ضياع حقوق المودعين بين خطاب مِحدَلة الأمر الواقع وضرورات احترام القانون

المحامي كارول سابا – باريستُهدَر يوماً بعد يوم، بمَنهجيّة وانحلال قانوني وأخلاقي لا مَثيل له، أسُس وركائِز حُقوق المُودعين في لبنان. فيجري تمييع المفاهيم القانونية الناظِمة للموجبات والحقوق مما يُنتِج تمييعاً لهَرَمِيّة المَسؤوليات القانونية التي تقع اليوم على ثلاثيّة "الدولة ومصرف لبنان والمَصارف"، وكل من وراءهم من زُعماء ونُوّاب ومُساهِمين، وجميعهم يشكلون الأضلع المُشاركة في الارتكاب الجرمي المالي اللبناني. فالقضيّة، قضيّة حقوق المودعين، التي يَجب أن تكون القضيّة الوطنيّة الأولي لكونها مِفتاح التعافي الأخلاقي والسياسي والاقتصادي، ونِبراس عَودة الثِقة، ثقة المواطن والمُستثمر بالمُؤسّسات، يطغى عليها خطاب مِحدَلة طاغية تفرض سياسات الأمر الواقع أمام تحلل وتفكك منطق القانون الذي لم يعد يأبه به أحد في هذه الجمهورية، فلا تزال مَفاتيح خواتيم هذه القضيّة في قبضة منظومة تحالف حيتان السياسة والمال في لبنان التي لا تزال، على تناقضاتها، تحكم البلد. في الظاهر، تتسابق القوى السياسية لتدافع عن حقوق المودعين. لكن لا أحد يضع الأمور والمفاهيم والمسؤوليات في نصابها القانوني الصحيح الذي من خلاله يَجب مُقاربة الموضوع لكيلا يذهب الصالح بظهر الطالح ويَسلم الأخير. فالجميع يتكلم عن الانهيار المالي، ولكن لا تحديد قانونياً للأفعال الجرمية المالية المُرتَكَبة، ولا تحديد دقيقاً لمُرتكبيها ولنطاقها بدءاً ووصولاً، ولا تحديد موضوعياً ونزيهاً للمسؤوليات القانونية التي تنتج عنها كمَدخل ضروري، لكل عملية توزيع وتحمُّل للخسائر بين المُرتكبين. طبعاً يجري الكلام عن تحديد "حجم" الخسائر وكيفية توزيعها. لكن هرمية المسؤوليات ومداها لا تزال مبهمة في قسمها الهَرَمِيّ الأعلى، أي السلطة، بينما تشير السلطة بوضوح إلى أسفل الهرم، أي المُودعين، الذين سيُرغمون، دون أيّ مستند قانوني، على تحمُّل تبعات ارتكابات مالية فُرِضَت عليهم. والأخطر يكمن في ما يُقال عنه إنه تفاوض تحاصُصِيّ بين مُكوِّنات المَنظومة للتوافق، بالرغم من تناقضاتها، على توزيعات تُناسِب...