الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سيريني لـ"النهار": إيطاليا باقية الى جانب لبنان وتعمل لتخفيف معاناته على القادة تخطي المماطلة والشروع دون تأخير في تشكيل الحكومة

المصدر: النهار
سيريني لـ"النهار": إيطاليا باقية الى جانب لبنان
سيريني لـ"النهار": إيطاليا باقية الى جانب لبنان
A+ A-
يمكن اختصار نتائج الزيارة التي قامت بها نائبة وزير الخارجية الإيطالي السيدة مارينا سيريني للبنان في الأيام الثلاثة الماضية بعبارتها هذه "إيطاليا باقية الى جانبكم ". المسؤولة الإيطالية التي خصت "النهار" بحديث عن انطباعاتها اعتبرت ان زيارتها "تشكل دليلا ملموسا على قرب إيطاليا من الشعب اللبناني والمؤسسات اللبنانية والتزام إيطاليا بذل ما في وسعها للتخفيف من معاناة السكان مع ضرورة ان تتحمل الطبقة الحاكمة اللبنانية مسؤوليتها وتتخذ الإجراءات اللازمة لكبح الازمة ". لا تخفي سيريني انها أبلغت جميع المسؤولين السياسيين الذين التقتهم "ضرورة ان يتخطى القادة اللبنانيون حالة الجمود والمماطلة السائدة وان يشرعوا دون مزيد من التأخير في تشكيل حكومة قادرة على تبني الإصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها لتجنب الانهيار". 
 
عن زيارتها وسط احتدام الازمة وعن المساعدات الإيطالية السخية للبنان وعن موقف إيطاليا من العقوبات الأوروبية وعن واقع لبنان في منطقة تغلي كان هذا الحديث لنائبة وزير الخارجية الإيطالي ل"النهار":
 
■ سيدة سيريني جاءت زيارتك إلى بيروت وسط أسوأ الظروف والأوضاع التي يعاني منها لبنان واللبنانيون على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ما كان الهدف من زيارتك واي رسالة شاءت إيطاليا ابلاغها الى اللبنانيين من خلال الزيارة ؟
 
نحن ندرك تمامًا اللحظة الدراماتيكية التي يمر بها لبنان، حيث يصارع إحدى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأكثر حدة في تاريخه الحديث، والتي تفاقمت من جراء تفشي وباء كوفيد -19 وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. كما نعلم أن للأزمة تداعيات خاصة على الشرائح الأضعف من السكان التي تعاني من الزيادة الهائلة في معدلات التضخم والبطالة، فضلاً عن الصعوبات المتزايدة في العثور على السلع الأساسية. تشكل زيارتي إلى بيروت في سياق صعب كهذا، دليلا ملموسا على قرب إيطاليا من الشعب اللبناني والمؤسسات اللبنانية، فضلاً عن التزام ايطاليا ببذل كل ما في وسعها للتخفيف من معاناة السكان مع التشديد في الوقت عينه على ضرورة أن تتحمّل الطبقة الحاكمة اللبنانية مسؤولياتها وتتخذ الإجراءات اللازمة لكبح الأزمة.
 
■ تعتبر إيطاليا موضوعيا من اكثر الدول سخاء في مد لبنان بالمساعدات في مختلف القطاعات الحيوية وبرز ذلك بقوة بعد انفجار مرفأ بيروت والجسور الجوية التي أقامتها إيطاليا للدعم والمساعدة وتخفيف الكارثة . هل يمكن إعطاؤنا نتيجة اجمالية لحجم المساعدات التي تقدمونها للبنان ؟ 
 
تبلغ قيمة المساعدات التي تخصصها إيطاليا للبنان كل عام حوالى 20 مليون يورو. تشمل هذه المبالغ تمويل مبادرات تنموية، مثل إعادة تأهيل المدارس أو خلق فرص العمل أو بناء البنى التحتية من جهة وأنشطة إنسانية تهدف إلى تحسين أوضاع اللاجئين في البلاد والمجتمعات المضيفة من خلال تمويل المنظمات الدولية الرئيسية من جهة أخرى.
 
ينبغي التنويه أيضا بالدور الذي تؤديه منظمات المجتمع المدني الإيطالية الناشطة في لبنان والتي غالبا ما تعمل من خلال الأموال التي توفرها لها حكومتنا للمبادرات التنموية والإنسانية. تسمح لنا أيضًا هذه المشاريع، ذات التأثير الكبير على الأرض، بتعميق الروابط بين مجتمعاتنا المدنية وتعزيز قدرتنا على الاستجابة لاحتياجات السكان والتعاون بشكل فعال.
 
جاء حجم الاستجابة الإيطالية إثر تفجيرات مرفأ بيروت في آب الماضي كبيرا. إذ تجسدت بمساهمات مالية ونشر فرق من الخبراء وإيفاد بعثة من سلاح الهندسة في الجيش الإيطالي وإنشاء مستشفى ميداني بالإضافة إلى الهبات وهي كناية عن معدات جراحية وطبية وصحية وسلع غذائية، التي قدّمت من خلال ما يناهز عشر رحلات انسانية نُظمت بفضل التنسيق بين مختلف الإدارات.
 
تضاف إلى ما سبق ذكره التمويلات على شكل قروض ميسّرة للغاية لتنفيذ مشاريع تنموية من قبل السلطات اللبنانية. تبلغ قيمة المبادرات الجارية حاليًا ما يعادل 133 مليون يورو. تهدف المشاريع الممولة وفقا لهذه الآلية إلى بناء بنى تحتية كبيرة يصعب تمويلها بأي طريقة أخرى (لا سيما الأعمال التي تعنى بالمياه وبالصرف الصحي) والتي تعدّ ضرورية لضمان ظروف معيشية مناسبة لجميع المواطنين اللبنانيين والحد من التلوث. وفي هذا الصدد، توجّهت يوم الأحد الماضي إلى محطة معالجة مياه الصرف الصحي في زحلة، وهي المحطة الوحيدة من نوعها في لبنان، والتي تولّت بناءها شركة إيطالية. بلغت قيمة استثمارات التعاون الإيطالي في هذه المحطة 22 مليون يورو وتخدم ما يقارب 205.000 نسمة. أُنجزت المحطة وهي تعمل حاليا بكامل طاقتها. ينبغي الآن بالتعاون مع السلطات اللبنانية تحديد المسار كي تتمكن هذه الأخيرة من تولي مسؤولية إدارة هذه المنشأة. وعليه، تبقى إيطاليا مستعدة للمساعدة في هذه المرحلة الانتقالية أيضًا لكننا ننتظر من لبنان أن يتعهد بتهيئة الظروف لضمان استدامة تشغيل المحطة. يجب اعتبار البيئة وصحة السكان من الأولويات.
 
■ في ظل ازمة عدم تشكيل حكومة جديدة والصراع السياسي الداخلي حول هذه الازمة زار روما قبل فترة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والتقى رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطاليين .ما هو موقفكم من الازمة الحكومية في لبنان وهل تحدثت مع المسؤولين اللبنانيين الذين التقيتهم في هذا الشأن؟
 
على غرار ما فعل رئيس الوزراء دراغي والوزير دي مايو بمناسبة لقائهما الأخير في إيطاليا مع رئيس الوزراء المكلف الحريري، أكّدت خلال زيارتي لجميع المسؤولين السياسيين الذين التقيتهم ضرورة أن يتخطى القادة اللبنانيون حالة الجمود والمماطلة السائدة وأن يشرعوا من دون المزيد من التأخير بتشكيل حكومة قادرة على تبني الإصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها والضرورية لتجنب انهيار البلاد. لا يكفي دعم المجتمع الدولي وحده لتصوّر مخرج مستدام للأزمة، في ظل عدم تحمّل المسؤولية من قبل اللبنانيين أنفسهم بشكل حازم.
 
■ يتجه الاتحاد الأوروبي بناء على طلب فرنسا الى فرض عقوبات على سياسيين ومسؤولين لبنانيين بسبب إعاقتهم للحل السياسي الداخلي او بسبب تورطهم في الفساد . هل ستؤيد إيطاليا سياسة العقوبات تجاه لبنان وتلتزم باتباعها ام لا ؟ 
 
برأيي، كان من المتوقع أن يؤدي عدم إحراز أي تقدم على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة (على مدى أكثر من تسعة أشهر) إلى الاتجاه إلى إطلاق نقاش في الاتحاد الأوروبي حول إمكانية اتخاذ إجراءات أكثر حزما لدفع القادة اللبنانيين إلى تحمل المسؤولية وذلك على الرغم من كل الجهود التي بذلها المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي. يتعلّق الأمر بفكرة بدأت تتظهر للتو ونحن في هذا السياق في صدد تقييم مختلف  الأدوات الممكنة، "الإيجابية" و "السلبية" منها - بما في ذلك العقوبات الفردية التي في متناول الاتحاد الأوروبي، شرط ألا تؤثر على السكان. أما في ما يتعلّق بالجانب الايطالي، فنحن لطالما أكدنا أن فكرة مماثلة يجب أن تأخذ في الاعتبار كل التداعيات السياسية والقانونية المحتملة للتدابير التي قد يتقرر اعتمادها.
 
■ لا شك في ان لديكم معلومات وافية جدا عما وصل اليه الوضع الدراماتيكي للبنانيين في ظل الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي . هل تعتقدون انه لا يزال في امكان المجتمع الدولي القيام بما يجنب حصول انهيار كارثي في لبنان ؟ 
 
أكّد المجتمع الدولي في مناسبات عديدة التزامه ودعمه المالي لاستقرار لبنان وازدهاره وحُشدت من أجل ذلك موارد كبيرة. إثر التفجيرات التي ضربت مرفأ بيروت الصيف الماضي، تحرّك المانحون مرة أخرى بتصميم وسخاء كبيرين لتقديم مساعدات طارئة، حتى من خلال تحديد إطار يعرف باسم "الإصلاح والنهوض وإعادة الإعمار"(3RF)، برئاسة البنك الدولي. بالتالي، يمكنني من دون أدنى شك أن أؤكد لكم أن المجتمع الدولي سيستمر بالاضطلاع بدوره. لكن مستقبل لبنان هو أولاً وقبل كل شيء في أيدي اللبنانيين، خصوصا في أيدي الطبقة الحاكمة في البلاد التي عليها أن تستجيب بشكل عاجل لحالة الطوارئ الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية واضعة جانبا مصالحها الشخصية وأن تشرع في تأليف حكومة قادرة على التحرك الفوري واتخاذ الإجراءات الأكثر إلحاحًا لمواجهة الأزمة وبدء مسار الإصلاحات، مهيئة بذلك الظروف لاستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتخصيص مساعدات دولية جديدة.
 
أودّ أن أذكر أخيرًا بالمساهمة المهمة التي يمكن أن يقدمها المجتمع المدني النابض بالحياة في هذا البلد في تحديد مسار انتقالي نحو لبنان أفضل من خلال الانتخابات المقرر إجراؤها في العام 2022 أيضا. نحن كإيطاليا، جنبًا إلى جنب مع شركاء آخرين، ندعم هذه العملية.
 
■ هناك متغيرات كبيرة تجري على مستوى المنطقة كلها وستترك تأثيرات على لبنان خصوصا من خلال ارتباط حزب الله بايران والمفاوضات حول الملف النووي. هل لدى إيطاليا خشية من مزيد من سيطرة ايران على لبنان عبر حزب الله؟
 
تجعل التعقيدات الداخلية التي يواجهها لبنان اليوم من الضروري أكثر من أي وقت مضى الاستمرار في تعزيز بقدر الإمكان سياسة الناي بالبلاد عن الأزمات والتشنجات التي تعصف بالمنطقة. وهو هدف يُسعى إليه تقليديًا ويعاد تأكيده في إطار مجموعة الدعم الدولية (ISG). بهذه الطريقة فقط يمكن منع تحديد مصير لبنان من خلال الجغرافيا السياسية. وبالتالي، ينبغي في مطلق الأحوال، الاقرار بأنه سيكون من السذاجة في مكان أن نستنظر ألا يكون للديناميكيات الإقليمية أي نوع من التداعيات على البلاد. انطلاقا من ذلك، تكتسب قدرتنا على الحوار مع اللاعبين الإقليميين حول كيفية معالجة الأسباب المعمقة لعدم الاستقرار في المنطقة أهمية بالغة. ومن بين هذه الدول إيران، التي نعتقد بأنه من الضروري أن يجري المجتمع الدولي معها حوارًا صريحًا ودائمًا، يعبر من خلاله عن مخاوفه وتطلعاته لدورها البنّاء. هذا بالتحديد ما تفعله إيطاليا، حيث تبقي دائمًا قناة الحوار الثنائي مفتوحة، وخير دليل على ذلك زيارة الوزير ظريف لإيطاليا يوم أمس. جددنا في هذه المناسبة أيضًا، دعوتنا إلى التزام جاد من جانب طهران بالعودة إلى التطبيق الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، مع حثها على اغتنام الفرصة التي تتيحها المناقشات في فيينا واتباع نهج عملي وبناء. في الواقع، تؤيد إيطاليا باقتناع تام الحفاظ على الاتفاق النووي. أما في ما يتعلق بحزب الله، باعتباره مكونا سياسيًا يمثل جزءًا من لبنان، فنحن ننتظر منه أن يعمل بمسؤولية مع القوى السياسية الأخرى لما فيه خير البلد كله.
 
■ بعد زيارتك إلى لبنان والجولة التي شملت قطاعات عديدة في المجالات التنموية والعسكرية والثقافية، هل لنا بمعرفة الانطباعات التي تعودين بها الى بلادك عن وضع لبنان ؟ هل أنت متشائمة حيال لبنان ام لديك بعض الامل في امكان إنقاذه ؟ وشكرا جزيلا لك .   
 
في خلال زيارتي، تمكنت بشكل مباشر من تلمّس ليس فقط مختلف القضايا الحساسة التي يواجهها البلد، بل أيضا الحيوية الكبيرة والاندفاعة اللتين تحركان المجتمع المدني والشباب، والرغبة اللبنانية في طي صفحة الماضي وبناء لبنان أفضل مع تصحيح مواضع الخلل التي عانوا منها في الماضي. ينبغي التشجيع على هذا الدفع في اتجاه التغيير - الذي أتيحت لي فرصة مناقشته شخصيًا في خلال لقاءاتي مع العديد من الناشطين والناشطات في المجتمع المدني – وتجسيده في أشكال من المشاركة التي من شأنها أن تساهم في إعادة إطلاق البلاد. تمكنت أيضا في خلال زيارتي أن أرى بنفسي بعضا من قصص النجاح للتعاون الإيطالي - بدءًا بإعادة تأهيل متحف سرسق. وقد وقّعت لهذا الغرض مذكرة تفاهم مع منظمة اليونسكو لمساهمة إيطالية بقيمة مليون يورو، ما يشكل خير دليل على إمكان إعادة الإعمار بشكل أفضل مع تجديد النسيج الحضري. لا شك في أن ذلك سيكون ممكنا، كما سبق وذكرت مرات عديدة، فقط إذا ما عرف اللبنانيون كيف يرسمون مصيرهم ويهيئون الظروف لكي تساهم مساعدات المجتمع الدولي في إطلاق مسار جديد. إيطاليا باقية إلى جانبكم. 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم