الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

فراس الأبيض في حديث صريح لـ"النهار" عن كابوس كورونا: هذا أصعب ما مررنا به ونحن أمام امتحان صعب

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الدكتور فراس الأبيض.
الدكتور فراس الأبيض.
A+ A-
أصبحت تغريداته محطة رئيسية في معركتنا مع الوباء في لبنان، محاولته في نشر الوعي والنصائح ودقّ ناقوس الخطر كانت عبر منصة "تويتر" التي اختارها لإيصال رسالته التوعوية طوال سنة. وسواء أكنت توافقه الرأي أو تخالفه، إعتبر الدكتور فراس الأبيض شخصية طبية فرضت نفسها في زمن الوباء. في هذه السطور، نختصر فيها أبرز المحطات والتحديات وبعض الجوانب الشخصية في حياة المدير العام لمستشفى الحريري الجامعي. 

بعد سنة على انتشار #كورونا في لبنان، أين أخطأنا وأين نجحنا في مواجهة الفيروس؟
مما لا شك فيه أن البداية كانت جيدة وقد تعاملنا مع الفيروس كما يجب، والأرقام تكشف حقيقة ذلك. نقطة التحوّل كانت في قرار فتح المطار وإعادة المغتربين اللبنانيين إلى وطنهم. فمن جهة ولأسباب اقتصادية اتُخذ القرار في فتح المطار، ومن جهة أخرى هذا حقهم الشرعي في العودة إلى وطنهم في ظل #جائحة تعصف بالعالم أجمع، وعليه كان على الدولة إيجاد طريقة لتأمين هذه العودة الآمنة، ولكن للأسف شهدت عودة المغتربين ثغرات عدة بالإضافة إلى عدم ضبط الأمور من جهتين. من الجهة الأولى لم تستطع ولا تملك الدولة أصلاً ميزانية أو أموالاً كافية لتغطية نفقات المراكز او الفنادق الخاصة بالحجر، وبالمقارنة مع استراتيجية الصين، فرضت الأخيرة أن يحجر العائدين إليها أول الجائحة لمدة 10 أيام في أماكن مخصصة وفق بروتوكلات صارمة وجازمة. 
 
ومن جهة أخرى، وللأسف الشديد، لم يلتزم جزء من هؤلاء المغتربين بإجراءات العزل ولم يكونوا على قدر من المسؤولية. وعليه، شهدنا مجموعة عدوى متفرقة نتيجة هذا الاستهتار وعدم الالتزام من قبل بعض المغتربين. وبالتالي لم يكن هناك وعي كافٍ من قبل بعض العائدين بالإضافة إلى عدم اتخاذ اجراءات قاسية بحق المخالفين خوفاً على انعكساته السلبية على الاقتصاد آنذاك. 
 
ومنذ حزيران وتموز، بدأنا نشهد ارتفاعاً في الإصابات رويداً رويداً. ونتيجة هذا الارتفاع، كنا أمام خيار صعب الإقفال العام لضبط الوضع وإعادة السيطرة على الوباء. إلا أن المشكلة في لبنان وبسبب الوضع الاقتصادي المزري، ارتفعت أصوات رافضة وردات فعل غاضبة نتيجة هذا القرار معللين أن الفقر ايضاً يؤدي إلى الموت وليس فقط الفيروس. ولأن الدولة عاجزة اقتصادياً عن مساعدة شعبها، لم تستطع سدّ احتياجات الناس ودعمها في فترة الاغلاق كما فعلت بعض الدول أثناء الحجر.
 
المقاربة للكورونا في كل العالم تنقسم إلى سياستين: السياسة الصحية التي اعتمدتها نيوزيلاندا وتايوان أي اقفال البلد إلى حين تسجيل صفر اصابات وبالتالي اعادة فتح البلد وتسجيل اصابات قليلة جداً. ولكن تتطلب هذه الاستراتيجية استثماراً كبيراً وضخماً في البداية، خصوصاً في ظل اقفال قد يمتد إلى خمسة أسابيع.
 
أما بالنسبة إلى الإقفال والفتح نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة للدولة، فهي تساعد على التخفيف من عبء المستشفيات، إلا أن على الناس التعايش مع هذا الوباء. وهذه هي حال لبنان الذي عليه التعايش مع هذا الفيروس. كما اننا كنا بحاجة إلى تكثيف حملات التوعية وأن تكون أقوى، ونحن اليوم ندفع ثمن هذا التقصير حيث نجد المواطنين في بعض المناطق غير ملتزمين بالحد الأدنى من الوقاية ويعتبرون الكورونا كذبة ومؤامرة غير موجودة. وهذا التفاوت في الالتزام ينعكس سلباً في معركتنا مع هذا الوباء.

عاودت أرقام الإصابات إلى الارتفاع حيث لامست الـ2000 إصابة يومية، ومع اقتراب الأعياد، فهل كان على الدولة تمديد فترة الإغلاق إلى ما بعد الأعياد أو فتح البلد ضمن شروط صارمة ومحددة؟
علينا أن نعرف أن ليس كل القطاعات مؤذية بالطريقة والدرجة نفسها، وليست كل النشاطات ضرورية أيضاً. ان فتح المحلات وعودة الحركة الاقتصادية ضرورية لتأمين لقمة العيش، ولكن لم يكن مجدياً او ضرورياً فتح النوادي الليلية. إذاً، كان يمكن اقفال النوادي الليلية شرط دعمها مادياً من قبل الدولة وفتح المؤسسات والشركات الكبيرة التي لديها مئات الموظفين. ولكننا لا يمكن المضي في قاعدة "فتح كل شيء أو اغلاقها جميعاً"، فبعض الأماكن تؤذي بنسبة أكبر من غيرها وتتطلب نزع الكمامة برغم من التباعد الاجتماعي مثل المطاعم، الأمر الذي يزيد من مخاطر الإصابة أكثر. 
 
في المقابل، على المواطن ان يتخلى بالمسؤولية في فترة الأعياد، يمكن أن يُعيّد مع عائلته الصغيرة والاحتفال بهذه المناسبة. أما بالنسبة إلى الناس الذين يريدون السهر والاحتفال على نطاق أكبر، سنكون أمام خطر الإصابة ونقل العدوى إلى عدد أكبر.
هل ممكن أن يرتفع عدد الإصابات أكثر بعد فترة الأعياد؟
ما يهمنا حقيقة ليس فقط عدد الإصابات وانما عدد الحالات التي تستوجب الدخول إلى العناية الفائقة وعدد الأسرة المتوفرة. وفي العودة إلى الأسابيع الماضية، تبدو واضحة الزيادة في عدد إشغال أسرة العناية وهذا مؤشر غير مطمئن. الخطر الذي قد نواجهه، عندما نصل إلى القدرة الاستيعابية القصوى في أسرّة العناية ويكون لدينا مرضى كورونا ولكن لا أسرّة شاغرة لهم. وكل مساعينا وتغريداتنا وتحذيراتنا هي لتفادي الوصول إلى هذا السيناريو، ونأمل أن لا يتحقق ذلك أبداً.
 

في أحد تغريداتك، سلط الضوء على أهمية انشار مركز تأهيل لمرضى كورونا الذين يعانون من مضاعفات طويلة الأمد نتيجة الإصابة. ما هي أبرز هذه المضاعفات؟ 
ما لا تظهره الأرقام هو مضاعفات الطويلة الأمد بعد الإصابة بالفيروس، كلنا نعرف أن هناك عدداً من المرضى ما زالوا يعانون من مضاعفات كوفيد_19 حتى بعد تماثلهم إلى الشفاء. ويعاني قسم منهم من ضيق في التنفس وتعب وضعف في العضلات يتطلب علاجاً فيزيائياً ومساعدة للمشي مجدداً خصوصاً الذين بقيوا في العناية لأسابيع. كما يحتاج بعضهم إلى الأوكسجين لفترة طويلة. كذلك يعاني البعض من قلّة الشهية وخسارة في الوزن. وهذه الآثار الجسدية يرافقها عند 20% من المرضى آثاراً نفسية حيث يعاني المريض الأرق وقلّة في النوم، قلق دائم واكتئاب... 
لذلك ليس علينا أن نركز فقط عن الحالات التي تمثلت بالشفاء دون أي مضاعفات ونتناسى الحالات التي ما زالت تعاني من مضاعفات هذا الفيروس وتحاول استعادة نشاطها وعافيتها. 

يعتبر مستشفى الحريري الخط الدفاع الأول في لبنان للمعالجة من الكورونا، ما هي أصعب التحديات الذي واجهها خلال الفترة الأولى؟ وكيف تقييم وضع المستشفى اليوم بعد سنة من معركتها مع الفيروس؟

القرار في خوض المعركة مع #كورونا كان أصعب ما يمكن مواجهته، خصوصاً أن المستشفى كان يعاني من أزمة مالية. أضف إلى ذلك، أن الفيروس كان جديداً وما نسمعه من أخبار مقلق ومخيف. كنا أمام تحديات صعبة وعديدة منها المادية والنفسية (الخوف من الإصابة بالعدوى من الطاقم الصحي)، ومع ذلك أعرب العاملين في المستشفى عن رغبتهم في خوض المعركة انطلاقاً من رسالتهم الانسانية وباعتبار أنهم خط الدفاع الأول في المعركة ضد #كورونا. 
برأيي، البداية كانت صعبة ولكن بمجرد اتخاذ القرار نجحنا في خوض المعركة. وأجمل ما حدث خلال سنة نضالنا وقتالنا مع هذا الفيروس يتمثل بمحبة الناس وتقديرهم لكل جهودنا من خلال مساعدتهم المادية والمعنوية. 
 
ما هي أصعب اللحظات التي تركت آثارها ويصعب نسيانها خلال معركتم مع هذا الوباء؟
أكثر ما هزّنا وكسرنا معنوياً وشخصياً كان بوفاة أول طبيب لبناني بفيروس كورونا وهو الدكتور لؤي. وقد لعبت الظروف دورها، فالطبيب لؤي كان يتواصل معنا لإرسال مريض مصاب إلى مستشفى الحريري، وكنا على تواصل معه قبل إصابته. إلا أن وفاته كانت بمثابة ضربة قاسية وموجعة لكل العاملين في المستشفى أولاً لأنه طبيب وثانياً لأنه شاب. 
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الممرضة زينب التي دخلت إلى مستشفى الحريري للمعالجة وقد حزنا جداً على وفاتها. كانت زينب مريضتنا ولقد تأثرنا بوفاتها كثيراً، وحاولنا جاهدين انقاذها ولكن دون جدوى، كانت النهاية قاسية ومؤلمة. 
ليس سهلاً على الطاقم التمريضي والطبي أن يخسر مريضاً، هم الذين يرافقونه طيلة فترة العلاج يصعب عليهم تقبّل الموت بسهولة. ومنذ أيام خسرنا فرداً من العاملين لدينا في المستشفى، ويصعب علينا تقبل هذه الخسارات المتتالية.
 
تتجه الأنظار اليوم إلى سباق اللقاحات برغم الجدل حول مأمونيتها وسرعتها، هل أنت مرتاح للإجراءات والخطة التي وضعتها الوزارة للحصول على لقاح فايزر؟
سارعت الوزارة إلى التحرك وحجزت دفعة من اللقاح عبر طريقتين دخولها في تجمع "كوفاكس" والتواصل مع شركة فايزر- بيونتك مباشرة لتأمينه. فهذا اللقاح الذي بدأت بإستخدامه دول عدة واصل إلى لبنان وهذا مؤشر جيد وايجابي. كذلك تتابع لجنة كفوءة مكلفة من الوزارة كل التفاصيل والاجراءات لتأكين اللقاح بكل شروطه ووفق المعايير اللازمة،ولكن لم نعلن اللجنة بعد أي تفاصيل للناس لذلك يصعب التعليق على الموضوع قبل الاطلاع على هذه الإجراءات. والتحدي الأكبر بالنسبة إلى كل الدول يتمثل بالإجراءات اللوجسيتة أكثر من الحصول على اللقاح. 
صحيح أن هناك تحديات كبيرة ، واستطاع لبنان تأمين مليوني جرعة أي مليون شخص سيتلقى اللقاح في الفترة الأولى، وليس سهلاً تطعيم هذا العدد خلال فترة محددة وكم جرعة يتوجب اعطاؤها باليوم الواحد؟ أسئلة وهواجس كثيرة سترافق هذه الفترة التحضيرية، لذلك سيكون التحدي الأكبر هو التحدي اللوجستي لتأمين هذا اللقاح للجميع والوصول إلى النتيجة المرجوة. 
والامتحان الأصعب اليوم خلال هذه الفترة يعتمد على سلوك المواطن الذي سينعكس على النتائج الوبائية وانتشار الفيروس في الأسابيع المقبلة. وبالتالي النتائج ستكون مرهونة بسلوكيات المواطن وإلتزامه، ونأمل أن نتخطى هذه المرحلة ونجتازها بأقل أضرار ممكنة. 
كيف تلقيت خبر إصابة والديك بالفيروس خصوصاً أنك ملّم وعارفٌ بكل المضاعفات التي قد يُسببها الفيروس؟ وكيف تخطيتم كعائلة هذه التجربة الشخصية؟
أعيش في هذا الهاجس طوال الوقت وبطريقة بديهية تشاركني عائلتي هذا القلق، ويعلم والداي أن الخوف من نقل العدوى نتيجة عملي تفرض عليّ اتخاذ الاحتياطات بأقسى الدرجات، وتحتم عليّ زيارتهما بصورة سريعة وضمن اجراءات الوقاية خوفاً على سلامتهما. 
ولكن للأسف، أصيب والدي بالفيروس والتفسير الوحيد حسب تقصينا للعدوى وكيفية إلتقاطها كانت نتيجة ذهابه إلى أحد المستشفيات لإجراء صورة شعاعية. ولا أخفي أنه عند معرفتي بإصابته روادتني الكثير من الأفكار السيئة إلا أنني تمسكت بالأمل، وثقتي الكبيرة بالمستشقى وبطاقمه الطبي والتمريضي دفعتني إلى معالجة والدايّ. 
لم يعاني والدي من أعراض شديدة برغم من أنه كان يعاني سابقاً من مرض السرطان وخضع أيضاً إلى جراحة في رئته. ولكن العلاج المبكر والرعاية الممتازة والخبرة لعبت دوراً في اجتياز هذا الامتحان الصعب والقضاء على الفيروس. 
وماذا عن عائلتك الصغيرة والخوف من نقل العدوى إلى المنزل خصوصاً في ظل عملك المتواصل منذ سنة حتى اليوم؟
بما أن زوجتي ايضاً طبيبة يُشكّل خطر نقل العدوى إلى حياتنا هاجساً كبيراً، فبمجرد اصابة أحد أفراد العائلة فهذا يعني اصابة الجميع. نتخذ الاحتياطات القصوى ولا نغفل اي تفصيل، وهذا الأمر متعب ومرهق وضاغط لأنها عملية يومية حفاظاً على سلامتنا جميعاً. حتى عشنا تجربة العزل في المنزل كإجراء احترازي، وهذه التجارب ساعدتني شخصياً لأفهم أكثر مشاعر المريض وما قد يمرّ به في فترة حجره وما يحتاج إليه. لذلك علينا أن نتعايش مع الفيروس وتغير نمط حياتنا حتى ننتهي من هذا الوباء، وفي النهاية سننتصر عليه.






 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم