الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

جهنّم مكلفة جدّاً!

المصدر: النهار
تصوير حسام شبارو
تصوير حسام شبارو
A+ A-
يتخبط لبنان في أزمات متفاقمة تضرب مختلف الشركات والأعمال والمؤسسات العامة والخاصة التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو. وفي هذا الإطار، قطاع الكهرباء هو من الركائز الحيوية التي لحقت بها أضرار شديدة، ما أدّى إلى توقّف شبه كامل في عمليات مؤسسة كهرباء لبنان.
 
وكأنه لا يكفي اللبنانيين ما يعانونه جراء الأزمة الاقتصادية التي قد تكون الأسوأ في تاريخ الدول، وتداعيات انفجار مرفأ بيروت الذي يُعتبَر من أقوى الانفجارات غير النووية في القرن الحالي، فعلاوة على ذلك كلّه، تُرِكوا أمام خيارَين: إما يعيشون في العتمة الشاملة، وإما يعيشون تحت رحمة هدير مولّدات المازوت ومنظر الدخان الأسود المتصاعد من كل زاوية أو مساحة مفتوحة.
 
وفي هذه الظروف المروّعة، يتملّك اللبنانيين خوفٌ شديد على صحتهم، إذ يستنشقون على مدار الساعة المواد الكيميائية السامّة التي تنبعث من مولّدات المازوت التي لا تتوقف محركاتها عن العمل في معظم القرى والمدن.

من الثابت أن غياب التخطيط والدراية يقود إلى حلول مرتفعة الكلفة. لماذا لم تكترث الحكومة اللبنانية لوضع خطةٍ تقوم على حلول سليمة لتأمين التيار الكهربائي؟ وكيف يمكن محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة لأنهم وضعوا الناس أمام خيار العتمة الشاملة أو العيش في بيئة مليئة بالسموم؟
 
سوف نُبيّن أدناه كيف أن مستويات المواد المسرطنة التي ارتفعت بنسبة 300 في المئة في الظروف الكارثية الراهنة تؤدّي إلى تسجيل زيادة في الفاتورة الصحية لا تقلّ عن 8 ملايين دولار في السنة، فضلًا عن ارتفاع كلفة المازوت إلى 9 مليارات دولار تُسحَب من جيوب المواطنين.
 
 
بدايةً، الهواء النظيف هو حق أساسي من حقوق الإنسان. فجودة الهواء الذي نتنفّسه تترك آثارًا جوهرية على صحتنا ونوعية حياتنا بصورة عامة. من المتعارف عليه أن تلوّث الهواء هو قاتلٌ صامت يتسبب بنحو 4.2 ملايين وفاة في السنة وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وفي هذا الصدد، تساهم انبعاثات مولّدات المازوت إلى حد كبير في تلوّث الهواء، ما يولّد مخاطر كبرى تهدّد صحة اللبنانيين.
 
فقد أظهرت دراسة أُجريَت في منطقة الحمرا في بيروت في عام 2012 أن تشغيل مولّدات المازوت لمدة 3 ساعات فقط يوميًا هو السبب المباشر خلف 38 في المئة من حالات تعرُّض السكان للمواد المسرطنة، لذلك فيما تعمل مولدات المازوت الآن حوالى 24 ساعة في اليوم، من شأن التعرّض للملوِّثات السامة المنبعثة من هذه المولّدات أن يتضاعف بمعدّل 8 مرّات.
 
إذا بقيت جميع المقاييس الأخرى على حالها، فهذا يعني أن تشغيل مولدات المازوت على مدار الساعة والزيادة بنسبة 300 في المئة في الانبعاثات السامّة سوف يؤدّيان إلى تسجيل نحو 550 إصابة إضافية بالسرطان في السنة، وإلى إصابة حوالى 3000 شخص، بحسب التقديرات، بمرض الانسداد الرئوي المزمن، وإلى دخول نحو 500 شخص إلى المستشفى بسبب إصابتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية ومنها الجلطات. وسوف يترتب على ذلك تداعيات وخيمة على الأوضاع الصحية، مع ما يرافقها من فاتورة باهظة الكلفة تصل إلى 8 ملايين دولار في السنة.
 
وفوق ذلك كله، تشير التقديرات إلى أن تشغيل مولّدات المازوت يشكّل بحد ذاته عبئًا اقتصاديًا هائلًا. ففي عام 2018 فقط، بلغ حجم سوق المولدات الإجمالية استنادًا إلى مجموع الاشتراكات نحو 1.1 مليار دولار. في الأوضاع الراهنة، هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع بمعدّل 8 أضعاف على الأقل ليصبح مجموع رسوم الاشتراك نحو 9 مليارات دولار سوف تُسدَّد من جيوب اللبنانيين.
 
المقصود بذلك أن تشغيل المولّدات لفترات طويلة سوف تترتب عليه تداعيات على الأوضاع الصحية لا تقل كلفتها عن 8 ملايين دولار في السنة، إضافةً إلى سداد اللبنانيين رسوم اشتراك يصل مجموعها إلى 9 مليارات دولار. ناهيك بالآثار التسلسلية المتعددة على المستويَين البيئي (أي الضجيج والدخان الأسود الذي يستقرّ على السيارات والمباني) والاجتماعي (أي القلق)، ما يتسبب بمزيد من الخسائر المادّية غير المباشرة. لو كانت مؤسسة كهرباء لبنان تتولّى تأمين التغطية الكاملة بالتيار الكهربائي كما يُفترَض بها أن تفعل، لكانت الانبعاثات الملوِّثة أقل مقارنةً بتلك التي تصدر عن المولّدات.
 
في هذه الحالة، تتركّز الانبعاثات في مناطق غير مأهولة بدلًا من أن تتوزّع في عدد كبير من المناطق المكتظة بالسكان، ما يقلّل من التعرض للملوِّثات ويحد من الخطر المحدِق بالصحة العامة. الاستعانة بمولّدات المازوت لمعالجة أزمة الكهرباء في لبنان هي وسيلةٌ محفوفة بالمخاطر، وتترتب عليها آثار طويلة الأمد على الصحة العامة والاقتصاد على السواء. ولذلك يجب إيجاد حل للتعثّر الذي تعانيه مؤسسة كهرباء لبنان وعجزها عن تأمين التيار الكهربائي بصورة مطردة، فهذا ليس ضروريًا وحسب، بل هو أيضًا أكثر فائدة وأقل كلفة في المدى الطويل، في ضوء الكلفة الباهظة التي تتكبّد نتيجة هذا التعثّر على صعيد الخسائر البشرية والاقتصادية.
 
في غضون ذلك، وبانتظار أن تنهض الحكومة اللبنانية بمسؤولياتها على أكمل وجه، يُنصَح الأشخاص الذين يقيمون على مقربة من مولّدات المازوت بإبقاء النوافذ مغلقة، وتشغيل المكيّفات، وفحص فلاتر المكيّفات بصورة منتظمة وتنظيفها عند الاقتضاء. ويُنصَحون أيضًا بالتنزه سيرًا على الأقدام مرة واحدة على الأقل في اليوم، وإذا تعذّر الأمر، يجب أن يحاولوا تمضية بضع ساعات في الأسبوع في الطبيعة بعيدًا من المناطق المكتظة وذات الكثافة السكانية العالية. لسوء الحظ، من شأن هذه الإجراءات الفردية/الأسرية أن تخفّض إلى حد ما التعرض للمواد السامّة ولكنها لا تُلغيها نهائيًا.
 
قاسم ابراهيم الحسيني
ميريام معماري
كريستال ملحم
مارك مرهج
نجاة عون صليبا
 
ترجمة نسرين ناضر عن الإنكليزية
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم