السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

التوحّد في وجه الأزمة الاقتصادية: "صامدون ولكن!"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
صورة تعبير ية عن طفل يعاني من التوحد.
صورة تعبير ية عن طفل يعاني من التوحد.
A+ A-
في أيلول 2021 أقفلت مدرسة التوحّد 123 (Autism school 123) أبوابها أمام 12 حالة توحّد مختلفة؛ ويعود السبب المباشر إلى عجز المدرسة عن تحويل رسوم العقد إلى الولايات المتحدة منذ كانون الأول 2020 بسبب إجراءات المصارف في لبنان.
 
ما جرى مع هذه المدرسة لم يدفع المعنيّين إلى المبادرة والمساعدة أو حتى دعم باقي الجمعيّات بميزانيات أكبر تفادياً لتكرار السيناريو نفسه، بالرغم من أن الجمعيات اليوم تعاني من التحدّيات ذاتها، ولا تجد الدّعم المطلوب من وزارة الشؤون الاجتماعية ومن المتبرّعين. هي صامدة بصعوبة، ولا تعرف متى تضطرّ مكرهةً إلى اتّخاذ قرار الإقفال التام.
 
1540 حالة توحّد مشخّصة في لبنان حتى 31/12/2021، وفق وزارة الشؤون الاجتماعية، و44 جمعيّة ومؤسّسة تُعنى بالتوحّد، ومدرجة في قائمة الوزارة. لكن ككلّ الصرخات الأخرى، هذه الميزانية المخصّصة لهذه المؤسّسات الرعائيّة باتت ضيئلة مقارنة بالمصاريف التي تتكبّدها نتيجة الأزمة. لكن الخبر المفرح الوحيد هو عدم إقفال أيٍّ منها أبوابها على عكس ما حصل مع مدرسة التوحّد 123.
 
لا طلبات جديدة لاستقبال حالات أخرى ولا إقفال، والحالة مستقرّة على الأعداد الموجودة لدى كلّ مؤسّسة وجمعيّة، والمساعي تُبذل لزيادة المساعدة ولضمان عدم الانهيار.
 
تبدو واضحةً الهوّة بين المساعدات المخصّصة من وزارة الشؤون الاجتماعية والواقع الاقتصادي المأزوم. وفي التفاصيل نجد ‒ على سبيل المثال ‒ أنّ مؤسّسة الكفاءات تتقاضى على حالات التوحّد الداخليّ الخفيف 35 ألف ليرة لبنانية يومياً، وعلى حالات التوحّد الخارجيّ الخفيف 19 ألف ل.ل يومياً، و24500 ل.ل على حالات التوحّد الخارجي الشديد، ما يعني أن تكاليفها السنويّة تبلغ نحو 458.995.000 ل.ل.
 
أما جمعية المبرات الخيرية فتتقاضى 19 ألف ل.ل يومياً على حالات التوحّد الخارجيّ الخفيف و24500 ل.ل على التوحّد الخارجي الشديد، وتصل تكاليفها السنوية إلى 968.162.500 ل.ل.
 
وتبلغ التكاليف السنوية لجمعية اللبنانية للتوحد 170.637.500 ل.ل. أمّا جمعية الميدان فتبلغ تكاليفها السنوية نحو 307.330.000 ل.ل.
 
تطول القائمة إلا أن هذه الجداول ما زالت توضح التكاليف التي كانت على حساب الـ1500 ل.ل. وتتطلّع الجمعيّات كما الوزارة إلى رصد ميزانية أكبر حتى تتفاعل مع الواقع المتأزم. وبالتالي المبالغ التي تصل غير كافية، وبالكاد تسدّ جزءاً ضئيلاً من المدفوعات المستحقة.
 
وقد علمت "النهار" أن هناك دراسة مفصّلة تعدّها الوزارة لرفع الميزانية المقرّرة لهذه المؤسّسات والجمعيّات التي تعنى بالإعاقة، وتلك التي تعنى بالتوحّد. وبما أن التكلفة السنوية ما زالت على سعر 1500 منذ عام 2011، يُبحث اليوم جدّياً لرفعها بنحو 7 أضعاف. على سبيل المثال، إن كانت المؤسّسة تتقاضى سنويّاً ما يقرب من 10 ملايين ليرة، ترتفع على التسعيرة الجديدة لتبلغ 70 مليون ل.ل. تقريباً.
 
 
في اليوم العالمي للتوحّد، تبقى صرخة هذه المؤسّسات والجمعيّات الأصدق والأقسى، ولا بوادر حلحلة في الأفق القريب.
 
من تجربتها الخاصّة التي خاضت فيها أول تحدياتها التي تمثّلت بإنشاء "جمعيّة التوحّد اللبنانية"، التي تخطّت صعوبات كثيرة، ولكنها لم تكن بحجم التحدّيات التي تواجهها اليوم، تؤكّد رئيسة جمعية التوحّد اللبنانية أروى الأمين حلاوي لـ"النهار" أنّ "الأزمة أرخت بثقلها وانعكاساتها على الجمعية كما على البلد ككلّ، وتوالت الأزمات من أزمة الدولار إلى جائحة كورونا وأزمة المحروقات، وفرضت علينا صعوبات جديدة وعوائق إضافية. وبما أن الاعتماد الأساسي للجمعية يرتكز على التبرّعات، وفي ظلّ عجز المودعين عن التصرّف بأموالهم المحجوزة في المصارف، لم يعد بوسعها استقبال أطفال جدد لكي تبقى قادرة على تلبية احتياجات الحالات التي هي تحت رعايتها التربوية – الاجتماعية".
 
"ونعرف تماماً أن حاجة الطفل الذي يعاني من التوحّد تختلف كثيراً عن باقي الأطفال، ويحتاج إلى متابعة من فريق متكامل من الاختصاصات كافة حتى يكتسب مهاراته وقدراته التي تختلف بين حالة وأخرى. وبناءً على ذلك لدينا نحو 65 حالة توحّد، تحت رعاية 52 شخصاً من مختلف الاختصاصات لمتابعتهم، كلّ حسب درجة توحّده وقدراته".
 
وتوضح حلاوي أن "60% من الأولاد لا يدفعون أيّ مستحقّات مادّية، لأنّ حالات كثيرة تأتينا عاجزة عن دفع أيّ تكاليف، فيما يدفع 40% مقابل هذه الخدمات".
 
وتُضيف "للأسف لا إمكانيّات كافية تسمح باستقبال أطفال جدد، ونعمل باللحم الحيّ حتى نبقى صامدين بوجه هذه الأزمة، ولا نضطرّ إلى اتخاذ قرار الإقفال".
 
تنصح حلاوي كلّ أمّ "بأن تستشير الطبيب عند ملاحظتها أي علامات أو مشكلة عند طفلها، لأن التشخيص المبكر يساعد على الوصول إلى نتائج جيدة".
 
وتضيف "أنا أتحدث عن تجربة شخصية قبل أن أتحدّث كرئيسة جمعية. كنتُ ألاحظ أن طفلي لا يتفاعل مع محيطه، لكن لم أحظَ بتشخيص مبكر لحالته، وهذا أثّر على تقدّمه وتحسينه قدراته. اليوم، أصبح عمر ولدي 32 عاماً، وهو يصقل قدراته في الفرع المهنيّ في بعبدا، وأنا فخورة به جداً".
 
 
 
من جهتها، تعترف رئيسة جمعية الأهل لدعم التوحّد غادة مخّول لـ"النهار" بأن "الطلبات زادت، ونحن عاجزون عن استقبال حالات جديدة. والخوف الأكبر أن نصل إلى نهاية لا نريدها، وهي إقفال أبوابنا نتيجة عجزنا وعدم قدرتنا على تحمّل الأعباء، التي زادت بسبب الأزمة الاقتصادية. وأصبح توفير الحدّ الأدنى من كهرباء وتشغيل المولّدات ودفع رواتب الموظفين والعاملين في المؤسسة يفوق قدرتنا".
 
"الله يقطّع هيدي المرحلة ع خير"، بهذه الكلمات تتابع مخّول حديثها؛ هي التي اختبرت "في السنتين الماضيتين صعوبات، خصوصاً في ظلّ جائحة كورونا، حين لمسنا حقيقة صعوبة تعليم الأطفال من بُعد، لأن الأكثرية بحاجة إلى تدخّل مباشر ومتابعة من قبل مختصّ. لذلك، كان التعليم من بُعد لهؤلاء تجربة فاشلة، وقرّرنا فتح أبوابنا من جديد من أجل مساعدة الأطفال على فهم هذه الجائحة والتغييرات التي فرضت نفسها في حياة الجميع".
 
وبما أن الجمعية تأسّست في عام 2015، لم تعد هناك ميزانية لها، وكان عليها أن تعتمد على التبرّعات والأنشطة لتأمين استمراريتها. وتقول مخول "عانينا كما يعاني كلّ اللبنانيين من حجز أموالنا في المصارف وعدم القدرة على التصرّف بها، وبالتالي أصبح حساب الجمعية كما حساب بعض المتبرّعين والأهالي محجوزاً أيضاً في المصرف، فازدادت صعوبة الوضع كثيراً".
 
تهتم جمعية الأهل لدعم التوحّد بـ20 ولداً يعانون من التوحّد، "لكن الحسرة في عدم قدرتنا على استقبال حالات جديدة". الدافع الوحيد الذي يجعلها مستمرّة اليوم برأي مخّول "تجاوب هؤلاء الأطفال معنا، الذي يعطينا دفعاً لإكمال مسيرتنا".
 
تفهم مخّول كما حلاوي متطلبات الطفل كما الأهل بسبب تجربتهما الشخصية مع التوحّد، وهذا ما تؤكّده مخّول في حديثها، حين تقول: "قررت تأسيس هذه الجمعية حتى أرافق ابني الذي يعاني من التوحّد بكلّ المراحل العمريّة، وجاءت الفكرة بعد أن تعذّر إيجاد مدرسة له". تشجّعت، وما يهمّها اليوم أن تواصل الاستمرار من خلال التجارب المعنويّة التي تمدّها بالقوة والإيمان.
 
- المقال من ضمن ملف خاص باليوم العالمي للتوحد بالتعاون مع "National Autism Community" الجمعية الوطنية للتوحد.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم