الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جرائم الامتناع

المصدر: النهار
رشيد درباس
رشيد درباس
Bookmark
عودة مشهد قطع الطرق.
عودة مشهد قطع الطرق.
A+ A-
"ولا تُطِعْ كلَّ... منّاعٍ  للخير معتدٍ أثيم"قرآن كريم- سورة القلمليست الجريمة في علمِ القانون فعلًا إيجابيًّا فحسب، يستحقُّ مرتكبه العقاب؛ بل ثمَّةَ جرائم تحصلُ بالامتناع السلبي، وتترتَّبُ فيها مسؤوليةٌ جزائيةٌ على من يحجم عن إتيان سلوك معين كان من شأن القيام به الحيلولةُ دون تحقق النتيجة التي يجرمها قانون العقوبات. مثال ذلك أن يمتنع طبيب عن إسعاف مريض فيلفظ أنفاسه، أو يُحْرَمَ مجنيٌّ عليه من الطعام فيموت، أو يعلم شخص بوجود مشروع تخريبي يهدد أمن الدولة فلا يبلغ أولي الأمر، أو يتقصَّد امرؤٌ ألّا يعقل كلبه الشرس، فيتمادى في إلحاق الأذى بالناس.   ظاهر الأمور الآن أن الطبقة السياسية عندنا ترتكب جريمة امتناع، فتحجبُ توقيعين على مرسوم يعادل خيمة أوكسجين لشعب يعاني الاختناق، وتجتثُّ من حناجرِها خطاباً سياسيًّا خاليًا من الكراهية والأحقاد يحول دون اندلاع الحريق، وترفض تفعيلَ حاسة النظر التي تقينا من التوغل في جهنم، وتكتمُ نفحة من شفقة تبلِّلُ القلوب اليابسة، وتفجِّرُ كلَّ ذَرَّة من تعقل قد يستعيد بها اللبنانيون شيئًا من أمان، ناهيك عن عرقلة سريان الدم في عروق الدولة وعدم التقيد بالاستحقاقات الدستورية . هذا المشهد قائمٌ على مقامرة لا شك بالخسارة فيها، شبيهٌ بمسرحية عن مملكة ينصرف فيها ولي العهد عن إطفاء اللهب، إلى تزيين إيوان العرش بالشعارات وأكاليل الغار الافتراضية فيما ألسنة النار تلسعه فلا يشعر، كالديك الذي يسرقه حَدُّ السكين فيروحُ يفرفر ويصيح بلا هوادة، كأنه "ديكٌ من الهندِ، جميلُ الشَّكْلِ والقَدِّ". ولعل بين الامتناع والممانعة صلة نسب سياسية تتخطى الجذر اللغوي بحيث تتحول السياسة إلى تحصن خلف متاريس الكلام، فيما إدارة البلاد تحتاج إلى الإقدام لا الخندقة، والابتكار لا الانتحار. فمنذ فترة طويلة يعيش لبنان بطالةً سافرة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم