السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

أوهام ذاكرة دينية

المصدر: النهار
خالد الطراح
خالد الطراح
تعبيرية
تعبيرية
A+ A-
تدفقت آلاف، وربما أكثر حتى اليوم، تلك التي تحمل اسم "مذكرات" حول روايات منحازة فكراً ومنهجاً في تبرير الإرهاب الفكري والجسدي لتنظيمات دينية إقليمية وعالمية كالقاعدة وداعش وغيرهما كثر.
 
اضطرابات ونزاعات شتى تخترق صفوف المجتمعات المدنية في الوطن العربي، تحت راية الدين والطائفة والمذهب، بذريعة مواجهة العدو الأميركي أو الغربي ككل، وهو الرأي الحالم باصطناع عدو لتبرير أهداف إرهابية.
 
فثمة إصدارات عبارة عن مقابلات صحافية وعربية كالمذكرات التي تعزز تلك الأفكار الواهمة في التبرير والتعبير عن الأعمال الإرهابية، وبتوجيه تهم الاضطهاد والقمع بعينه عند وقوع هؤلاء الإرهابيين في قبضة العدالة والعيش خلف الغضبان.
 
من تلك الكتب، "حياتي مع طالبان.. السجين رقم 306"، الذي يتحدث عن "معاناة" الاعتقال في غوانتانامو، والسجين هو عبد السلام ضعيف (زائييف) الوزير والسفير السابق لطالبان لدى باكستان. 
 
صدر الكتاب بالتقاسم بين كاتبين هما اليكس ستريك فان لينشوتن وفيلكس كويهن، وهما اختارا الحياة في أفغانستان لسنوات وكانت نقطة الانطلاق من مدينة قندهار، معقل التيار الديني المتطرف.
 
مشاهدات غير محايدة موضوعاً وحدثاً، حملها لسان ملا ضعيف الى الكاتبين منذ دخوله ساحة زعيم طالبان الملا محمد عمر حتى الوصول الى أعلى رتبة في هذا التنظيم. 
بعد أربع سنوات أمضاها الملا ضعيف في معتقل غوانتانامو، أطلق المعتقل ضعيفالعنان لنفسه، تاركاً نفسه تتجول كما يشاء في التنقل بين سنوات السجن ورواية مشاهدات عن ظروف اعتقاله وتصويره المعاناة والاضطهاد في معتقل للإرهابيين حتى ساعة الإفراج عنه.
 
انبثقت فكرة الكتاب نتيجة رصد للتقلبات السياسية والدينية المعقدة في أفغانستان والعشائرية في هذا البلد الذي ما زالت تمزقه العوامل نفسها، وهي عوامل ومشاهد تتكرر في معظم الدول الإسلامية والعربية تحديداً.
 
الكتاب يتحدث، مثله مثل العديد من التقارير والإصدارات، عن وحشية أساليب التعذيب وخرق مبادئ حقوق الإنسان كما يراها ويفسرها المعتقل المسلم ضعيف وغيره من مؤيديه، لكن ثمة جزءاً واقعياً ومحايداً يتعلق بوضع أفغانستان بعد مجيء الرئيس كرزاي في كانون الأول (ديسمبر) 2001، وهو ما يثير التساؤل عن الحياد في هذا الجزء والانحراف في جزء آخر! 
 
فالحرب الأهلية فتكت بالسلام والاستقرار في أفغانستان المسلمة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، حين كانت تشتعل سماء العاصمة كابول بنيران القذائف من جانب قبائل وجماعات مسلحة تختبئ بين الجبال، ومعظمهم يدّعون الدفاع عن أفغانستان، بينما كان الضحايا الفعليون من المدنيين الأفغان!
 
من الملاحظات التي وثقها الكتاب ما يتعلق بجنود أميركيين جاء وصفهم بالعساكر "الأفارقة"، وغيرهم من أصول "بلدان فقيرة"، فيما حفلت ذاكرة الملا ضعيف بـ"تميز الأميركان الحمر" و"تفوق الأميركان اللاتينيين" عن الآخرين، علاوة على "تألق الأميركان الهنود، سكان أميركا الأصليين"، كما ورد نصاً في الكتاب.
 
ذهبت رواية الملا ضعيف الى شعوره شخصياً بمعاناة بعض الجنود بالاضطهاد والتمييز العنصري في الوقت الذي يروي فيه صنوف التعذيب والتجويع و وحشية المعاملة، وهي مبالغة في التعبير والرواية، إذ إن من الصعب على المعتقل، الانسان، أن يكون كل هذه الاستنتاجات وهو تحت الاضطهاد! 
 
مثل هذه الروايات والمذكرات لا تعكس الواقع ولا الحقيقة، بسبب تناقضها مع ظروف لا تسمح بالتأمل والتحليل بهذه الدرجة العميقة واختزان الذاكرة طوال سنوات الاعتقال بانتقائية شديدة في الادعاء والاتهام والوصف والتعبير. 
 
هناك مذكرات تستحق النشر والتوثيق والتمعن، ولكن ما يروى وينقل عن مؤيدي الفكر المتطرف لا يخرج عن هدف تصدير هذا الغلو في التفكير والتدبير، وهو ما يتطلب الحذر في القراءة والاستيعاب العقلاني. 
 
 
*كاتب كويتي
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم