الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

منقوشة "أبو ديب" في طرابلس بـ500 ليرة... "مَن لا يَرحم لا يُرحم"

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
المنقوش في فرن "أبو ديب" (تصوير مارك فياض).
المنقوش في فرن "أبو ديب" (تصوير مارك فياض).
A+ A-

 قرابة السابعة صباحًا، تنسلّ أنفاسُ نهار جديد في سوق العطّارين من فرن "أيام زمان"، قبل أن تفتح محال الخضر والسمانة واللحوم أبواب رزقها؛ هنا، السكان المحليون يعلمون أنّ هذا الفرن الّذي يديره ويعمل فيه المعلّم أبو ديب المصري وأولاده يصنع مناقيش بالزعتر حصرًا، وسعرها 500 ليرة، فيقصدونه ليؤمّنوا الترويقة المفضّلة لدى اللبنانيين، لقاء تسعيرة انقرضت تقريبًا في زمن الأزمة.

 

في الخارج، عشرات الزبائن من مختلف الأعمار ينتظرون نضوج المناقيش التي بالكاد تخرج إليهم حتى تختفي إما في قلب الأكياس أو يتناولونها ساخنة قبل استئناف جولتهم في السوق.

وبحلول الظهيرة، دورة بيع جديدة تنطلق بالنسبة للزبائن الذين يسألون متى يبدأ أبو ديب بخبز الكعك على الحطب، معتمدًا هذه التقنيّة التقليديّة التي تعطي مذاقًا مميزَا، فضلًا عن أنّ ثمن الكعكة 500 ليرة فقط.

 

في الداخل، تقترب الكاميرا من أبو ديب لالتقاط صورة فوتوغرافيّة فيلتفت سريعًا نحو الفرن مبتعداً عن العدسة، لأن "المناقيش سوف تحترق إن تأخرت ثانية". وخلف الفرّان تدور حلقة عمل منظمة: الشباب يصنعون العجينة، يستلمها رجل خمسيني ليضيف الزعتر عليها، ثم يسلمها لمعلم الفرن.


(تصوير مارك فياض)

يقول صاحب الفرن أنه ورث مصلحته "أبًا عن جدّ"، وأنّه منذ 100 سنة، خبز جده في هذا الفرن أول منقوشة طرابلسية بالحطب ثم ورثه الأب إلى أن استلمه.

ويأسف أبو ديب لما آلت إليه الأوضاع في لبنان، وأثر على لقمة طرابلس وأهلها تحديدًا منهم الذين يعيشون تحت فقر مزمن، وقد يتمدّد إلى رغيف الخبز بسبب تهديدات رفع الدعم عن الطحين المرهون بالمصرف المركزي، إلّا أنّه برغم تواطؤ الأزمات ومخاطر انفجارها، يضع لنفسه خيارين لا ثالث لهما "إمّا الاحتفاظ بقائمة الأسعار نفسها أو إقفال فرنه".

ويعتبر أنّ لا أحداث مرّت بطرابلس أشدّ من الأزمة الحالية، متخذًا مصلحته مؤشراً في "تدهور الفلوس والنفوس".

الأيام جعلت "أبو ديب" يكوّن قناعته الخاصة وبها يضمن نجاحه واستمراره: "من لا يرحَم لا يُرحم"؛ فهو يعتبر أنّ مصائب الغلاء والجوع غير المسبوقين التي تحلّ على البلاد مردّها أنّ "العباد لا يتّقون الله ببعضهم، بينما نحن اليوم نعيش أصعب الأوقات وعلينا أن نتضامن ويساند بعضنا بعضًا؛ أنا مستمرّ بالعمل في هذا الفرن، بل سأمدّد أعمالي قريباً لصناعة كعك الشاي والحليب، وهو اليوم بأسعاره التي يستغربها الجميع. يعيل 8 عائلات لأنّ الله يبارك بالرزق الحلال الطيّب".


(تصوير مارك فياض)

وحول باقي الأسعار، يُتابع أبو ديب:" 8 أرغفة خبز عربي أو افرنجي بـ1000 ليرة، 8 أرغفة خبز أبيض أو أسمر بـ1000 ليرة، حبة المرقد الواحدة بـ 250 ليرة".

وقد يسأل سائل عن الطعم الذي يمكن أن تنتجه 500 ليرة، إلّا أنّه لا يصعب ملاحظة حجم المنقوشة الأصغر نسبة للمنقوشة العاديّة، لأنّ "الطعمة لا يمكن التفريط بها"، الأمر الذي تؤكده الأم سلمى التي تأكل المنقوشة مع طفلتيها واشترت المزيد "في حال لم نشبع"، وفق الأم.

(تصوير مارك فياض)

وسلمى هي واحدة من زبائن كثيرين "تربّوا على منقوشة هذا الفرن منذ أيام الجد، واليوم نستهلكها لأنه من النادر جدًا أن نجد طعماً شهياً بسعر يستطيع الفقراء تحمّله، ولهذا السبب أعتقد أنّ الفرن مستمرّ ولن يغلق أبوابه"، تقول الأم قبل أن تكمل جولتها في سوق الخضر ريثما يحين موعد خبز الكعك. 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم