الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل نؤيد تكوين تيار "مدني محافظ حر" لمواجهة التفلت وشعوذة سلطة الفساد؟

المصدر: النهار - الدكتور سمير عاكوم
في لقاء مع مجموعة من الناشطين، طرح أحد الزملاء مسألة عنوانها تيار محافظ في مواجهة تيار التفلّت الذي يخشاه معظم المواطنين
في لقاء مع مجموعة من الناشطين، طرح أحد الزملاء مسألة عنوانها تيار محافظ في مواجهة تيار التفلّت الذي يخشاه معظم المواطنين
A+ A-
في لقاء مع مجموعة من الناشطين، طرح أحد الزملاء مسألة عنوانها تيار محافظ في مواجهة تيار التفلّت الذي يخشاه معظم المواطنين، ويبعدهم عن التفاعل مع الثورة، مبرّرًا ذلك بأنه وجد نفسه يلتقي مع أصحاب القيم من كلّ الطوائف أكثر من تلاقيه مع شخص ما من طائفته، يستغلّ هشاشة الوضع لطرح مواضيع متفلّتة بعيدة عن نقطة ارتكاز بنّاءة وواضحة المعالم. وبالتالي، من الطبيعي أن يجد نفسه - هذا الزميل - في هذه المرحلة ينتمي إلى مجموعة مدنيّة محافظة من كل الطوائف والمناطق، يجمعها هاجس المحافظة على الوطن وحماية غنى تنوّع المكوّنات الطائفية والمناطقية، والسعي لتحقيق العدالة والمنطق البنائيّ، بما يضمن المحافظة على المقوّمات الوطنيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة وغيرها.
ما طرحه زميلنا استحق مني التوقّف والتفكير. لماذا لا يحقّ لنا التكلم على تيّار محافظ وفق القيم اللبنانيّة، وكلّنا يعرف أن هناك أحزاباً تحمل هذا العنوان في بريطانيا وأميركا وكندا وغيرها من الدول؟ خصوصًا أننا لمسنا أن التكلّم عن التحرّر من دون ضوابط واضحة المعالم انعكس في كثير من الأحيان تفلّتاً، وانكفاءً لدى الشعب عن قوى عرّفت نفسها بأنّها قوى ثورية. فهناك من يريد التسويق أنّ التحرّر هو التفلّت من كلّ الضوابط الدستوريّة والقيم الاجتماعيّة والإنسانيّة والدينيّة والعادات والتقاليد و...، وحتى معاداة الأفكار الحزبية الأساسية قبل الوصول إلى مرحلة انهيار القيم، التي تسبّبت به ميليشيات السلطة، كردة فعل على بلطجية هذه الميليشيات التي تحمل عناوين طائفية وحزبية تستغلّها للبطش وقمع الآخرين. وبالتالي، قد يتسبب هذا التفلت بتهور غير مسؤول يأخذ البلد والشعب إلى المجهول. فالفرق واضح ما بين التحرّر من الغرائزية، والتبعية لسلطة زعيم معين وشعوذاته وعمالته التي شوهت مبادئ الأحزاب والدستور، والمنطق الجامع وفق قواعد منضبطة التي من شأنها تنظيم وتوجيه الناشطين بوعي لإعادة بناء المجتمع والدولة.
جميعنا يعلم أن أساس المشكلة في لبنان ليست النص الدستوري، ولا المبادئ الحزبية والقيم الدينية والاجتماعية للمكوّن اللبناني، إنما بتشويه ميليشيات المال والسلاح لمعاني ومفاهيم النص والأفكار بما يخدم بلطجيّتهم وتبعيّتهم لمصالحهم ومصالح الخارج، ليُصبح استعمالهم للنص الدستوري والطائفي كلام حقّ يراد به الباطل، أي ليُلجم المعترضون على بلطجيّتهم ومحاصرتهم بالتخوين والتكفير.
بداية هو تيار لأنه يجمع عدداً كبيراً ومتنوّعاً ممّن يؤمنون بالقيم الجامعة وبأُسس الإنطلاق الإنساني والاجتماعي والعلمي والانفتاح الواعي والصلب لتحقيق التغيير.
وهي أيضًا مدنيّة لأن تطبيق الدستور بشكل متكامل بعيدًا من ترهيب سلاح الميليشيات، واتفاقيّاتهم الثلاثية والثنائيّة وغيرها، التي استغلّوها للتهرّب من ضوابط النصّ الأساسي، ولتحقيق قوانين تطبيقية متكاملة للبنود الدستوريّة غير مجتزأة وفق مبادئ وميثاقية مقدمة الدستور من عدالة، احترام المواثيق الدوليّة، تطبيق استقلالية السلطة القضائيّة، تطبيق اللامركزية الإدارية الفاعلة في محافظات وأقضية متوازنة ومتوازية، تحقيق مجلس شيوخ يضمن التوازن الطائفي ويهتم بالقضايا المصيرية من سياسة دفاعية وعلاقات خارجية متوازية، مجلس نيابي ومجالس أقضية وبلديات وفق معايير غير طائفية، مع وجود صندوق سيادي يحقق دعم المناطق التي عانت سابقًا من إهمال مزمن أوصلت الساكنين فيها إلى الشعور بالغبن والغربة عن وطنهم.
كما أن محافظ تعني المحافظة على الثوابت الوطنية والمبادئ والعمل من خلالها، وصولًا للمحافظة على القيم الدينيّة التي تدعو إلى المحبة والتعاون وخدمة الإنسان وتطوير مكانته، والتواضع ورفض العنصرية ومساعدة الفقراء ونصرة الضعفاء، وصولًا إلى المحافظة على الإرث الثقافي والشعر والرقص الشعبي والمأكولات وكلّ تراث يتميز به اللبنانيون ويفتخرون به بين كلّ الأمم. والمحافظة تعني مرتكزات التنوع وتفاعله القيمي والفكري بما يحقق مصلحة الجميع بانفتاح بعيدًا من تفلّت وفوضى ثقافات عنصريّة دخيلة هي بمثابة فيروس تمرر بواسطتها قوى خارجية مؤامرة سيطرتها على خيرات بلدنا.
أخيرًا نصل إلى الحريّة، لتدخل تحت عنوان التحرر من سيطرة الزعماء على مؤسّسات الشعب، وتحويلها باتجاه تأمين مصالحهم الخاصة، واحتكارهم السياسي والطائفي والمناطقي، أي هي حرية مسؤولة من شأنها تحقيق المصلحة الوطنيّة الجامعة، ليكون تعامل لبنان مع باقي الدول من خلال حكم المؤسسات المرتبطة بمصلحة شعب متساوٍ وحرٍّ، ينسجم مع دوره كصاحب رسالة وكهمزة وصل ما بين الشرق والغرب.
كلّ هذا ينعكس إعلاءً لشأن ومقام دولة طبيعية منسجمة مع نفسها ومع دورها ومع مصالح شعبها. فلا قيمة للبلد والشعب من دون بناء دولة الحقوق المدنيّة المزدهرة، والمحافظة على الثوابت الإنسانيّة التي تحقق للإنسان كرامته، وتحميه وتعطيه قيمته الاجتماعية، بعيدًا من التبعيّة للخارج وأساطير ثقافة الكره والتخوين لأبناء بلده، والتي تقدّس أساطير التبعيّة للآخرين.
من هنا، وجدنا أن بناء تيار "مدنيّ محافظ حر" هو فكرة جيّدة ومهمّة لبناء نواة صلبة تغييرية منسجمة مع نفسها ومع طرح مشروعها التغييري البنائي، الذي يُلبّي تتطلّعات شعبنا بالحرية والكرامة والمساواة.
قيل قديمًا "أعطني نقطة ارتكاز وسأحرّك لكم العالم". وقد يكون هذا العنوان نقطة ارتكاز مهمّة تستند إلى المحافظة على كل المفاهيم التي نحتاجها لبناء دولة الحقوق الراعيّة، وصولًا لتقويم الإدارة السياسية من شعوذات خدمة الزعيم إلى رعاية حقوق الشعب ومتابعة شؤون المواطنين بعدالة وانصاف.
ولنستبدل بهذا التيار الديمقراطية التوافقية المدمّرة بديمقراطية المعرفة والمشاركة البناءة، ونجعلها أساس العمل السياسي البديل، مترافقة مع قطع الطريق أمام المتفلتين المعترضين الساعين لإزاحة فاسد ضعيف في هذا النظام الطائفي التحاصصي للحلول مكانه ومتابعة الطريق نحو جهنم!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم