الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حين تعلمت نداء الانكليزية... أحلام لاجئة بسيطة

تصوير مارك فياض.
تصوير مارك فياض.
A+ A-
خديجة العتري

خلال جولتي في بعض المخيمات من قرى لبنان الشمالي، أصادف وجوها تملؤها عبارات إستفهامٍ عن مصيرها وكأنها تسأل: "أين حقي...أريد أن أتعلم".
الوجه الذي لا يفارقني هو ذلك الذي يشع أملاً وقوةً وكأن في إمكانه تغيير العالم وليس فقط واقعه.
نداء... ولها من إسمها نصيب، أخبرتني عن حلمها البسيط، الحلم الذي يعتبره الإنسان العادي نشاطاً يملأ به وقت فراغه.
"أريد أن أتعلم اللغة الإنكليزية"، لم يكن من السهل إقناع الأهل وبعد عدة محاولات بدأت رحلة نداء في التعليم.
كنا على تواصلٍ دائم، وفي كل مرة كنت أتجرع منها الأمل وأقدم لها الدعم الى أن بدأت تثمر بذور خطوتنا.
في زيارتنا الأخيرة أخبرتني أنها تريد أن تفتح صفاً في المخيم لتعلّم الأطفال اللغة العربية والإنكليزية، ورغم فرحي بما قالت الا أنني وقفت صامتة فلا أنا بإمكاني أن أحقّق حلمها ولا لساني قادر على سلبها هذا الأمل، ومضينا وكان آخر كلامنا "قولي يا رب واتركيها لعدالته".
وها أنا اليوم أخاطب قلوبكم، ترى هل بإمكاننا إيجاد حلول بديلة للحفاظ على هذا الحق الذي شرعته منظمة حقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل التي نحتفل بتكريسها اليوم؟
عندما بدأت بالتعليم تغيّرت حياتي، منحني ذلك الأمل والقوة لأصبح ما أنا عليه الآن لكنني لا أستطيع أن أكون سعيدة دون رؤية كل لاجئٍ في العالم يتمتع بإمكانية الوصول الى التعليم الجيد، أنا أكافح من أجل كل طفل، ليس اللاجئين فحسب بل لكل طفلٍ في العالم.
تقول: "أتوق الى يوم لا تُروى فيه قصتي كاستثناء بل لتصبح القاعدة وانطلاقاً من عباراتها يتعين على المجتمع الدولي أن يبذل جهداً أكبر لتوفير التعليم الذي يستحقه اللاجئون وخاصة الفتيات اللاجئات.
إن التعليم مفتاح حياة أفضل للأطفال والشباب ولا يمكن أن ينتظر أنه التحدي الذي يواجه هذا الجيل وبإمكاننا أن ننجح في تحقيقه من خلال العمل معا".
المدرسة هي المكان الذي يُمنح فيه اللاجئون فرصةً ثانية، وعدم منح اللاجئين الفرصة لتطوير المهارات والمعرفة التي يحتاجونها للإستثمار في مستقبلهم يعني بأننا نخذلهم.
كبار يقرعون طبول الحرب، والخطرُ يعصف بمستقبل أجيالٍ، مستقبل لا بدّ أنه آتٍ كَلَيلٍ بلا بدر.
لعل الثمن الأكبر في خضم حروب الكبار يدفعه الأطفال الذين خسروا منازلهم وأحلامهم وها هم يواجهون خطر خسارة دراستهم ومستقبلهم .
أمهات وآباء يعانون مع بدء العام الدراسي، هاجس تأمين العلم لأولادهم إلا أنه ولسوء حظهم شاء القدر أن يكون ملاذهم لبنان الضعيف المنكوب .
بالأمس كانت العقدة الأكبر تكمن في تزايد عمالة الأطفال لتأمين الطعام والمأوى حيث تسبب بضرر نفسيّ وجسديّ وإبعاد عن الحياة العلمية.
لم تعد العوائق صدمة حرب أو ضغوطٍ نفسية بل أصبح العائق حاجز جليديّ يحتاج الى جهودٍ كبيرةٍ وتكاتف المجتمع الدولي بكامله لإنقاذ مستقبل جيلٍ لا ذنب له في سياسة الدول التي يقال عنها عربية.
أمام هذا الواقع المؤلم فإن حرمان الأطفال اللاجئين من حقهم في التعليم، لا يؤثر سلبًا على نموهم الفكريّ فحسب بل يقلّل أيضا من اقتناص الفرص المتاحة لهم في المستقبل ويقضي على أحلامهم.
تعدّ أزمة اللاجئين السوريين أسوأ مأساةٍ إنسانيةٍ في العصر الحديث، وبدون تعليم لن يكون لأطفال سوريا فرصة لبناء الوطن الأم.
لقد كان التكيّف مع القيود التي فرضها الفيروس أمراً صعباً بشكلٍ خاص بالنسبة لـ ٨٥ % من اللاجئين الذين يعيشون في المناطق الفقيرة وغالباً ما لا تكون الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والإتصال بالشبكة متوفرة.
وفي بيان للمفوضية، ذكرت أنه نتيجةً لفيروس كورونا فإن نصف الفتيات اللاجئات في المدارس الثانوية لن يتمكنّ من العودة عندما تفتح الصفوف الدراسية أبوابها من جديد بالنسبة للبلدان التي كان أصلا فيها إجمالي التحاق الفتيات اللاجئات بالمرحلة الثانوية أقل من ١٠% فإن كافة الفتيات معرضات لخطر الإنقطاع عن التعليم نهائيا وهي معلومة تبعث القلق ويمكن أن يكون لها تأثيراً على الأجيال القادمة .
اليوم نحتاج للإستثمار في تعليم اللاجئين أو سيكون الثمن باهظاً على جيلٍ حُكم عليه أن يكبر وهو غير قادر على العيش بشكل مستقل والعثور على عمل والمساهمة في مجتمعهم.
يعتبر كل طفلٍ سوريّ لاجئٍ غير ملتحق بالمدرسة إدانة لفشلٍ جماعيّ في إهمال حقه في التعليم، وترك الأطفال السوريين مع حرمانٍ من التعليم دون خيار بديلٍ في الحصول عليه.
إن التعليم هو أيضاً أداة حقيقية لمكافحة التطرف العنيف الذي يأسر عقول الشباب ويفاقم عمالة الأطفال.



 
*الجمعية المسيحية الأرثوذكسية
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم