العودة

خمس سنوات كانت كافية كي ترسم نبض الحنين... خمس سنوات من الغربة..
في نفس مدى. فقرّرت العودة إلى مسقط رأسها وهي تفكّر في الغربة التي عاشتها... لأنّ الغربة قاسية جدًّا... الغربة تعني الوحدة والعزلة في مكان لا تنتمي إليه، في مكان بعيد عن تلك الأرض التي تعشق وقع أقدام أبنائها...
تراءت في ذهنها صورة مدى الطّفلة التي رسمت طريق أحلامها في خارج وطنها الذي يعيش مأساةً، لكنّها أدركت أنّ هذا الطريق مليء باليأس والاشتياق...
في خطوات خفيفة، نزلت مدى على درج الطائرة ووصلت إلى مطار بيروت، ركبت تاكسي متوجّهةً نحو قريتها. وفي الطريق تناثرت الذّكريات واغرورقت عيناها بالدّموع، متسائلةً عن ردّة فعل أهلها وأقربائها حين يرونها بعد هذه الغيبة.
وصلت إلى بيتها، كانت خائفة ومتردّدة من النزول. لكنّها نزلت وأخذت تحدّق في المنزل، هذا المنزل الذي حضنها منذ ولادتها. اقتربت على مهل وقرعت الباب وراحت دقّات قلبها تتزايد. ظهر صوتٌ ناعمٌ يقول: "نعم، لحظة سأفتح"، فُتح الباب وتلاقت العيون بعد سنين من الغياب... اقتربت وحضنت أهلها، وساد البكاء تارةً... والفرح تارة أخرى...