أرواحنا الجديدة

من شموخ الجبال العالية ومن هول البحار
من أنين القلوب ومن أعماق المسطّحات
من صراخ الصّمت ومن سكون العواصف الهائجة
من ضجيج العالم الغارق في أوجاع الحروب والمتاهات
المكبّل في حيرة ما، التائه ما بين الأرض والسماء
ارفع نخب كأسك عالياً
ارفعه نحو الفضاء، وأنشد أنشودة السلام
ارفع نخب أحلامك .. ارفعه لوحدك
فاليد التي ترتفع لوحدها
ستملؤها طيورُ السماء من فيض كرمها وكرومها.
ارفع كأسك كالمصباح
واملأه من نور ذاته
واقرأ صلاة الفجر المكتوبة على صفحات قلبك
وليكن انفرادك انفراد المتأمّلين في الحقول والبساتين
الذين ينتظرون عدالة السّماء بفارغ الصبر وعمق اليقين.
حقول وبساتين مثمرة حرسها الفلاح بسواعده
فسرقها قطّاع الطرق بمكرهم.
لكن من يسرق أغلال غيره،
سيأكلها سماً، وتعود عليه شقاءً.
أحلام رسمتها أيادٍ من نور
فمحتها أيادٍ من نار
وبين النّور والنّار تسير الأحلام
وترتفع عالياً هازئة من طيش الأجيال.
والأحلام التي ترتفع لا تضيع.
طموح رسّخه العمل
فشتّته الكسل والتقاعس والتراخي.
ثوب حاكته المعرفة بخيوط من الحكمة،
فمزّقه الجهل بأظافر ملوّثة وقذرة.
حرّية مجّدها العلم، وأعتقها السلام
فقيدها الظلم وحاصرتها الأوهام.
والحرّية شريدة تطرق جميع الأبواب
لكن لا من أحد يستقبلها ويأويها.
أمجاد بنتها الشجاعة وكرمها العنفوان
فخرّبتها مؤامرة الطمع والجشع والفساد.
قلاع أنارتها المحبّة،
فأطفأ أنوارها الحسد بظلمته.
معابد شيّدها الإيمان بأجنحته الذهبية
فهدمها البغض المدفون في وحشة القلب البشري.
فليتحرّر القلب البشري من البغض
حتى تتعالى ألحان المعابد إلى السماء.
لأن القلب الذي يتخلّص من سمات البشر،
هو وحيد في العالم كلّه، لكن لا وحدة في قلبه ولا وحشة.
شجرة الحياة سقاها الأمل وأحياها،
فقطعها اليأس بفأس من صدأ وهوان.
لأن الحياة التي توميء إلى الوراء إنما هي كالموت
تجدّد آلام الماضي وتستعيدها.
فالشجرة كالحياة تعطي من دون مقابل
والفأس كالموت يقطع من دون استئذان
ومن صراع الحياة والموت تولد أرواحنا من جديد.
أرواحنا الجديدة المنبثقة من الفجر الآتي،
ولدتها امرأة ليست كباقي النساء.
أرواحنا الجديدة تهمل المكالمات السامّة التي تزعجها
وتحذف الرسائل المؤذية وتبتعد عن المنغصات
وكلّ من لا يستحق وجودها.
أرواحنا الجديدة ترتفع عن الدنيويّات
وتتمسّك بمن تحبّ إلى ما لا نهاية.
أرواحنا الجديدة لا تقدّم مجاملات كاذبة
ولا تتفوّه بأمر وهي في صميمها تعتقد خلافه.
أرواحنا الجديدة لا تتنازل عن حقوقها
مهما كان الثمن غالياً، ولا تقبل بأقلّ ممّا تستحق!
وإن لم تعطها الحياة ما تستحقه، ستغتصب الحياة لتأخذ حقها.
أرواحنا الجديدة تتطلع إلى الشفق البعيد
وهي متيقّنة بأن من يسعى في سبيل الخير
سيلاقيه الخير فاتحاً له ذراعيه.
ومن يسعى في سبيل الشر،
وهو يطلب الضرر لغيره والمنفعة لنفسه،
لن يجدهما أبداً.