السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الهو والأنا والأنا العليا، سيكولوجيا تعقيد العُقد!

المصدر: النهار
رنا الحجيري
الصورة من موسكو (تعبيرية- "أ ف ب").
الصورة من موسكو (تعبيرية- "أ ف ب").
A+ A-


بين كمّ المحلّلين والوحدات المدجّجة بالكراهية والنعوت، والتصلّب والتراشق والإفلاس في التعامل مع الكارثة من منظار مسؤول، ظهر منحى ثابت في إدارة الصراع والتعامل مع الكارثة مستند إلى فلسفة واحدة وكلمة هي "تأجيجه".

فبدلاً من محاولة احتواء الانهيار، يُعتمَد منطق التأجيج والتعنّت، في تسلّح بالدستور لمطاردة أشباحٍ، تحت مسميات مختلفة، للماضي والحاضر وقراءة غريبة للمستقبل، في نرجسية فاقت سيكولوجيا التحليل... وسابقة درامية فقدنا معها القدرة على تحديد ما يجري إن كان مؤامرة أو طغياناً أو انهياراً أو بالأحرى إفلاساً سياسياً!

فكان لا بدّ من الاستنجاد بسيغموند فرويد، لتفسير وتحليل الخلَل الواضح في المسؤولية التي أنيطت بالعقل القيادي والسيادي اللبناني. فعذراً من المحلّلين السياسيين، ما نحتاج إليه اليوم هو الغوص لا في المناكفات والمؤشرات التي حفظناها استظهاراً واستطراداً، بل في البنيان النفسي الذي قيّمه سيغموند فرويد في نظريته البنيوية عن النفس، التي قسمها إلى: الهو والأنا والأنا العليا، التي لا نختلف بأنها تُطبق حرفياً في ميثاقيات التعنّت والهشاشة في القيادة اللبنانية.

حتى لم يعد لدينا من رجاء إلّا مناجاة "طير الوروار" بانتظار كلمة السرّ الإلهية، وساعة الصفر!

فماذا يقول فرويد في مساعدتنا على تحليل الخلايا النفسية والخبايا النرجسية، وفي محاولة لفهم أغوار السياسة اللبنانية؟ يؤكد أنّ الناس "مجرد ممثلين يعتلون المسرح لمسرحية من نسج خيالهم، تدفعهم بها الرغبة وتغرقهم بها الصدفة، وفي عمق السطح نجد ذواتنا في صراع خفيّ ونزاع على السلطة...".

إلا أنّ النفس الجانحة، والغرائز اللاواعية والدوافع المكبوتة في هذه المسرحية والصراع، عادة ما تُضبط في أطر تنظيمية حتى لا تعمّ الفوضى. ولكن في حالتنا الغارقة في غياب مؤسسات فاعلة وأطر لحكم سليم، ومع ما نشهد من حائط مسدود، نحن في مسرحية كارثية لا إيقاع ضابطاً، ولا قيادة وازنة فيها.

يتبيّن لنا أنّ ما نعيشه هو نتاج استبداد يعتاش على نبذ التعدّد وترسيخ الطائفية والزبائنية في الأسس الناظمة لإيقاع الحكم، في غياب للمحاسبة السياسية، وطبعاً في تغييب مروّع للشفافية وإطلاق العنان الكامل للأهواء والنزعات.

يعني هذا تتويجاً لجبروت من له الكلمة الأخيرة!! وهذا ليس مساراً فقط في إضعاف الدولة وأطرها وبنيانها المؤسساتي والديموقراطي وهيبتها، بل متلازمة في فقدان الثقة وانعدام الانتماء والاندماج الوطني، وحالة السخط الشعبي الذي نعيشه مع فقدان العزيمة وتقبّل ثقافة الفشل!

وفي التحليل النفسي، وسيكولوجيا فهم ما يجري بعيداً عن طبول المؤامرات التي اعتدنا رمي فشلنا وارتهاننا عليها. وفي هذا الاستطراد، وبما أنّ كلّ خارجي مؤامرة، ندعوكم إلى الولوج في رحلة داخلية ومراجعة شخصية بدون عنتريات.

رحلة أساسية قبل أيّ إصلاح أو مصالحة، في محاكمة أخلاقية داخلية للأنا المتلبّدة والأنا الضيّقة. لعلّها تجد في القيادة مساحة للتلاقي... وفي سيكولوجيا القوّة التمازج الوازن بين الخير والشرّ، لتتغلّب على هذه النزعة الاستبدادية الدوغمائية. فلا نصر ولا انتصار ولا نصير لأحد، بينما 60% من الشعب اللبناني تحت خط الفقر والعوز، ولا قوّة في التفنن بإنصاف العُقد واستعراضات تعقيد المُعقّد، فيما الانهيار سيلٌ مهما علا البعض عنه جارفٌ، ما يلبث أن يدفع بعضها بعضاً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم