الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بعد نجاح حفله في بيرسي... إبراهيم معلوف لـ"النهار": جذوري اللبنانية قابعة في كلّ زاوية من حياتي

المصدر: بيرسي- "النهار"
إبراهيم معلوف خلال حفله في بيرسي.
إبراهيم معلوف خلال حفله في بيرسي.
A+ A-

بيرلا جو معلولي

 

لم أكن أعلم إلى أين كنت ذاهبة، ولم أفهم حجم التفاعل الذي يخلقه إبراهيم معلوف في فنِّه وتواضعه، في الدفع إلى الخلق والمشاركة. هنالك الدنيا والشوارع، البشر والأشغال، التواصل وعدم التواصل، وهنالك إبراهيم معلوف.

 

في مكانٍ يتّسع لآلاف الحاضرين، وُجِدَ إبراهيم وخلطته السحرية لجمع الأجيال والإمكانيات، الاهتزاز والارتجال. إبراهيم معلوف اسم واحد، ولكنه يمثل مملكة جمعت وما فرقّت، تطوّرت وإن غرقت أحياناً. مملكةٌ، الصغير فيها ملك، والكبير فيها ملك، والقادر فيها ملك، وغير القادر، قادر.

 

من خلال التمارين، صوته وحضوره يشعلان المملكة، يقوّيان الإنسان، وينسجان الانسجام.

 

 

لم أكن أعلم إلى أين كنت ذاهبة، ولكنني ذهبت وما خبت. الحديث مع إبراهيم كان سريعاً ومفيداً. بقيتُ خلال التمارين. اشتعلت الدنيا بالطاقة لتخلق ارتجاجاً من الإبداع فبكيتُ دموع الفرح التي تأتي مع تعجّب وامتنان لما تراه عيناي وما تسمعه أذناي.

 

 

اكتظت شوارع بيرسي بآلاف الحاضرين للاستمتاع بعطاء إبراهيم، بخبرته وإحساسه الصادقين، الكريمين والمتناغمين، ما بين الماء والنار، ما بين النهر والبركان. 12000 شخص أتوا للاحتفال مع إبراهيم، وشارك 430 موسيقياً ما بين محترفين وتلامذة، معهم فوق الـ150 فنياً ومنتجاً، وفريق إبراهيم الثابت.

 

شدّد إبراهيم على أنّ ثمة أصولاً أميركية جنوبية في عائلته، وذكر ألبومه الذي أنتجه لتكريم هذه الجذور والثقافة التي هي أيضاً جزء من تكوينه. علّق على عدم اكتراث الصحافيين لهذه النقطة، ففي المقابلات غالباً ما يتجاهلون ولا يسألونه عنها. ضمّ موسيقيين من أعمار وبلاد مختلفة، أحسسنا بالانطباع الأميركي الجنوبي في ما كان يقدّمه، خاصة عندما استقبل فنانين من كوبا لدعم نمط الألحان وللسماح لنا بالاقتراب من أميركا اللاتينية. ولم ينسَ أصوله اللبنانية.

 

منذ 6 سنوات، دعا إبراهيم تلميذة متألقة من الفرقة لأداء قطعة فردية (كان عمرها 9 سنوات)، ها هي تعود لتؤدّي معه مرة أخرى (عمرها الآن 15 سنة). نعم، إنّ مسار إبراهيم ينضج ويغذي معه كلّ ما حوله. قدّم جميع الموسيقيين بحرارة وتقدير، وذكر كل اسم من الطاقم الفني الذي أسهم بجعل الحفلة ممكنة.

 

بين الأغاني، روى إبراهيم حكايات ألهمت فنّه، قصصاً شخصية وعائلية، عن كل من أخته وجدّته التي قالت له "لا تدع أحداً يثنيك عن جعل حياتك حفلة".

 

قبيل النهاية، ترك إبراهيم المسرح ونزل يتمشّى بين الناس وعندها انضمّ إليه عدد كبير من التلامذة مع آلاتهم الموسيقية وتوزعوا بين مقاعد المشاهدين. ما أحببت في حفلة إبراهيم معلوف هو علاقته بموسيقاه وبالناس، إن كانوا مشاهدين أو موسيقيين. علاقة مرحة وعاطفية. ألفة الناس وفيض الأحاسيس، تجعل الموسيقى قوة لا تخمد.

 

يقول إبراهيم لـ"النهار" إنّ جذوره اللبنانية قابعة في كلّ زاوية من حياته. "هي ليست جذوراً بل أصولي وحياتي. تعنيني بشدّة المنفعة التي أسعى لتقديمها إلى بلدي وعائلتي، وأقضي الكثير من الوقت في لبنان، وبينه وبين فرنسا".

 

يوم كان صغيراً، أراد أن يكون مهندساً. يقول: "إنّ المشاكل التي يتخبّط بها لبنان تمنع شعبه من تصوّر مستقبله البعيد، وأعتقد أنّ ما يمكنه المساعدة هنا هو بناء مشاريع لعشرين وحتى خمسين عاماً مقبلاً عبر رؤية وتفكير شاملين أمدهما طويل. أعلم أنّ الأمر صعب لصعوبة التخطيط في لبنان، فالبلد هشّ".

 

 

يشرح إبراهيم أنّ "ثمّة عناصر عدّة في الموسيقى تساعد في الحياة اليومية، كالعواطف التي على المرء تقبّلها، وهو أمر يصعب تحقيقه أحياناً، وهنا يأتي دور الموسيقى عموماً". ويضيف: "أعشق الارتجال في عملي، إذ يتعدّى كونه مجرد تمرين في الأسلوب ويحمل رسالة قوية، حتى إنّني أرغب في وضع كتاب اسمه (فلسفة الارتجال) كي أشرع أهمّية التوازي بين حيواتنا والطريقة التي بها نرتجل كتابة الموسيقى، مثلاً في حالة ارتجال مقطوعة بين مجموعة موسيقيين مختلفين بحالات نفسية مختلفة وآلات مختلفة، هنا يأتي دور الارتجال في تبيان أنّ الاختلاف يمكنه خلق مادة موحّدة وقوية".

 

يرى الموسيقي الشاب أنّه "في الارتجال، يصعب خلق مادة من دون الوقوع في الخطأ. لم نعد نولي قيمة للحاجة لتعلّم ارتكاب الأخطاء كي ننجح في التصحيح بعد ذلك".

 

من جهة ثانية، يرى إبراهيم أنّ "الموسيقى هي التزامات وليست نشاطاً. أعتبر نفسي فناناً ملتزماً ولكن لست ناشطاً، وهذان أمران مختلفان تماماً بالنسبة لي، لأنّه منذ اللحظة التي تكون فيها ناشطاً، تستخدم الموسيقى لرسائل سياسية. الالتزام بالنسبة لي هو أنّ الموسيقى في حدّ ذاتها تجمع بين القيم التي تعتبر مهمّة بالنسبة لي في الحياة وفي المجتمع، لكنني لا أرغب في تسمية الأشياء بطريقة سياسية لأنّ الخطر يكمن في الانتعاش السياسي، وأعتقد أنّ الموسيقى يجب أن تبقى حرة في أن يكون لديها الوعي الذي تريده من دون أن تسيطر عليها أيديولوجيا".

 

ويقول: "أعتقد أن موسيقاي تنقل قيماً، وهذه الأخيرة تفوق العقائد والمعتقدات السياسية أهمية".

 

يعترف إبراهيم بأمر بالغ الأهمية، فيقول: "أنا مليء بالشكوك التي أتقبّلها. إنّها مسألة قبول أن تكون غير معصوم ، وأن أكون مخطئاً في عدم الحصول على إجابات في بعض الأحيان، وهذا ما يجعلني أتصرف، وهذا أيضاً يعلمنا إياه الارتجال. وعندما نكون على خشبة المسرح أمام جمهور يتوقع شيئاً منّا، علينا أن ندرك أنّنا بشر وأنه يمكن أن نرتكب الأخطاء".

 

 

وعن حفله المرتقب في بيروت ليل 27 نيسان يقول: "إنّها حفلة ألتقي فيها أشخاصاً أحبّهم، وأسعى لأن أعيش فيها وقتاً مهماً وتجربة مميزة. سأجتمع بأشخاص من أجيال مختلفة وسنقدّم أنماطاً مختلفة. إنّها أشبه بحفلة عائلية ضخمة".

 

وحين سألته عمّا يودّ أن يسأل نفسه عنه أجاب: "أسأل نفسي، هل ستتقبّل يوماً أنّ البوق هو فعلاً آلتك؟ أفكّر منذ سنوات بالتوقّف عن عزف البوق لأنّ الأمر متعب، غير أنّني في كلّ مرة أفكّر في الأمر أعزف مجدّداً. أحبّ التأليف الموسيقي السينمائي وأعمل عليه، كما أحبّ أن أعمل أكثر مع فنانين آخرين على إنتاج ألبوماتهم، إلى جانب التعليم".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم