السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عن الثورة في سنويتها الثانية: اقرأوا المقال جيّدًا

ذكرى 17 تشرين (تصوير نبيل اسماعيل)
ذكرى 17 تشرين (تصوير نبيل اسماعيل)
A+ A-
أحمد عثمان

اختتمت ثورة ١٧ تشرين سنويتها الثانية بهدوءٍ منقطع النظير، وعلى شعبٍ منقطع الأنفاس. فهل ما حصل منذ سنتين هو بالفعل ثورة؟
أتذكر جيدًا ما طبعه أحد الرفاق الذين كانوا في مجموعة الواتس-آپ الخاصة بالثورة، وهي المجموعة التي كنتُ أنا فيها. طبع قائلًا: "فلنعترف أننا نسميها الثورة لأننا نحبها، لكنها في الواقع أصغر من أن تكون ثورة". أتذكر أنني آنذاك رأيتُ وجهة نظر في ذلك، وأنني كنت شخصيًا على تردد إزاء تشخيص ما كان يحدث. كنتُ على ترددٍ حقيقي، بمعنى أنني كنت عاجزًا عن الجزم، وبقدر ما كنت أرى صوابًا في إحتمالية توصيفها بالحراك، كنتُ أرى صوابًا في إحتمالية توصيفها بالثورة.

الغريب أنني خلال السنتين الأخيرتين، وبدلًا من أن أنحو نحو حسم يقيني في اتجاه نزع صفة الثورة عما حصل، رأيتني ببساطة أحسم أمري نحو توصيفه بالثورة.
المسألة لا تتعلق بمدى حبي أو كرهي لما حصل، وأستشهد هنا بما كتبه صادق عبد الرحمن عام ٢٠١٤ مستذكرًا ومتأملًا في الثورة السورية: "وأول ما يقال هنا انه لا يشترط في الثورة أن تعجبنا حتى تستحق وصف الثورة". إذن، أنا أصف ١٧ تشرين بالثورة، بغض النظر عن حكمي عليها. بمعنى آخر، إن حبي لها علني، لكنه لا يعدو كونه تفصيلًا ثانويًا.

وبغض النظر عن توصيفها بالثورة من عدمه، حري بنا أن نسأل: ماذا بقي من هذه الثورة؟
بقي الكثير؛ ذلك أن الثورة ليست تجليها في الشوارع، بل في الممارسة السياسية، والأكيد أن هذه الأخيرة قد دخلت في طور الانتقال الديموقراطي. لمن يشكك في هذه الفكرة أن يطرح على نفسه السؤال النقيض: ماذا بقي من المنظومة؟
لا أسأل عن تشبث المنظومة بالمؤسسات الدستورية - وهو أمرٌ جلي -، بل أسأل عن نجاعة المؤسسات هذه، وحضورها، وشرعيتها. المنظومة في حال تخبط واضح تنعكس شللًا على المؤسسات الدستورية، ومشهد المنظومة الحاكمة برمته يُختصر بالعبارة الفرنسية fin de siècle، أي نهاية حقبة.
ذكرتُ الشرعية، ولعلها أهم ما فَقَدَت المنظومة خلال السنتين الأخيرتين؛ على أنه من الضروري التمعن جيدًا في مفهوم الشرعية، كونه المفهوم الضمني الذي تبثه معزوفة "الحق ع الشعب الّي بيصوتلهن كل مرة"، والتي نعزفها جميعًا في الأفراح والأتراح.

أكتب هذه الكلمات، فيما لبنان لا يزال يدفن ضحايا أحداث الطيونة، التي يقول الكثير من المحللين أنها قد تُوظّف لتأجيل الانتخابات للمرة الثالثة في ظرف عقدٍ من الزمن.
ما أحاول أن أقوله، هو أن معزوفة "بيصوتلهن كل مرة" قد تنطبق على أي شعبٍ إلا نحن. نحن شعبٌ لا تسأله المنظومة رأيه في إدارة بلده، وهذا على الأرجح لأن رأينا لن يعجب المنظومة؛ وما نتائج الإنتخابات الطالبية والنقابية على تعدد أشكالها، ونتائج استطلاعات الرأي في شتى المناطق، إلا دليل على ذلك. مشروعٌ جدًا السؤال عن سبب إعادة انتخابنا للمنظومة عام ٢٠١٨، ولذلك أجوبة كثيرة ومفصلة، لكن ذلك كله ليس ضمن السياق الزمني لما بعد الثورة.

المزاج الشعبي بعد ١٧ تشرين ليس كما كان قبلها؛ بالتالي، طالما أننا لمّا نُجرِ إنتخابات منذ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، فإننا لم نعد نملك الحق في أن نعزف معزوفتنا العزيزة. قد يكون من المبكر الحكم بأن الشعب "بطّل يصوتلهن كل مرة"، لكن الأوان قد فات على "بيصوتلهن كل مرة".
هذا ما نسميه بالإنتقال الديموقراطي، هذه المراهقة السياسية الهشّة الواقعة ما بين بين؛ ومن سوء طالعنا نحن اللبنانيين أننا رهائن منظومة هي على ما يكفي من الغباء للتصابي والمكابرة في وجه الانتقال، كما أنه من سوء طالعنا أن عملية انتقالنا الديموقراطي تلازمت مع بداية انهيار اقتصادي بشع، غير أنه لا بد لنا من الاعتراف بأن الثورة ساهمت في تأطير أخلاقي للانهيار، إذ إن مسحًا مبدئيًا للخطاب السياسي خلال صيف ٢٠١٩ يظهر أن المنظومة كانت منكبة على تظهير الانهيار (الذي كان قد بدأ يطل برأسه على خجل آنذاك) على أنه نتيجة للأسباب الإقليمية وللنزوح السوري، بينما بتنا نعرف اليوم أن الانهيار هو نتيجة سوء إدارة للدولة لا أكثر ولا أقل.

ثمة نتائج أخرى للثورة أكثر وضوحًا، مثل فشل مشروع سد بسري، وإعادة تموضع "القوات اللبنانية"، والشروخ العميقة التي عانت منها المنظومة ضمن أقطابها، وتجدد الاهتمام الغربي بلبنان (وهو نتيجة قد نختلف في توصيفها سلبًا أم إيجابًا، إلا أنه نتيجة ملموسة). الأكيد أن النتائج الطويلة الأمد للثورة بالكاد قد بدأت بالتجلي، وأننا لا نستطيع موضوعيًا الكلام عن نجاح الثورة أو إخفاقها إلا بعد الانتخابات النيابية المقبلة،... إن جرت.
إلى ذلك الحين، الألم حقيقي، وهذا مفروغٌ منه، وتحدينا الأكبر يكمن في ألا ننصاع لألمنا المزمن هذا، وألّا ندعه يتخمر يأسًا.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم