الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حالات الاختفاء "إلى ازدياد"... أسبوعان على فقدان ابنة الـ22 عاماً ولم يُعرف عنها شيء

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
صورة مركبة للمفقودين في الآونة الأخيرة.
صورة مركبة للمفقودين في الآونة الأخيرة.
A+ A-
في 17 نيسان توجهت رشا الضنّاوي، ابنة الـ22 عاماً إلى جامعتها في طرابلس، ولم يُعرف عنها شيء، أكثر من أسبوعين مرّت على هذه الحادثة ولم يعرف زوجها أو عائلتها أيّ معلومة عنها تُسكت لوعتهم والنار المؤجّجة في قلوبهم.
 
لا تزال رشا مفقودة حتى الساعة كما يؤكّد زوجها في اتّصال مع "النهار"، "شائعات وأخبار كثيرة رافقت غيابها لكنّني لم أتلقَّ أيّ اتّصال منها ولم أعرف عنها شيئاً. آخر اتّصال معها كان في صباح يوم اختفائها، حيث حدّثتني على الواتساب قبل توجّهها إلى الجامعة في طرابلس، ومنذ ذلك الصباح انقطع الاتصال بها".
 
ووفق زوجها، "حاولتُ الاتصال بها عند الساعة 11 صباحاً إلّا أنّ أحداً لم يجب، لم أفكر بالسوء في بداية الأمر لكن مع مرور الوقت بدأت أقلق من خطورة الوضع ومن عدم القدرة على التواصل معها. توجّهتُ إلى مخفر بينو لتقديم شكوى وكلّي أمل أنّها مسألة وقت وأنّها ستعود إلى المنزل وتنتهي القصة. إلّا أنّ توقّعاتي جاءت مغايرة للواقع، مرّ أسبوعان ولم أعرف عنها أيّ شيء. الناس بدأت تُحيك شائعات حول هروبها ولكنّي متأكّد من أنّها لم تفعل، فهي لم تأخذ معها شيئاً لا مالاً ولا ذهباً. وحتى لو سلّمنا جدلاً أنّها هربت لكانت اتّصلت بأهلها بعد أسبوعين لتطمئنهم وهذا ما لم يحصل". 
 
كما يستبعد زوجها فرضية الخطف بهدف فدية مالية لأنّه حتى الساعة لم يتّصل أحد ليطلب فدية مقابل عودتها.
 
برأي زوجها أنّ "المسألة تحتاج فقط إلى تفكيك داتا الاتّصالات والحصول عليها لنفهم حقيقة ما جرى وفرضية تواصلها مع أحد. إلّا أنّ الأمر يحتاج إلى أمر قضائي أو إلى شخص نافذ قادر على تحريك الملفّ للحصول على داتا الاتصالات. وبالرغم من لوعة الانتظار، نأمل أن نسمع أيّ خبر عنها، لقد كانت متحمّسة جدّاً لإنهاء دراستها الجامعية وغيابها سيبقى لغزاً إلى حين ظهورها أو اتّصالها لتنهي غموض فقدانها".
 
رشا ضنّاوي واحدة من عشرات المفقودين الذين خرجوا من منازلهم ولم يعودوا ولم يُعرف عنهم شيء في الآونة الأخيرة. في عودة إلى صفحة قوى الأمن تتوالى صور المفقودين تباعاً، وفي عيّنة صغيرة حول ظاهرة المفقودين نجد أنّ بين شهري شباط ونيسان هناك نحو 20 شخصاً مفقوداً وغالبيتهم أعمارهم في العشرينات وما دون.
 
- في 25/4/2022: المفقود علي رمال، 47 عاماً – لبناني، خرج من دير سيدة النجاة –حبوب ولم يعد.
- في 25/4/2022: جواد مهدي، 13 عاماً خرج من منزل ذويه في صور ووجد بعد يومين من اختفائه.
- 24/4/2022: خطف قاصر وطُلبت فدية مالية وتمّ إلقاء القبض على اثنين من الخاطفين.
- 17/4/2022: رشا الضنّاوي، لبنانية، 22 عاماً متزوجة حديثاً، خرجت من منزلها الزوجي في دير عوزة ولم تعد.
- 15/4/2022: محمّد أحمد سرحان، سوري، 27 عاماً خرج من بلدة سير الضنية ولم يعد.
- 5/4/2022: حسين حسن رايد، لبناني، 21 عاماً، خرج من منزل ذويه في عرسال ولم يعد.
- 4/4/2022: ديبة حسن جندي، لبنانية، 24 عاماً. خرجت من منزل خالتها في بلدة النميرية- النبطية ولم تعد وتعاني من أمراض نفسية.
- 1/4/2022: ثناء محمد الضاهر، 36 عاماً، لبنانية، خرجت من منزلها في محلة تلحياة عكار وتعاني من أمراض عصبية.
- 29/3/2022: سدرا مختار الديب، سورية، قاصر- 16 عاماً، غادرت من منزل ذويها في برج حمود ولم تعد.
- 23/3/2022: زينب علي فارس، لبنانية، 18 عاماً. غادرت منزلها الزوجي في بلدة صبرا ولم تعد.
- 22/3/2022: تالا حسني الجمل، 15 عاماً، فلسطينية. غادرت منزل ذويها في برج البراجنة ولم تعد.
- 17/3/2022: رقية طراف، قاصر، 14 عاماً، لبنانية خرجت من منزلها ولم تعد.
 
القائمة تطول، واللافت أنّ بعض الاختفاءات لا يفصل بينها 24 ساعة، ولقد تزايدت أكثر في الآونة الأخيرة مع اصرار قوى الأمن أنّها تندرج في إطار المشكلات العائلية على اختلافها ولا علاقة لأيّ سبب أمني بحالات الفقدان.
 
ويؤكّد مصدر من قوى الأمن أنّ "غالبية حالات الفقدان تعود لأسباب شخصية وليست أمنية ومنها خلافات عائلية، صراع أجيال واختلاف في وجهات النظر بين الأهل والأبناء، اختلاف على الحرية، طلاق وتفكّك أسريّ، عنف منزليّ، مشاكل ماديّة، ضغوطات عائلية، زواج خطيفة، أسباب نفسية واضطرابات عقلية. وبالتالي غالبية هذه الحالات يغيب عنها أيّ سبب أمني، وهناك حالة واحدة فقط لقاصر كانت مقابل فدية مالية ولقد تمّ إلقاء القبض على اثنين من الخاطفين".
 
وفي تفاصيل هذه الحالة، أنّه بتاريخ 15/4/2022 ادعت ع.ر سورية، أنّ أربعة أشخاص مجهولي الهويّة، أقدموا على خطف ابنتها القاصر: - م. م. (مواليد عام 2006) من داخل منزلها الكائن في بلدة عنجر البقاعية، ولاذوا بالفرار إلى جهةٍ مجهولة. ومن بعدها تلقّت اتّصالاً من رقم هاتف "أجنبي"، طلب فيه الخاطفون فدية مالية بقيمة 10 آلاف دولار أميركي لقاء تحرير ابنتها.
وبعد أن تمكنت الأم من تأمين مبلغ 600 دولار أميركي، و5 ملايين ليرة لبنانية، وخاتمَين ذهبيَّين، التقت بالخاطفين وسلّمتهم المبلغ الماليّ والمجوهرات، وتوجّهت برفقتهم الى بلدة برّ الياس حيث استلمت ابنتها منهم. وقد نجح عناصر من شعبة المعلومات على إلقاء القبض على اثنين منهم وهم من الجنسيّة السورية.
أمّا بالعودة إلى الحالات الأخرى، فيدرجها مصدر قوى الأمن في خانة المشكلات الشخصية والعائلية، والأخطر أن تكون الفتيات قاصرات حيث يهربن من منزل ذويهنّ لخلافات معينة ( زواج- ضغوط عائلية او خلافات في وجهات النظر)، ليواجهن واقعاً أخطر ويتمّ استغلالهنّ. وهذا ما جرى مع واحدة من القاصرات التي خرجت من منزل ذويها وتمّ استغلالها من شخص سيّئ وعاشت مأساة وتمكنّا أخيراً من إنقاذها."
 
وبرغم تأكيد المصدر على أنّ معظم حالات الاختفاء هي شخصية وليست أمنية، إلّا أنّها في المقابل حذّرت في 7/4/2022 المواطنين من عصابات خطف تستدرج ضحاياها عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى خارج الحدود اللبنانية. وقد تبيّن من خلال التحقيقات أنّ عصابات الخطف تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لاستدراج ضحاياها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تطبيق Tik Tok، وذلك عن طريق الإعلانات التي ينشرها أفرادها على التطبيق المذكور، مُوهمين ضحاياهم أنّهم يملكون مكتبًا للمساعدة على الهجرة الى دولٍ أوروبية، وأنّ لديهم تسهيلات كبيرة تصل الى حدود عدم دفع المبالغ المتوجّبة إلّا بعد الوصول الى البلد المنشود.
وبذلك، يصار الى استدراج الضحية لينتقل الى منطقتي شتورا، وزحلة، ثمّ الى الهرمل، بعدها يُنقل، عبر المعابر غير الشرعية، الى داخل الأراضي السورية. ثمّ يعمد أفراد العصابة الى طلب فدية مالية من ذوي الضّحيّة، لقاء الإفراج عنه. وغالباً ما تتعرّض الضحية للتعذيب، ويتمّ إرسال صور ومقاطع فيديو لذوي المخطوف، للإسراع في دفع الفدية المالية.
 
علم الاجتماع
وأمام زيادة مقلقة لهذه الظاهرة، كيف يقرأ علم الاجتماع مخاطرها ونسبة تكاثرها خصوصاً في الآونة الأخيرة، وما هي الأسباب المسؤولة عن خروج الشباب من منزل ذويهم، وهل علينا أن نقلق من هذه الظاهرة في ظلّ الأزمات التي تعصف في البلد؟
تشرح الدكتورة في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية سوزان منعم لـ"النهار": "نلاحظ خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة (من كانون الثاني ولغاية اليوم)، أنّ عدد حالات الاختفاء أو الأشخاص الذين يهربون من منازلهم إلى ازدياد، وتعود هذه الظاهرة إلى أسباب متعدّدة ومختلفة منها اقتصادية، اجتماعية، نفسية وصحيّة والتي تدفع بكثيرين إلى الهروب من منازل ذويهم لاسيّما بعد الأزمات المتتالية التي نشهدها في لبنان".
تلعب بعض المشاكل العائلية دوراً كبيراً في قرار ترك الأفراد للمنزل، فالخلافات الزوجية أو العنف الجسدي أو اللفظي، مخاطر التعرض لإساءة جنسية، الضغوطات العائلية أو اجبار الولد على العمل، البطالة والأزمة الاقتصادية، أزمة نفسية... كلّها دوافع وأسباب مهمة تدفع بالأبناء إلى البحث عن بديل آخر. ولكن من المهم أن نعرف أنّه لا يمكن التعميم في مثل هذه الأمور لأنّ لكلّ حالة ظروفها الخاصة التي دفعتها إلى اتّخاذ قرار الهروب أو الرحيل".
وكما أنّ هناك حالات اختفاء مرتبطة بمشاكل اجتماعية – اقتصادية، هناك حالات أخرى لها علاقة بالأسباب النفسية – الصحية ونواجهها غالباً مع كبار السنّ الذين يعانون من أمراض واضطرابات صحية ويغادرون المنزل من دون القدرة على العودة إليه، ويضطرّ ذووهم إلى البحث عنهم وإعادتهم بأمان إلى منازلهم.
 
كذلك تتحدّث منعم عن فكرة الهروب "فبنظر الشخص يُشكّل الهروب من الواقع الذي يعيش فيه خلاصاً له، فهو يبحث عن حياة أفضل. ولكن نحن لا نعرف في المقابل مدى أمان المكان الذي سيلجأ إليه، هل سيكون أفضل؟ أسئلة كثيرة تطرح والتي ترافق هروب كلّ شخص، خصوصاً إذا كنّا نتحدّث عن الفتيات، هل لجأت مثلاً الفتاة إلى إحدى الجمعيات بعد علاقة عاطفية أدّت إلى حمل خارج الزواج، وتبحث عن مكان يأويها ويحميها؟ وهل سيقع الشخص الهارب من منزل والديه أو عائلته ضحية لأشخاص منحرفين كالترويج للمخدرات أو شبكة تعمل في تجارة الأعضاء أو الدعارة... وهل تعرّض الشخص الذي قرر ترك المنزل إلى إغراءات وضغوط للقيام بذلك لمصلحته أو بهدف استغلاله".
 
لكلّ شخص دافع للهروب، ولكن جميعهم يبجثون عن حياة أفضل، على سبيل المثال لا الحصر الأشخاص الذين كانوا على قارب الموت في طرابلس بعضهم ترك كلّ شيء بحثاً عن حياة أفضل من دون أن يعرفوا ماذا سيخبّئ لهم القدر (بعضهم توفّي وبعضهم نجا). وعادة يكون الهدف من قرار الهجرة البحث عن شيء أفضل وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
 
وتشدّد منعم على أنّ "ظاهرة الاختفاء تستوجب تكثيف التوعية لأنّ الأشخاص يهربون من بيئة مهمّشة وصعبة وبرأيهم سيوفر لهم الهروب مكاناً أفضل للبدء من جديد، لكن أحياناً يقعون ضحية لواقع أسوأ من الذي كانوا يعيشون فيه. وبالتالي نحن أمام سيف ذي حدّين لأنّ بعضهم هرب إلى المجهول وآخرين يبحثون عن مكان لتحسين مستقبلهم لذلك نحن بحاجة إلى وضع سياسة شراكة وتكامل بين المؤسسات والجمعيات لتمكين هؤلاء الأشخاص والتوعية حول مخاطر الهروب من المنزل خصوصاً في حال عدم وجود أيّ بديل آمن".
تؤثّر الأزمات في زيادة هذه الحالات، وعلينا أن نعرف أنّ الشخص عندما يقرّر أن يترك منزله فهو لم يعد بأمان ويعيش ضغوطات كبيرة. يجب أن تكون البيئة آمنة ومستقرّة حتّى لا يفكر الشخص في الهروب.







 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم