّ لبنان العريق والمشرق في سردية حقوق الإنسان، والسبب، استهتاره بمكافحة العنف ضد المرأة. فقد اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر حديثًا، أنّ لبنان "لم يف بالتزاماته الدولية لحماية النساء والفتيات"، ما دفع لجنة الأمم المتحدة إلى إعداد تقييم لمدى التزام لبنان باتفاقية سيداو للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، نرتقبه في حزيران 2021.

حقوق المرأة بالمرصاد

وأكّدت المنظمة أنّ "لبنان لم يحرز أي تقدّم في تطبيق التوصيات الدولية بما فيها وضع قانون موّحد للأحوال الشخصية يكفل المساواة بين جميع المواطنين والمواطنات".

وأشارت إلى أنّ "لبنان يعتمد على قانون أحوال شخصية لـ 15 طائفة، حيث المحاكم الدينية تمارس التمييز ضد النساء من جميع المذاهب، ولا تضمن لهن حقوقهن".

قد تكون المواثيق الدولية مرجعًا لمنظمات حقوق الإنسان لتقيّم وربّما تحاسب، لكنها مظلّة مخترقة لمنظومة قانونيّة محليّة صارخة بانتهاكات يومية تتعرض لها المرأة اللبنانية والمرأة في لبنان.

"النهار" خاضت حملة الـ16 يومًا للقضاء على العنف ضد المرأة من خلال مجموعة تحقيقات ومقالات رأي تعالج زوايا هذه الآفة. لا جديد بأن العنف ضد المرأة فادح ومستمر وأنمته أزمة كورونا بنسبة 51%، حسب الأرقام الأخيرة لقوى الأمن الداخلي. إنّما الحملة تأتينا بتأكيد أخير، على أنّ حماية المرأة والمربوطة مباشرة بقانون العنف الأسري محور النقاشات الراهنة، لا تتحقق بدون إقرار قانون مدني موحد للأحوال الشخصيّة يحفظ حق المرأة وكل إنسان يعيش في لبنان. كيف إذاً ترتبط هذه القوانين، وما أبرز تطوراتها؟ في ما يلي جولة أفق.

 

 طبش: تطوّر قانون العنف الأسري

تشير النائبة رولا طبش لـ"النهار" إلى "شوط مهمّ قطعه لبنان في تعديل القانون 293/2014 الخاص بـ"حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، الّذي أقرّته اللجان النيابية المشتركة في 18 تشرين الثاني.

وتكشف طبش أنّ "القانون شهد تطوّرًا لا يمكن اعتباره هامشيًا، وأبرزها في تطوير مفهوم الأسرة، وإلزامية تأهيل المعنِّف، ورفع سنّ الأطفال في "طلب الحماية" إلى 13 عامًا، وتشديد العقوبات، ومعاقبة الزاني والزانية على حدّ سواء".

وتشرح أنّ "التطوّر برز في ثلاثة مستويات رئيسية"، فـ "أولاً، طاول مصطلح الأسرة تعديلاً جوهرياً، حيث ألغينا من التعريف "أثناء قيام الرابطة الزوجية أو بعد انحلالها"، لأنّ نساء كثيرات يتعرّضن للعنف من الشريك السابق بعد انحلال الزواج، وامتداد مفاعيل الرابطة الزوجية لما بعد انحلالها يحمل آثارًا قانونية خطيرة".

على المستوى الثاني، أقرّت تعديلات في مسألة "طلب الحماية" الواردة في المادتين 12 و14، إذ "ما عاد سنّ الطفل الذي تصطحبه الأم المعنفة خارج المنزل مرتبطًا بسن الحضانة الّذي يحمل أساساً ظلمًا كبيرًا للطفل والأم. وشغل هذا البند الجزء الأكبر من النقاشات التي حددت هذه السن بـ13 سنة"، وتشير: "شخصيًا، كنت ممّن أصرّواعلى منح المرأة المعنّفة الحق باصطحاب كلّ أولادها، ومشيت عكس تياري في هذا الاتجاه وطالبتُ مراراً وتكراراً بإقرار هذا البند. من جهة أخرى، يتيح القضاء ترميم هذه الثغرة من خلال قضاء العجلة، بحيث تستطيع الأم المعنّفة رفع طلب حماية لكلّ المقيمين معها في المنزل بمن فيهم أولادها أو الأصول. وقاضي الأمور المستعجلة هالة نجا تراعي هذا الحق بموجب "تدبير حماية موقّت" تحصّله الأمّهات المعنّفات".  

وتختم رولا طبش: "المستوى الثالث تناول المساواة في جرم الزنا، وهو شكل من أشكال العنف المعترف به قانونًا. التطور في الصيغة الحاليّة يساوي بين المرأة والرجل في العقاب بسبب ارتكاب الزنا".

وردًا على سؤال تجيب: "هذه النقطة شكلت خلافًا بيننا وبين ممثلي هيئات المجتمع المدني، الذين طالبوا بعدم إدراج فعل الزنا في قوانين العقوبات. لكن في عقوبة الزنا مبادئ أخلاقية تنسجم مع قيم وثقافة المجتمع اللبناني وتحمي الأسرة من التفكك".  

 

عون: ضرورة قانون مدني للأحوال الشخصية

وكانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية والأمم المتحدة وفريق العمل المعني بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، أطلقت يوم 25 تشرين الثاني، حملة توعوية تحت شعار "السلامة حقك" للمساهمة في مكافحة العنف الممارس ضد النساء والفتيات، بما فيه العنف الأسري.

الخطوة أتت ضمن خطة عمل الهيئة، حيث تقدمت في العام 2018  بتعديلات تشريعية على القانون 293/2014 الخاص بـ"حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري"، إلى المجلس النيابي بالتعاون مع وزارة العدل ومنظمة "كفى"، وذلك على أثر ظهور بعض الثغرات في القانون بعد أربع سنوات من تطبيقه. ووقّع على هذه التعديلات عشرة نواب من كتل نيابية مختلفة.

لكن المسار التغييري لا يزال يمضي ببطء، وفي حال إحقاقه فهو يقع بمثابة "دعسة ناقصة وغير مكتملة العوالم"، على حدّ تعبير رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون، التي قالت: "بخصوص المادتين 12 و14، كنّا نشدّد على عدم ربط حماية أفراد الأسرة القاصرين بسن الحضانة الذي يحدده قانون الأحوال الشخصية لما يتضمنه من تمييز بين الأطفال بحسب طوائفهم. وفي الجلسة الأخيرة للجان النيابية المشتركة، تمّ تحديد سن 13 سنة للأولاد الذين يخضعون لقرار الحماية مع الضحية، وبالتالي فإن القاصرات والقاصرين بين عمر 13 و 18 سنة، لا يزالون عرضة للعنف بدون حق قانوني في طلب الحماية ومغادرة المنزل مع الضحية".

وتتابع: "هذه التّعديلات خاضت تحديات جمة. فاللجنة الفرعية لم تتبن كل الاقتراحات التي تقدمنا بها. وعند طرحها أمام اللجان المشتركة، تواصلنا مع جميع النواب طالبين منهم عدم إغفال أي من التعديلات التي تقدمنا بها نظراً لأهميتها في تأمين حماية فعالة للضحية ولأولادها"، بانتظار طرح القانون المعدّل أمام الهيئة العامة للتصويت عليه.

وتشدّد عون على أنّ "التمييز الذي يتضمنه قانون الأحوال الشخصية بين المواطنات والمواطنين وبين المواطنات من طوائف مختلفة، يساهم في اعتبار المرأة كمواطنة غير كاملة الحقوق سواء في مواضيع الزواج والطلاق والحضانة والميراث. ففي موضوع الميراث مثلاً تختلف حصة المرأة في بعض الطوائف عن حصة الرجل، كما تختلف هذه الحصة بين امرأة وأخرى بحسب طائفتها، يقلص هذا الأمر فرص المرأة للاقتراض وبدء عملها الخاص وبالتالي يطيح إمكانية المساواة في الفرص الاقتصادية ويؤثر سلباً على مشاركتها في القوى العاملة".

وفي هذا المجال، توضح أن "الهيئة في صدد تحضير مسودّة قانون مدني موحد للأحوال الشخصية بالتعاون مع الشركاء المعنيين، وسيقدم هذا الاقتراح فور جهوزه. الأهم أن يمتلك نوّابنا الشجاعة الكافية لتبنّي قانون مدني للأحوال الشخصية يساوي بين المواطنات والمواطنين. وهنا يبدأ التأسيس لوحدة وطنية فعلية من خلال القوانين والممارسات".

 

مرعي: ضعف الإرادة السياسية

مديرة المعهد العربي لحقوق الانسان في بيروت، الحقوقية جمانة مرعي، تتناول العنف المتزايد ضد المرأة كنتيجة لـ"خلل بنيوي في المنظومة القانونية اللبنانية"، موضحة أنّ "هذه المنظومة تعاني ازدواجية مستمرة لأن الدستور الأعلى للبلاد هو دستور مدني فيما قوانين الأحوال الشخصية ترتكز على التشريعات الدينية. الكارثة أن الطائفة بقيت وسيطًا للعلاقة بين الفرد والدولة وهذا ما يجعل الأفراد في لبنان رعايا للطائفة وليس مواطنين".

 وتسأل: "عن أي حماية نتحدث إن كانت قوانين الأحوال الشخصية تعتبر أفراد الأسرة رعايا وليس مواطنين؟ يجب إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية قائم على المساواة الانسانية في كل الحقوق والمسؤوليات داخل الأسرة وخارجها".

في السياق، تشير أن "العنف المتنامي ضد المرأة لا ينبغي فصله عن سياق البلد التشريعي والسياساتي والاقتصادي والصحي المنحدر الذي يُحدث اختلالات عميقة في حقوق الانسان في لبنان. فارتفاع نسبة الجرائم في لبنان وإفلات المجرمين من العقاب سيرفع حكمًا من ممارسات  العنف ضد النساء".

وتشير مرعي إلى "ضعف الارادة السياسية في تشريع قوانين تحمي المرأة من العنف". على سبيل المثال "قانون العنف الاسري لا يؤمن الحماية المنشودة لأن ثغراته تتقاطع مع الأحوال الشخصية التي تغلّب الأحكام الطائفية. وحيث إن نظامنا السياسي طائفي، سيبقى قانون الأحوال الشخصية طائفياً، وستظل المرأة وكل أفراد الأسرة معرضين لانتهاكات متواصلة في حقوقهم. كما لم تنشأ قاعدة بيانات موحدة على شكل استمارة رصد وطني تربط بين حالات العنف المبلغة إلى قوى الأمن الداخلي ومنظمات المجتمع المدني".

في المحصلة، لا يعيد للمرأة حقوقها والإنسان كرامته سوى لبنان الذي رفع شارل مالك اسمه التقدمي واللامع في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، لا لبنان الذي تعيش فيه الإنسانة والانسان تحت رحمة سلطة الطوائف. وليس صدفة أن تختار الأمم المتحدة تقاطع اليوم الأخير من حملة الـ16 يومًا لإنهاء العنف ضد المرأة، يوم 10 كانون الأول، مع اليوم العالمي لحقوق الانسان، إذ لا يمكن الحديث عن حقوق الانسان قبل إنهاء العنف ضد المرأة، لأنها أولاً إنسان ولأنها أنجبته. وكلّ هذه الحلقة تدور في فلك "محرّمات" لم يخترقها بعد قانون مدني موحد للأحوال الشخصية.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم