السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

طقس ربيعي استثنائي... قراءة علمية لاحتباس الأمطار في لبنان

المصدر: "النهار"
شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
الكورنيش البحري في بيروت (تصوير نبيل إسماعيل).
الكورنيش البحري في بيروت (تصوير نبيل إسماعيل).
A+ A-
بعد كوارث العام 2020 التي ألمّت بالقطاعات الاقتصادية كافة، ها هو الثلج يغيب عن المشهد البيئي اليوم، إذ أدّت سيطرة منطقة من الضغط الجوي المرتفع على الحوض الشرقي للمتوسط، إلى طقس ربيعي بل صيفيّ استثنائي، دافئ نهاراً، مع درجات حرارة تفوق معدّلاتها الموسمية، خلافاً للأحوال الفيزيولوجية الطبيعية.
 
وفي وقت يغيب الوشاح الأبيض عن جبال لبنان، تعرّضت مناطق عدّة في النصف الشماليّ من الكرة الأرضيّة، كروسيا وكندا واليابان وباكستان والصين، لموجات برد شديدة خلال شهر كانون الأوّل من عام 2020. وذكر وزير الداخلية الإسباني، السبت، أنّ ثلاثة أشخاص قضوا نتيجة جراء عاصفة ثلجية ضربت وشلّت العاصمة مدريد، مع سقوط أكبر كمية من الثلج منذ 1971.
 
كان العام 2020 ثاني أكثر الأعوام دفئاً، بحسب تقرير موقت صدر في 2 كانون الأول منه عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) التابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أنّ الطقس الدافئ الذي نشهده اليوم مرتبط بحرائق الغابات وموجات الحر والجفاف السابقة، إذ إنّ مسألة تغيّر الطقس مطّاطة وقليلاً ما تخضع لتأثيرات بيئية سائدة غير جذرية.
 
يُحدّد علم المناخ السنة المطرية (موسم الأمطار والمتساقطات) بالفترة الممتدة بين مطلع أيلول ونهاية آب. وفي الإطار، يرى رئيس دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية، المهندس عبد الرحمن الزواوي، أنّ "كمية المتساقطات التي هطلت قبل 24 كانون الأول، أي بداية فترة الدفء وغياب المتساقطات المفاجئ، كانت جيدة جداً، مع فارق بسيط في الكمية يُسجَّل لصالح العام المنصرم".
 
وفي مقارنة بين نسبة المتساقطات التي شهدتها ثلاث مناطق لبنانية منذ بداية موسم الأمطار في أيلول 2020 حتى 9 كانون الثاني 2021، مع الفترة نفسها من الموسم السابق، نرى أنّها بلغت في بيروت 291 ملم هذا العام، مقارنة بـ638.2 ملم في العام الماضي، وبلغت في زحلة 204.1 ملم هذا العام، مقابل 356.4 ملم في العام الماضي. وفي طرابلس، بلغت نسبة المتساقطات هذا الموسم 399.7 ملم، مقابل 508.8 ملم في الموسم الماضي.
 
وعليه، بلغ معدّل المتساقطات هذا الموسم حتى اليوم، 382.0 ملم في بيروت، 255.0 ملم في زحلة، و394.0 ملم في طرابلس. وهذه الأرقام مقبولة نسبياً ولا تُنذر بكارثة جسيمة بعد.
 
فى البحث عن السبب الكامن وراء موجة الجفاف التي ضربت دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط، تأتي الإجابة مثلّثة الأضلع، إذ يعود احتباس الأمطار إلى "تمركز المرتفع السيبيري فوق غرب روسيا وشرق أوروبا بقيَم ضغط مرتفعة جداً، وتمدد أطرافه نحو شرقي المتوسط، مشكلاً حاجزاً في وجه تقدم الأمطار والمنخفضات الجوية"، حسبما يرى المتخصص في علم المناخ، الدكتور جورج كرم في حديث لـ"النهار".
 
كما أنّ تمدّد موجات مدارية جافة نحو شرقي المتوسط بسبب تمركز مرتفع مداري بقيمة ضغط كبيرة فوق أفريقيا (تشاد والنيجر) وسيطرة العواصف والمنخفضات الأطلسية على غربي أوروبا بقيَم ضغط منخفضة جداً، وثباتها لفترة طويلة، يقابلها تراجع في المرتفع الأزوري إلى شمالي أفريقيا، "كان له وقع حتمي على استمرار فترة الجفاف".
 
 
هل توقيت الموجة خطير؟
ضربت موجة الجفاف، الأسبوع الأخير من كانون الأول والنصف الأول من كانون الثاني، و"هي الفترة المثالية لتلقي لبنان المنخفضات والنزولات القطبية التي تساهم في تراكم كبير للثلوج على القمم الجبلية"، يقول كرم، "وإن غطّت ثلوج شباط وآذار الأرض، فإن التراكمات ما تلبث أن تذوب بسرعة نسبية، نتيجة بدء ارتفاع درجات الحرارة، وتعرّض لبنان لرياح الخماسين الحارة، التي بدأت تغزو لبنان مبكراً بسبب التغيرات المناخية العالمية".
 
مبدئياً، لا خطر كبيراً نتوقّف عنده، ويعتبر الزواوي من جانبه، أننا "لسنا نشهد ما يُسمى غضب الطبيعة، أو حدثاً غريباً عن المنطقة"، مؤكداً أنه "لا يمكن الجزم في تأثير فترة الجفاف السلبي على السنة المطرية برمّتها"، وبالتالي، على الموسم الزراعي. تُظهر مقارنة كمية المتساقطات.
 
ووسط تخوّف من قبل المواطنين من الجفاف، والشكوك التي ترافق المرحلة التي سبق أن شهد لبنان مراحل مماثلة لها، ينفي الزواوي نفياً قاطعاً احتمالية التصحر والقحط، إذ إنّ "طبيعة سلسلتي جبال لبنان الشاهقتين تحتّمان حصر المنخفضات الجوية فوق الأراضي اللبنانية، وبالتالي سقوط كميات متفاوتة، كافية بشكل عام، من الأمطار والثلوج".
ً
في مجهر آخر، ما لا شك فيه، أنّ لارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها الموسمية الذي نشهده اليوم، وسيستمرّ إلى النصف الأول من الأسبوع المقبل، وقعاً سلبياً لا بأس به على المنطقة.
 
وتوقّعت مصلحة الأرصاد الجوية في إدارة الطيران المدني، بداية ارتفاع ملحوظ بدرجات الحرارة، الإثنين، مع بقاء نسبة الرطوبة منخفضة.
 
 
نتائج هيدروجيولوجية وزراعية
يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الأشجار التي تزهر قبل أوانها، وفي حال عادت وأزهرت براعمها، وتعرّضت لموجات باردة، يخسر المزارع المحصول في الموسم المقبل. وقد شهدت مناطق جبلية عدّة، العام الماضي، حدثاً مشابهاً، تمثّل في موجة دفء ضربتها، تلتها موجة برَد وجليد.
 
ويحدّد كرم نتيجة أخرى لارتفاع الحرارة، تتمثّل بارتفاع معدّلات التبخر، "ما يؤدي إلى جفاف التربة السطحية الرطبة نتيجة الأمطار التي هطلت في شهر تشرين الثاني، والتي نتجت بمعظمها عن حالات عدم استقرار، لا عن منخفضات جوية".
 
إذاً، تتنوع النتائج بين هيدروجيولوجية، زراعية واقتصادية، بحسب كرم، الذي يشرح أنّ انحباس الأمطار، على المدى الطويل، وغياب الثلوج عن مرتفعات سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية "يؤثر على تغذية خزانات المياه الجوفية ما يؤدي إلى انخفاض مستوى المياه في الآبار الجوفية".
 
ويرى كرم أنّ "المُزارع سيواجه في هذه الحالة"، وبخاصة في سهل البقاع (الذي يعتبر المنطقة الزراعية الاولى في لبنان)، "مشكلة ريّ مزروعات الموسم المقبل"، بالإضافة إلى "تأثيرها على كمية المياه المتدفقة من الينابيع التي تغذي بشكل مباشر الأنهار اللبنانية"، سواء كانت ساحلية أو داخلية، مشدّداً على "ما لبعضها من أهمية في توليد الطاقة الكهرمائية أو ريّ الأراضي الزراعية (نهر البارد ونهر الليطاني الذي يغذي بحيرة القرعون مثالاً). 
 
في حالات مناخية مماثلة، يُطلب من المزارعين التريث في زرع الشتول إذا لم تتوافر مياه الري بطريقة بديلة، والتريث في رش الاسمدة ومبيدات الأعشاب في انتظار الامطار.
 
 
اقتصاد لبنان في عين العاصفة
واحدٌ من النتائج البديهية لارتفاع درجات الحرارة الذي تشهده المنطقة اليوم، هو تأخر موسم التزلج. أزمة أخرى تنضم إلى سلسلة الأزمات الاقتصادية التي ألمّت بالقطاع السياحي، بدءاً من كورونا، وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، مروراً بأزمة الدولار. والأزمة المناخية، وإنّ كان لها تأثير إيجابي، تمثّل بانخفاض أعداد مصابي الانفلونزا والزكام، كما يرى الزواوي، والتوفير على جيب المواطنين لناحية التدفئة، تبقى صعبة على الموسم السياحي الذي سيبدأ متأخراً، كما يؤكّد.
 
فحتى اليوم، لا ثلوج تغطّي حلبات التزلج في اللقلوق وكفرذبيان مثلاً. والقطاع السياحي المنهك أساسًا، بات يُستنزف باكراً، بشكل ملحوظ يُنبئ بخسائر بالغة.
 
 
إلى متى ستستمر موجة الجفاف؟
من المتوقّع استمرار انحباس الأمطار حتى منتصف الأسبوع المقبل (ليل الأربعاء-الخميس)، وهو ما يؤكده الزواوي. وبحسب نماذج الطقس العالمية، يرجح "أن تتغير المنظومة الجوية لتعود المنخفضات وتسلك طريقها نحو الحوض الشرقي للبحر المتوسط"، يشرح كرم الذي بيشدّد على أنّ "كل توقع جوي يتخطى 48 ساعة، يُعتبر توقعاً مبدئياً وغير ثابت، خاصة في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها الكوكب".
 
 
[email protected]
Twitter: @Charbecassini
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم