الطبيعة

هي لوحة الخالق رسمها قبل أن يخلق الإنسان، فهي من أعماق روحه ومن لمسة يديه، جعل فيها من أنفاسه وسكب فيها كل جمال ابتدعه ليكون، فكان بأبهى الألوان.
إن زرت الطبيعة مع طلوع الفجر ستشعر أنك مولود جديد في مهد ناعم ساحر لم تمسّه أيدي البشر. رونق للحياة الفاتنة الممزوجة بالعظمة والطهارة والسكون المقدس. سترى الندى على وريقات الزهور وأغصان شجرة استيقظت على زقزقات عصفور، خرير مياه ينبوع تنساب على الصخور وتجري مع وريقات الحور نحو البعيد، نسمة تشبّعت من شذى الورود البرية والياسمين ونفخت على خدك أنفاس الصباح، ألوان مزركشة مغزولة من نسيج الشمس ومتقاطعة ما بين أوراق السنديان لتصل بنعومة نحو الكلأ الرطب الجميل. حينما تتغلغل عيناك وأحاسيسك في ذاك المكان المقدس ترى عظمة الله وكم أحب الإنسان حتى جعله ملكاً عليه ينعم بكل جزء منه، ولكن لا ليدمره فيغتال جماله وقدسيته ويصنع كل ما يشوّه لوحة الخالق من أجل طمعه وشهواته الممزوجة بأنفاس الشر الخفي، فلا يدري نتيجة فعله ولا يكترث لأي أمر صنعته السماء.
بالرغم من تدنيس يسببه الكثير من البشر، إلا أن هناك أناساً مثقفين مؤمنين وطيبين يدركون قيمة ما وهبه الله لهم، فيعملون على حمايتها للأجيال القادمة كي يبقى الإنسان وتستمر الحياة في كنف الخالق وتحت رعايته وبين أحضانه، فهو جعل في أعماقنا طبيعة روحية أبهى بكثير من الطبيعة الأرضية وأقرب بكثير إلى ذاته الإلهية وكلما حافظنا عليها شعرنا بقيمة ذاتنا وسبب وجودنا في هذا العالم وكم نحن على مقربة من ملكوته. ففي الطبيعة الروحية حس الأخلاق وبهاء المحبة ورونق الفكر المبدع وسحر التواضع والإيمان.
ما خلقه الله لنا وفي أعماقنا عظيم وكبير بقدر محبته لنا جميعاً.