الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

البحث عن العلاج في جهنم

المصدر: النهار
ما هو السبب وراء التباين بين البيانات الحكومية ونقص الأدوية في السوق؟
ما هو السبب وراء التباين بين البيانات الحكومية ونقص الأدوية في السوق؟
A+ A-

 
هل شعرت يوماً بأن جسمك أشبه بقنبلة موقوتة تكاد تنفجر بسبب الإجهاد والضغوط المتعاظمة؟
نعم، هذا ما يشعر به اللبنانيّون فيما ينتقلون من صيدلية إلى أخرى، بحثاً عن الأدوية اللازمة كي لا تتفاقم أوضاعهم الصحية. فالنقص في الأدوية لا يُميّز بين مريض وآخر ولا يوفّر أحداً، سواء كان الشخص مصاباً بالسكري أو بارتفاع ضغط الدم، أو حتى بالكآبة. وبعد الانفجار الذي وقع في عكار منذ فترة وجيزة، وتسبّب بحروق خطيرة لنحو سبعين شخصاً وقد امتلأت مستشفيات المنطقة بهم، عمّت حالةٌ من الهلع في مختلف أنحاء البلاد، وسط لجوء الأشخاص إلى مواقع التواصل الاجتماعي في سعي محموم للعثور على بعض حبوب الدواء والمضادات الحيوية والمراهم. وبالرغم من أن الواقع واضحٌ وضوح الشمس ولا يُمكن إنكاره، فلا تزال الحكومة اللبنانية تدّعي أن الأدوية متوفّرة، وتدعو اللبنانيين إلى عدم الشعور بالهلع. فما هو السبب وراء التناقض بين البيانات الحكومية ونقص الأدوية في السوق؟ وكيف يمكن الحصول على الأدوية الضرورية وتخزينها بطريقة صحيحة في خضم هذه الفوضى العارمة؟

من أجل وضع تقييم صحيح عن العبء الذي يشكّله الحصول على العلاج في الوقت الحالي، سوف نعرض بعض الإحصاءات للأمراض الجسديّة مثل السكري و"كوفيد-19"، والأمراض النفسية مثل الاكتئاب. في شباط 2020، تخطّت نسبة المصابين بالسكريّ في لبنان 12.9 في المئة (بحسب الاتحاد الدولي للسكري)، ما يعني الحاجة إلى كميات أكبر من الإنسولين وأدوية السكري. وفي ما يتعلق بالجائحة الحالية، ومع تفشّي متحوّر "دلتا" الجديد وتخطّي الإصابات عتبة الألف، ترفع المستشفيات الصوت محذّرةً المواطنين من أن البلاد غير قادرة على تحمّل موجة جديدة من الوباء بسبب النقص في الأدوية والإمدادات الطبية، ناهيك عن انقطاع الكهرباء لساعات طويلة (The National News)، مما يعطّل تشغيل الأجهزة الطبيّة مثل آلات التنفس الاصطناعي.

وإلى جانب ذلك، يتجاهل كثرٌ تدهور صحّة اللّبنانيين النفسية بعد الأحداث المأسوية التي عصفت بالبلاد خلال العام المنصرم، بدءاً من الثورة مروراً بانفجار مرفأ بيروت وصولاً إلى الأزمة المالية غير المسبوقة. والخوف من الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية هو السبب خلف امتناع نحو 90 في المئة من اللبنانيين عن السعي للحصول على الخدمات التي تلبّي هذه الاحتياجات (Rayes, 2021)؛ لذلك بدا لهؤلاء أن تناول الأدوية المضادة للاكتئاب هو الحلٌّ "الأفضل". صحيح أن بدائل رخيصة الثمن تتوافر في السوق، ولكن تناول الأدوية من دون تشخيص صحيح للحالة الصحية أمرٌ محفوف بالمخاطر، فبعض هذه الأدوية يُحظَر تناوله في البلدان الأخرى من دون وصفة طبية، مثل دواء "بروزاك" في الولايات المتحدة (FindLaw, 2018).

ان انقطاع الأدوية مردّه إلى الفساد الذي هو في الأساس معظم المشاكل اللبنانية. فسوق الدواء هو في أيدي 20 مستورداً يملكون حقوقاً على إمداداتهم من الدواء، ويخضعون أيضاً لسيطرة الطبقة السياسية الفاسدة. وفي حين أن السياسة والاقتصاد مترابطان ترابطاً جوهرياً، يُعتقَد أن هؤلاء المورّدين يُمارسون الاحتكار، ويستغلّون التضخّم الحالي من خلال تخزين الأدوية بهدف بيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، مما يجعل المواطنين ينفقون مبالغ طائلة على الأدوية الأساسية.
 
 

 

يُشار أيضاً إلى أن لبنان يستورد 80 في المئة من الأدوية، وفي ضوء التدهور السريع في قيمة الليرة اللبنانية، لم يتمكّن المصرف المركزي من تسديد الأموال المتوجّبة عليه للشركات المورِّدة الأجنبية، التي وصلت إلى 600 مليون دولار منذ كانون الأول 2020، ما تسبّب بتوقّف عملية الاستيراد. يقول مسؤولون في القطاع الصحيّ إن الأدوية والمعدّات الطبيّة مفقودة بنسبة 70 في المئة.
ونتيجةً لذلك، تهافت اللبنانيون، في حال عثورهم على الأدوية، على تخزينها بكميات كبيرة وبأسعار أرخص، ما أدّى إلى تفاقم حدّة النقص، وتسبّب حتى بالاستعانة بأفراد العائلة والأصدقاء المقيمين في الخارج من أجل الحصول على الأدوية اللازمة.
بعد انقطاع الأدوية، إضافةً إلى الارتفاع الشديد في أسعارها، يطرح تخزين الأدوية مشكلة جديدة. فنظراً إلى شحّ السيولة في البلاد، وما ينجم عنه من رفع للدعم، بات هناك نقص شديد في الأدوية، وانقطعت الأدوية والتجهيزات الطبية بنسبة 70 في المئة منذ مطلع حزيران، بحسب المسؤولين في القطاع الصحي (Lebanon Medicine Importers Warn of Drug Supply Shortages amid Cash Crunch). وقد تسبّب ذلك بهلعٍ لدى المواطنين الذين تدافعوا لتخزين الأدوية، ما أدّى إلى مزيد من النّقص في الكمّيات، وهذا يضعنا أمام حلقة مفرغة (Mahmoud & Iskandarani, 2021) . فإذا كانت الأسرة تخزّن كمّيات كبيرة من الأدوية، يزيد احتمال تلفها بسبب انتهاء صلاحيتها. صناعياً، تُشير مدّة الصلاحية التي تحدّدها الجهة المصنّعة إلى الفترة التي يحافظ الدواء خلالها على الحدّ الأقصى من الأمان والفاعلية. ولكن هذه المدّة لا يُعتَدّ بها بعد فتح علبة الدواء، ما يؤشّر إلى أن ثبات الدواء ليس مرتبطاً بمدّة الصلاحية بل بشروط التخزين (Anderson, 2020) .


 
ويُشار بهذا الصدد إلى أن الحرارة والرطوبة هما من العوامل التي تؤثّر سلباً في ثبات الدواء، ويجب تجنّبهما. ونظراً إلى ساعات التقنين الطويلة، لم تعد وسيلة التخزين المطلوبة للحفاظ على بعض الأدوية مضمونة. فلنأخذ الإنسولين مثلاً: إذا كان موضوعاً في عبوات زجاجيّة، يجب تخزينه في أجهزة تبريد بعد فتح العبوات؛ وإذا كان موضوعاً في أقلام، يجب حفظه في درجة حرارة الغرفة بعد فتحها، علماً بأن صلاحية الإنسولين تنتهي بعد 28 يوماً من فتحها، إذا كان محفوظاً في درجة حرارة الغرفة. ويتسبّب انقطاع التغذية بالتيار الكهربائي بمعاناة لمرضى "كوفيد-19" المصابين بمضاعفات شديدة تقتضي إمدادهم بالأوكسيجن بصورة مستمرّة، ولذلك يُضطرّون إلى شراء مولّد لتشغيل جهاز الأوكسجين، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية المترتبة عليهم بسبب العلاج. وهذا يؤدّي في نهاية المطاف إلى معضلة في التخزين، وإلى كارثة صحيّة.

وقد وجد اللبنانيون على الفور بديلاً لهذه الفوضى الطبية، من خلال الطلب إلى أصدقائهم أو أنسبائهم القادمين من الخارج أن يبحثوا عن بعض الأدوية غير المتوافرة هنا ويحضروها معهم إلى لبنان. قد يبدو ذلك خياراً ناجعاً، ولكنّه يُثير بعض المخاوف، فهل يعرف الأصدقاء أو الأنسباء ما هي الوسيلة الآمنة لحفظ الأدوية خلال السفر؟
بحسب Baystate Health، يُمكن أن يؤدّي تعرّض الأدوية لدرجات حرارة مرتفعة أو منخفضة جداً إلى تغيير في خصائصها الفيزيائية، وإلى التأثير في فاعليتها، وقد تُصبح مضرّة بالصحة. فتخزين الأدوية بطريقة آمنة خلال السفر جواً يقتضي توضيبها في الحقيبة التي يحملها المسافر معه على متن الطائرة، "لتجنّب درجات الحرارة القصوى في عنبر الشحن". ثانياً، هل من الصائب طبيّاً وأخلاقيّاً طلب أدوية من دون وصفة طبيّة؟ صحيح أن هذا الحلّ مؤقّت، ولكن لا يسعنا سوى التوقّف عند السّجال الذي يُثيره هذا البديل.

إذن يتحمّل اللبنانيّون أعباء كثيرة للحصول على العلاجات والأدوية، بدءاً من التنقّل من صيدليّة إلى أخرى بحثاً عن الأدوية الضروريّة ووصولاً إلى تعديل العلاج وطريقة تخزين الأدوية بحسب توافر التغذية بالتيار الكهربائي. ولكن يمكن التخفيف من هذه الأعباء من خلال بعض التوصيات أملاً في أن يتحقّق الإصلاح الطويل الأمد في المستقبل القريب:
تجنّب تخزين الأدوية في أماكن ذات رطوبة عالية أو درجات حرارة مرتفعة، مثل المطبخ والحمام(Tahmasbi) . فكلّما كانت ظروف التخزين أفضل، حافظ الدواء على فاعليته لفترة أطول.
طلب نصائح طبيّة مهنيّة بشأن بدائل أرخص ثمناً لبعض الأدوية التي انقطعت في السوق.
التعوّد على وسائل التخزين المناسبة للأدوية المستعملة أو اللازمة من أجل إطالة فترة فاعليتها وحفظها.
والحلّ الأمثل في المدى الطويل هو اعتماد منظومة للوصفات الطبيّة تضبط بيع الأدوية في الصيدليات (El Jamal, et al., 2020).
 
  
  
ميرا جوفلكيان
فانيسا بو زيد
نهاد يزبك ضوط
نجاة عون صليبا

ترجمة نسرين ناضر عن الإنكليزية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم