السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بوتين والحرب العالمية الثالثة...

المصدر: "النهار"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
A+ A-

رائد المصري - صحافي وأستاذ جامعي

فاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دورته الرئاسية الخامسة، ووزَّع خطابات النصر إلى الداخل والخارج، كرسائل بات الهروب منها مستحيلاً، وما حديثه عن أن الحرب العالمية الثالثة آتية لا محال، وهي على الأبواب سوى دق ناقوس الخطر، وهو تحذير حقيقي وواقعي، في ظلِّ ما يعيشه العالم من اضطرابات عنفية، وحروب تجارية، وانقطاع في سلاسل إمدادات الطاقة والغذاء حول العالم. فكيف تحدث الحرب العالمية وما هي حقيقة أسبابها ومسبِّباتها وأدوار اللاعبين فيها؟

من الواضح أن للاقتصاد دوراً كبيراً في ترتيب المصالح السياسية وتنظيم المجتمع الدولي، في علاقات دولية تخضع لموازين قوى جديدة بعد كل فترة اضطراب واختلال، فالحروب التي تحدث هي نتيجة تراكم الفوائض المالية بوفرة، إذ ليس بمقدور أحد إستيعاب هذه الفوائض المالية، فيصار إلى شن الحروب لتدميرها عبر إعادة هيكلة الإنتاج الحربي ومجمعات الصناعات العسكرية، ثم تدوير الاقتصاد من جديد في إعادة إعمار ما هدمته الحروب.

كذلك من الأسباب المؤدية إلى توسُّع الحروب حول العالم احتقان الاقتصاد ودخوله في حال الركود والتضخم معاً لفترات طويلة، بحيث تصير سِمة عامة للواقع الاقتصادي المُعاش، والذي تدور فيه عملية الإنتاج داخل الدول الصناعية الكبرى في حلقة مفرغة، لا يمكن الخروج منها إلاّ بصدمات واهتزازت عنيفة، تُعيد هيكلة الاقتصاد والترميم في داخل الدول وخارجها، حيث إن الأزمة الأميركية في ثلاثينيات القرن العشرين لم تجد الحل إلاّ بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وتكليفها بمشروع مارشال في إعادة إعمار أوروبا، وهو ما كان، إذ عادت واشنطن وعوَّمت اقتصادها الصناعي والإنتاجي، وأقصت فرنسا وبريطانيا عن ساحة الحلبة الدولية التنافسية، بسبب اختلال الموازين بوجه الاتحاد السوفياتي وقتها.

والسبب الأخير والمهم في نشوب الحروب حول العالم والتي تأخذ الصفة العالمية، هو في البحث عن الموارد والثروات المعدنية والطاقة والغاز والنفط والفحم وغيرها، للاستخدام في التطوير الصناعي والتحديث الزراعي، ثم البحث عن الأسواق الدولية حول العالم لتصريف البضائع المصنعة وبيعها، أي إيجاد سوق استهلاكي عالمي قائم وجاهز، وبه تترتب علاقات الإنتاج العالمية في مسارات ومسافات زمنية قد تطول أو تقصر، لكنها ستصل إلى مرحلة يتوجَّب إعادة تغييرها وهيكلتها من جديد بفعل الأزمات العالمية، أو القيام بحروب متوسِّعة حول العالم ضمن تحالفات عسكرية وسياسية، للاستحواذ على الثروات والطاقة وطرق الإمداد وسلاسل التوريد.

ما تحدث عنه الرئيس بوتين وحذر منه هو حقيقي وصحيح، فالعالم اليوم بعد انكفاء شروط العولمة حوله، وتعطُّل مفاتيح منظمة التجارة الدولية، يعيش كل هذه الأزمات المذكورة دفعة واحدة، وبتوقيت زمني واحد، وهو ما أثار كل هذا الاضطراب والزعزعة في الثقة بين الدول، حتى تلك التي تتطابق نظمها السياسية في ما بينها، ليأخذ أشكالاً وأحجاماً جديدة، يُعلَّب في موازين قوى دولية لا تفرزها إلاّ الحروب الكبرى للأسف.

هذا العالم اليوم يعيش:

-الأزمات الناشئة عن الحرب الروسية الأوكرانية وانقطاع سلاسل الطاقة من الغاز والنفط عن أوروبا.

-خلق حالة تضخم وارتفاع في الأسعار والأجور ناتج عن زعزعة الاقتصاد العالمي القائم، وتعذر إمكانات المعالجة بسبب تبعثر أو ضرب علاقات الإنتاج الدولية.

-اضطراب في سلاسل التوريد وتصدير الغذاء والتصنيع.

-اضطراب في طرق الإمدادات البحرية وبالأخص طريق البحر الأحمر من أقصى شرق آسيا إلى أوروبا والكلفة العالية التي بات يتطلبها النقل والتأمين عليه حول العالم.

-اضطراب في أسواق الطاقة بسبب التوتر السياسي والأمني وعدم الاستقرار في إنتاجه والأمان في طرق وصوله إلى المستهلك من أجل التصنيع.

وأخيراً والأهم هو البدء في بناء جدران الحماية لدى غالبية الدول، بسبب الندرة في الموارد لمنع التفريط بها، وبسبب حماية الأسواق الداخلية لمنع الاستثمارات الخارجية من الدخول لمنع المنافسة المحلية، ومعنى ذلك أن هذه البلدان الصناعية الكبرى، ستفقد القدرة أولاً، على إيجاد موارد للثروة من طاقة وغاز وثروات باطنية بسبب أن غالبية الدول التي صارت تشكل حالة صاعدة، بدأت تتحصن بسيادتها أكثر لمنع الاختراق الأجنبي لأسواقها، والاستثمار فيها، وللحفاظ على ثرواتها الداخلية ضمن ما يسمى بالاستدامة، ومنع التفريط بها كي يبقى للأجيال المقبلة منها ما يستفيد، وثانياً فقدانها بسبب الحمائية الأسواق الاستهلاكية للتصريف، فلا يكفي أن تنتج الدول وتصنِّع بكميات كبيرة من دون تصريف، فهي تدخل وقتها في دورة إنكماش وركود اقتصادي ما يؤدي إلى بطالة كبرى.

المتتبِّع اليوم وبحسب كل الإحصائيات الاقتصادية، يجد أن العالم يعيش كل هذه الأزمات دفعة واحدة، من دون الحديث عن إيديولوجيات سياسية تحكم نظم الدول، فالكل يتصارع على الحصص والموارد والثروات، والكل يبحث عن الأسواق لفتحها واختراقها، والكل يريد وضع يده على إمدادات الطاقة وطرق وسلاسل التوريد، والكل يرغب في حماية أمن الملاحة وطرق التجارة الدولية. ولم تستقر كل هذه الأدوات الاقتصادية والتحالفات القائمة بعد على أي ثبات في موازين القوى، حيث بات التحذير من حرب عالمية ثالثة كما طرحها بوتين واجب، والذي تتوفر فيها كل عوامل ومسببات الحروب التي مر بها العالم... فهل من متّعظ..؟

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم