السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

خلف الإنجاز مأساة: كرم بو شعيا بين الحياة والموت بسبب اشتباه خاطئ للجيش؟

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الشابّ كرم بو شعيا.
الشابّ كرم بو شعيا.
A+ A-
شغلت عملية خطف وتحرير المواطن السعوديّ مشاري المطيري الأوساط السياسيّة والأمنيّة التي تابعت التفاصيل أوّلاً بأوّل، نجح الجيش اللبنانيّ في تحريره خلال عملية وُصفت بالنوعيّة، وأوقف عدداً من المتورّطين، لكنّ هذا الإنجاز كما رآه البعض يخفي خلفه مأساة لم تخرج إلى العلن، وخطأً كاد أن يودي بحياة أربعة مدنيين، واحد منهم حالته خطرة.
 
يبدو واضحاً محاولة التعتيم حول هذه الحادثة، وإن كانت تدلّ على شيء فعلى كشف فضاحة الخطأ الذي ارتكبته بعض العناصر التي كانت موجودة في المنطقة، الذين اشتبهوا بسيارة مدنيّة دفعتهم إلى إطلاق سيل من الرصاص، ليقع كرم بو شعيا ضحيّتها، وهو معلّق بين الحياة والموت في أحد المستشفيات.
من مشتبه من بيت "آل جعفر" إلى الجريح بو كرم، اختلطت الأشياء على الفرقة التي كانت موجودة في محلة الكيال- بعلبك وأدّت إلى التصويب على السيارة الخاطئة، ومطاردة الأشخاص الخطأ عوض مطاردة المطلوبين.
 
هذه الحادثة دفعت رئيس اتّحاد بلديّات دير الأحمر جان فخري إلى توضيح ما جرى بإصدار بيان يفيد بأنّ "الاشتباك مع المطلوبين في محلة الكيال - بعلبك، ومصادفة مرور أشخاص بعضهم من منطقة دير الأحمر لحظة الاشتباكات، أسفرت عن إصابة عدد من الجرحى من أبناء منطقة دير الاحمر والجوار، ومن بينهم السيد كرم بو شعيا"، متمنّياً "للجرحى ولكرم بو شعيا الشفاء العاجل".
 
 
في حين أكّدت مصادر "النهار" أنّه "خلال تبادل إطلاق النار صودف مرور سيارة رباعية الدفع بزجاج داكن في المحلة، أدّى إلى إصابة أحد المدنيين بالرصاص من دون قصد، وهي حادثة غير مقصودة، ولقد تمّ إرسال طوّافة لنقله إلى المستشفى".
 
وفي قراءة لما جرى، وقع الخطأ من دون قصد مع ما يحمله من تداعيات خطيرة قد يدفع ثمنها الشاب بو شعيا المعلّق بين الحياة والموت على سرير المستشفى. أسئلة كثيرة تُطرح عن سبب إطلاق الرصاص بهذا الشكل المريب قبل التأكّد من هويّة الموجودين في السيارة، كما كان في إمكان العناصر إطلاق النار على الدواليب لإيقاف السيارة عوض إطلاق النار مواجهة مع السيارة وعلى مدّة متواصلة.
 
لا يُخفي المصدر أنّ "الخطأ وارد في أيّ وقت، كما لا يخفي الخسائر الأخرى التي تكبّدها الجيش في مداهمات أخرى، التحقيق جارٍ اليوم، لكنّ هذا لا يلغي كلّ الجهود التي يقوم بها الجيش لحماية المدنيين وأمنهم.
 
فما الذي حصل فعلاً في يوم المداهمة؟ وما الذي كشفته إحدى الناجيات التي كانت متواجدة مع أصدقائها في السيارة أثناء البحث عن المطلوبين في المنطقة؟
 
تروي الشابة ريا حدّاد التي كانت متواجدة في "الجيب" الذي تعرّض للرصاص خلال مطاردة المطلوبين في عملية خطف السعوديّ، ما جرى بالتفصيل قائلة لـ"النهار" كنتُ برفقة كرم وهو صديقي وشريك حياتي المستقبليّ مع صديق آخر في سيارة رباعيّة الدفع متوجّهين إلى بلدة دير الأحمر للمشاركة بمراسيم دفن جدّ صديقنا. وفي طريق العودة، كنّا متّجهين إلى أحد المطاعم في المنطقة لنتفاجأ بوجود سيارتين رباعيّتَي الدفع تقطعان الطريق، بالإضافة إلى انتشار عناصر ملثّمة، ولا شيء يوحي بأنّها فرقة من الجيش اللبنانيّ".
 
للوهلة الأولى كانت الفكرة البديهية التي تخطر على بال الشباب وجود إشكال بين العشائر في المنطقة، وكانت ردّة الفعل الطبيعيّة طلب الصديق الذي كان يجلس إلى جانب كرم بالاستدارة سريعاً خوفاً من الرصاص. إلّا أنّ خوفهم من الرصاص وهروبهم ممّا يجري سيتحوّل إلى نقطة شكّ بالنسبة إلى الموجودين، وهنا تبدأ حكاية بوليسيّة أشبه بالأفلام.
 
تتذكّر ريّا جيداً ما حصل بينما كانت السيارة تعود أدراجها إلى لحظات من الرعب والخوف، لم يكن إطلاق الرصاص عاديّاً وإنّما بشكل مكثّف ومخيف. "أتذكّر تماماً صوت الرصاص المتواصل على السيارة وكأنّنا في جبهة حرب، لم يتوقّف أزيز الرصاص، وبدأنا نصرخ خائفين من دون أن نفهم حقيقة ما يجري.
نجح كرم في الخروج قبل أن تتوقّف السيارة فجأة، كنّا مختبئين تحت المقاعد، وحده كرم لم يتمكّن من الاحتماء، لنجده مصاباً بطلق ناريّ في رقبته، وهو ينزف بكثرة، نجونا بأعجوبة، نزل صديقي من السيارة بعد توقّفها، في حين بقيتُ مع كرم، كنتُ أتوسّله أن يبقى معي لكنّه كان فاقداً وعيه، كانت حالته سيّئة جدّاً واصابته خطرة بعد نزيف في رقبته."
 
 
حاولت ريّا طلب المساعدة، وصل عنصران من الجيش إلى السيارة بهدف التدقيق في الهويات، وبحسب ريّا "بدأوا بالصراخ مستفسرين عن هويّاتنا، "مين إنتِ؟ عطينا هويتك". عندها بدأت بالصراخ لم أفهم دوافعهما وكرم بين يدي ينزف وهو معلّق بين الحياة والموت، طلبت المساعدة قبل معرفة كلّ ما يريدونه. وهنا كانت الصدمة، عندما سألوني إذا كان كرم من آل بو جعفر؟ فقدتُ صوابي، ماذا يعني ذلك؟ كرم من بيت "بو شعيا" ونحن كنّا نشارك في مراسم الدفن، وهو في حالة خطرة ويستوجب نقله سريعاً.
 
لم تتلقَّ ريّا أيّ مساعدة، "قالوا لي حرفيّاً "تركي هيدا ميت"، بعد سماعي هذه العبارة انهرت، فسارعوا إلى نقله في "الدبابة" إلى مستشفى دار الأمل القريب من مكان الحادثة. وبعد إدخاله إلى هناك، استدعاني أحد العناصر إلى غرفة للاستجواب، وتمّ تصوير فيديو أتحدّث فيه عن كلّ ما شاهدته. وعلمت منهما أنّ ما حصل معنا كان عن طريق الخطأ، وأنّ إطلاق الرصاص لم يكن مقصوداً، ويجب عدم التحدّث بتفاصيل ما جرى بصوت مرتفع كما كنت أفعل في المستشفى."
 
لمست ريّا محاولتهم في طمس الموضوع وعدم إثارته إلى العلن، لكن لم يكن ذنب كرم أن يدفع ثمن خطأ أحدهم، ولا ذنبنا كأشخاص مدنيين بريئين لا علاقة لنا بكلّ ما يجري، حيث تحوّلنا إلى مشتبه بهم ومطاردين، فقط لأنّنا مررنا في المكان. وطالما أنّ هناك عمليّة نوعيّة، كان لا بدّ من التدقيق في كلّ سيارة والتأكّد من الهويّات قبل اتّخاذ أيّ قرار بإطلاق النار، وهذا ما لم يحصل.
 
يرقد كرم في مستشفى أوتيل ديو في غيبوبة، تقول ريّا: "لا نعرف مدى قدرته على التنفّس بمفرده، ما زال موصولاً على أجهزة التنفّس الاصطناعيّ، بعد أن أُصيب برصاصة في النخاع الشوكيّ".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم