الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مرضى لبنان على فراش الـ "FRESH DOLLAR" المشتعل

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
تبدأ عملية القسطرة بدقة متناهية مع الطبيب وفريقه المساعد.
تبدأ عملية القسطرة بدقة متناهية مع الطبيب وفريقه المساعد.
A+ A-
لا يمكن التوقف عن كتابة القصة الكاملة التي حصلت مع إتمام عملية "القسطرة" للمريض إلى النهاية، على ما كتبته في المقالة السابقة المعنونة: "صحة الفقراء في بورصة الدولار"، بل تستدعي الأمانة الإنسانية، سرد كل التفاصيل والدقائق التي حصلت معه!
حدد طبيب القلب موعداً باكراً لحضور المريض إلى المستشفى، لإتمام إجراءات تحضيره للعملية قبل وصوله.
قامت الممرضات بإعطائه الأدوية اللازمة، وطلب المريض قريبه أن يعطي مسبقاً مبلغ اثني عشر مليون ليرة الى قسم المحاسبة، الذي هو فرق موافقة الضمان المسبقة التي قدمها عند تسجيل الدخول؛ وتم نقل المريض بعدئذ إلى غرفة العمليات.
حضر الطبيب وربت على كتفيه، حتى يبث فيه روح الثقة والارتياح، لأن المريض اشتكى له عن جدال بصوت عال، حصل بين الممرض والممرضة، قبل دخوله، أدى إلى توتره!
تبدأ عملية القسطرة بدقة متناهية مع الطبيب وفريقه المساعد.
تشوب بعض العوائق الخلقية عند فتح الشريان المتعرج في يد المريض اليمنى، ويقوم الطبيب بتكرار وخز الشريان في أماكن عديدة من اليد، حتى يتم إدخال القسطرة وضخ مادة " اليود" الملونة في الشريان، التي تلتقطها الكاميرا، وتبثها على الشاشة التي تسهل تشخيص الطبيب لوضعية ضخ الدم في شرايين القلب.
ينجز الطبيب عملية التشخيص خلال ثلاثين دقيقة، ويقول للمريض باللغة الإنكليزية: "all is well that ends well"، (كل شيء جيد عندما تكون نهايته جيدة)، يفهم المريض أنه بصحة جيدة، ويسأل الطبيب عن خروجه من المستشفى!
يطلب منه الطبيب النظر إلى الشاشة مبيناً له شرياناً مغلقاً أمام تدفق الدم بمعدل 80 بالمئة، وانه يجب إدخال "دعامة شريان" (coronary stent)، من أجل فتح مجرى الدم، الذي يمكن أن يؤدي عدم وضع "الدعامة" فيه، الى مخاطر وعواقب صحية، مثل السكتة الدماغية، والجرحة القلبية!
يبقى المريض يوماً آخر في المستشفى ويعاد الى غرفة العمليات صبيحة اليوم التالي. اليوم التالي، وبعد إعطائه أدوية سيلان الدم حتى لا تتكرر العوائق السابقة التي واجهها الطبيب لدى إدخاله القسطرة والمادة الملونة في الشريان!
تبدلت حالة المريض النفسية خلال الـ 24 ساعة التالية، وحار في أمر وضعه الصحي المفاجئ، بعد عمر لم يتناول فيه سوى حبة "البنادول"!
خضع المريض لكل الإجراءات العلاجية اللاحقة - التي أجريت له سابقاً - مع فارق نقل المصل إلى يده اليمنى، التي جعلها وخز الإبر العديدة، مضمخة بالدماء المجمدة، تحت الجلد - مع شعوره بالإرهاق والتعب، جراء فقدانه النوم الهنيء، في سرير غير مريح!
حضر الطبيب إلى غرفة العمليات وبدأ عملية القسطرة من خلال شريان في اليد اليسرى، ونجح فوراً في إدخال القسطرة إلى المكان الذي حدده في اليوم السابق، رغم تعرجات الشريان في اليد اليسرى أيضاً، والتي جعلت منه أدوية سيلان الدم، معبراً سليماً.
استمع المريض إلى الحوار المتواصل الذي دار بين الطبيب وفريقه خلال العملية، وتحسس عبور البالون والدعامة داخل الشريان، ولكن بحذر، تخلله الخوف من أمكانية حصول عوائق أخرى غير متوقعة.
فتح الطبيب الشريان المغلق بداية بالبالون، ثم تبعه إدخال الدعامة التي فتحت تدفق الدماء كاملاً إلى الجهة الأخرى منه، وثبتها في الموقع المحدد، وقال بفرح ظاهر، "مبروك، إنها عملية ناجحة مئة بالمئة"!
خفق قلب المريض بالسرور والاطمئنان، وشكر الطبيب القادر، بكل محبة وتقدير واحترام!
أوصى الطبيب نقله إلى غرفة المعاينة الفائقة والمكوث فيها ليلة واحدة، لمراقبة حالته الصحية، قبل العودة الآمنة إلى منزله.
أمضى المريض ليلته في العناية الفائقة مقيداً بأشرطة كهربائية موصولة إلى جهاز معلق في حائط ملاصق لسرير ضيق وغير مريح، لتسجيل معدلات الأوكسيجين، ونبضات القلب، وقياس ضغط الدم، تخللها إجراء تخطيطات متعددة للقلب، على جهاز "أكل عليه الدهر وشرب"!
كانت ليلة قاسية، باردة، وطويلة، لم يغمض فيها للمريض لا جفن ولا عين!
عند الصباح، غادر المريض غرفة العناية الفائقة وتوجه إلى مكتب المحاسبة، وسلمه المحاسب كشف حساب مفصل يحدد قيمة باقي فارق المبلغ المتوجب على علاجه خلال يومين، ويساوي 2800 دولار أميركي، أو ما يساوي 58800000 ليرة بالإضافة الى موافقة الضمان المسبقة، والإثني عشر مليون ليرة التي سددها قبل البدء بالمعالجة!
وافق المحاسب على تسديد الفارق المالي بالليرة خلال فترة قصيرة، لأنه على معرفة شخصية به، وأذن للمريض بمغادرة المستشفى!
التزم المريض بطلب المحاسب، ولم يكن على معرفة أن حساب "بيدر المستشفى"، لن يكون مثل حساب "بيدر المصرف"!
تواصل المريض في اليوم التالي مع مديرة فرع المصرف اللطيفة هاتفياً، وأرسل لها صور كشف الحساب الصحي على تطبيق الـ"واتساب"، بناء على طلبها، على أن ترسلها إلى الإدارة المركزية والحصول على موافقة الصرف، على أن تتصل به عندما يصلها الرد!
بدأت بعد ذلك مآسي قصة ألف ليلة اللامتناهية السوداء، بين منصات المستشفيات، ومستوردي الأدوية، والمستلزمات الطبية، والأطباء، وبين منصات المصارف، والمصرف المركزي.
أدرك المريض أنه ليس أكثر من سلعة تباع وتشترى في "سوق نخاسة"، هذه المافيات الصحية والمالية الجشعة، الطامعة بجنى عمر هذا "الخروف" الذي أدخل إلى مسالخهم القانية، حتى يراق جيبه، ومستقبله الصحي المجهول!
تاه المريض المسكين ولا يزال "تائها على دماغه" في دهاليز هذه المنصات التي تتداخل وتتواصل في عتمة وظلمة لن يستطيع سلوكها سوى المخلوقات الليلية فوق -البنفسجية nocturnal creatures)).


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم