الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما بعد قمة العُلا التصالحية

ابن سلمان مستقبلاً أمير قطر خلال قمة العلا (أ ف ب).
ابن سلمان مستقبلاً أمير قطر خلال قمة العلا (أ ف ب).
A+ A-
سليمان العقيلي
 
 
لا أحد في المنطقة يشكك في أن ما بعد قمة العُلا الخليجية التي انتجت المصالحة مع قطر لن يكون كما قبلها. 
 
فالأزمة التي أحدثت بعد تفجرها - مثل الدومينو - سلسلة أزمات أخرى، ستنعكس بعد حلها مفاعيل إيجابية على أزمات أخرى في المنطقة. 
 
وما من شك في أن هذه الأزمة الاستثنائية في تجليات مظاهرها وأبعادها وانعكاساتها تعد مفصلاً مهماً في تاريخ مجلس التعاون الخليجي ستنهل منها دوله الدروس وتستخلص العِبر مثلما هو الأمر في أزمات الكويت والبحرين واليمن. ويرى سيمون هندرسون أحد كبار خبراء الخليج في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في وصف لا يخلو من مبالغة "أن أهمية انتهاء أزمة الخليج هي أكبر من اتفاقات "التطبيع" الأخيرة التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين".
 
لقد انتجت القمة التي استضافتها مدينة العُلا السعودية - 300 كيلومتر شمال المدينة المنورة - قرارات عدة، لكن اكبر حدث سياسي سيذكره التاريخ لهذه القمة هو التسوية السياسية مع قطر التي تم من خلالها فتح المنافذ البرية والبحرية الجوية أمام القطريين. 
 
 
مصالحة تدرّجية
 
السؤال الذي تطرحه شعوب المنطقة اليوم، هل هذه المصالحة شاملة وناجزة مع كل أطراف الأزمة بما في ذاك الإمارات ومصر والبحرين وقطر التي وقعت البيان. 
 
يقول وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية انور قرقاش في تغريدة له: "نحن أمام قمة تاريخية بامتياز في العُلا نعيد من خلالها اللحمة الخليجية ونحرص عبرها أن يكون أمن واستقرار وازدهار دولنا وشعوبنا الأولوية الأولى. أمامنا المزيد من العمل ونحن في الإتجاه الصحيح". وعبارتا "امامنا المزيد من العمل" و"نحن في الاتجاه الصحيح" تعنيان أن المصالحة لم تقطع الطريق كله.
 
ومن جهته، قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري بعد القمة بيومين، إن مسار المصالحة الخليجية الذي تم التوصل إليه... هو اتفاق مبدئي، بحيث تحل القضايا العالقة في شكل ثنائي مع الدول الأخرى، ومنها مصر، مع تشكيل لجان خاصة لمعالجتها، مفيداً أنه ستكون هناك اجتماعات بين الدوحة والقاهرة حول الانشغالات الثنائية، وموضحاً أن الدوحة مستعدة لتشكيل لجان ثنائية لمعالجة المسارات المختلفة.
 
وبدوره، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر صحافي عقب القمة، إن "ما حدث اليوم هو ... طي الصفحة بكل نقاط الخلاف، والعودة الكاملة للعلاقات".
 
ويبدو أن قطر يهمها أولاً انجاز المصالحة مع السعودية التي تملك بيديها أغلب أوراق الضغط في الأزمة. وهي ربما ليست مستعجلة في الحوار مع بقية الأطراف رغم أن وزير ماليتها طار الى القاهرة مساء يوم القمة مظهراً أن بلاده ترغب بالمصالحة مع الجميع. وتفسير ذلك ربما أن الدوحة قد لا ترغب في أن تتنازل قناة "الجزيرة"، "اداة قوتها الناعمة"، عن أسلوبها النقدي المثير للجدل تجاه أربع دول عربية دفعة واحدة، ما يفقد هذه الشبكة أسلوبها الشعبوي البالغ الإثارة. ولطالما ربطت القناة سياستها التحريرية بالدبلوماسية الإقليمية للحكومة القطرية. 
 
 
الدوافع والعوائد 
 
ترتبط أهداف أطراف الأزمة من وراء المصالحة بالمخاطر الجيوسياسية الإقليمية الناتجة من تحولات دولية وإقليمية.
 
يقول موقع "ذا هيل" الأميركي إن "إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن يروق لها بشدة أن تكون هناك مصالحة خليجية ونهاية لأزمة قطر التي بدأت منذ عام 2017"، مشيراً إلى أن "إدارة بايدن لا تريد أن ترث تداعيات ازمة قديمة". ونقل الموقع الأميركي عن حسين إيبش الباحث المقيم في معهد الخليج للدراسات في واشنطن، "أن التقارب الخليجي الحالي ليس مصادفة، وإنما يبنى على استراتيجية لفتح صفحة جديدة مع الإدارة الجديدة". 
 
وفي واقع الأمر فإن القادة السياسيين في أوروبا وفي واشنطن والأمم المتحدة، بما في ذلك الأمين العام، رحبوا جميعاً بحل الأزمة واثنوا على هذه الخطوة.
 
إن المنطقة بكاملها قد تضررت من الأزمة، لكن السعودية وقطر تحملتا أكثر من غيرهما أكلافها: الأولى تلقت على عاتقها المسؤوليات والأعباء السياسية، والثانية تحملت أعباء اقتصادية جمة، وتفيد تقارير غربية بأن الاقتصاد القطري سينمو بسبب المصالحة وفتح المعابر والأجواء والانفتاح على النظام النقدي الإقليمي في عام 2021 بنسبة 3 في المئة. فيما المملكة بقرار إنهاء المقاطعة عادت للإمساك بزمام المبادرة السياسية في المنطقة.
 
ولكن ما من ريب أن العوائد السياسية الجمة ستنعكس على الجميع وليس بالضرورة أن تأتي من قطر نفسها، ونلخص العائدات السياسية في ما يأتي: 
 
1- تفكيك دائرة الأزمات التي تزايدت مع الأزمة الخليجية وأصبحت تطوق المنطقة وتستنزف قوتها السياسية.
 
‏2- تعزيز المكانة الإقليمية لمجلس التعاون بعد إنهاء انقساماته وبالذات مكانة السعودية التي ستستعيد دورها المرجعي.
 
‏3- توفير مروحة أوسع من فرص المناورة السياسية أمام السعودية ودول الخليج في حالة تعرضها لضغط أو لابتزاز إقليمي أو دولي.
 
‏4- تماسك الموقف الخليجي بوجه تطورات مقبلة يخشى أن تضغط على أمن المنطقة.
 
ويتوقع مراقبون عديدون في الرياض والخليج أن حل أزمة قطر سيترك آثاراً إقليمية وسيؤدي الى حل أزمات أخرى في المنطقة ما يخفف من الاثقال السياسية التي تتحملها المنطقة. ولأن الاستقطاب السياسي الحاد في الخليج أدى الى استقطابات أخرى في العمق العربي والإسلامي ما كان سيؤثر في تماسك مجلس التعاون الخليجي ودوره الإقليمي وعمقه الاستراتيجي.
 
فقد انعكست الأزمة الخليجية بظلالها على قضايا المنطقة كلها في اليمن وليبيا وسوريا. ومن المتوقع أن تساعد المصالحة القوى الدولية على دفع وتشجيع تسويات إقليمية كانت تضغط من أجلها كما هو الأمر في اليمن وليبيا وحتى سوريا. 
 
 
البعد الدولي
 
البعد الدولي للأزمة يكمن في أن دول مجلس التعاون الخليجي شريك رئيسي للغرب ومصدر مهم لأسواق الطاقة العالمية خصوصاً للنفط والغاز، وتعاونها سيعزز حالة الأمن والاستقرار وسيعدل نوعاً ما موازين القوى التي تمنع اندلاع الحروب. لكن هذه الدول لطالما اشتكت من الظروف التي أبرم فيها الاتفاق النووي الإيراني أو ما سمي "خطة العمل المشتركة الشاملة" في حزيران (يونيو) 2015، فقد كان للاتفاق تأثير سلبي في قضية الأمن الاقليمي. وبعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب في 8 أيار (مايو) 2018 تهيأت فرصة جديدة لإعادة صياغة الاتفاق بما قد يراعي الهواجس الخليجية. واذا ما أجرى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن حواراً مع طهران ربما خلال السنة الأولى لحكمه في ظل تمزق خليجي فإن الأمر لن يتغير. لكن الإدارة الجديدة قد تأخذ بالاعتبار مصادر القلق لدى دول التعاون الخليجي إذا ما كان موقفها موحداً. واذا ما نجحت بالتنسيق مع قوى إقليمية تتشارك معها بالهواجس نفسها من مشروع إيران النووي. 
 
 
قطر وارتباطاتها الإقليمية 
 
لا تعني المصالحة في العُلا انتهاء كل الخلافات بين الدول الأربع والدوحة، حيث ما زالت الثقة في أدنى مستوياتها وهو ما قد يدفع قطر للحفاظ على علاقاتها الإقليمية مع كل من طهران وأنقرة.
 
وقد حاول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الدس في حالة الانسجام الجديدة بمجلس التعاون عندما هنأ قطر على صلابة مقاومتها للضغوط الخليجية والعربية. وهذا في حقيقة الأمر يعبر عن المخاوف الإيرانية من انعكاسات المصالحة على موازين القوى في المنطقة. فرغم أن قطر لا تتوفر لديها قوة عسكرية مُعتبرة، إلا أن قوتها الناعمة اثبتت حضورها. وقد استثمرت فيها إيران مثلما شاهدنا في العمليات الإعلامية المبالغ فيها لتضخيم قوة الردع العسكرية الإيرانية وخيارات الرد على واشنطن!
 
واذا كانت إيران مصدر تهديد استراتيجي متفق عليه في مجلس التعاون مهما كانت دبلوماسية المهادنة والاحتواء من قبل بعض دول المنطقة، فإن المصالحة ستبعد الدوحة حتماً عن طهران.
 
لكن السؤال الذي ما زال عالقاً حتى اليوم هو: هل تُبعد المصالحة قطر عن تركيا أم تقرب الرياض والقاهرة وأبو ظبي من أنقرة؟
 
لقد أبدت تركيا استعدادها للتفاهم مع القوى الإقليمية التي خاصمتها وأرسلت إشارات الى الرياض والقاهرة. وعبّر وزير خارجية قطر عن استعداد بلاده لفتح خطوط وساطة بينها. واستبعد أن تؤثر المصالحة في علاقات بلاده الإقليمية مع تركيا وايران! 
 
وفي المقلب الآخر لا ترى الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا أي خطر للمصالحة الخليجية على العلاقات التركية - القطرية التي جرى توسيعها وترسيخها خلال السنوات الماضية وصولاً لشراكة استراتيجية بين الطرفين.
 
والمصالحة في العُلا هي مفتاح تسويات ومصالحات وليست قنبلة لتفجير أزمات جديدة بمعنى أن الاستقطاب الحاد في الخليج الذي تسبب باستقطابات أخرى في المنطقة، سيساعد انهاؤه على إنهاء أزمات اخرى. وقد قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إن "بلاده ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا"، فيما أعرب عن تطلعه لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة. 
 
وسبق أن أرسلت تركيا إشارات نوايا انفتاح على مصر والسعودية. وكان الملك سلمان قد اتصل بالرئيس التركي عشية قمة مجموعة العشرين. 
 
ويقوم رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري - على ما يبدو - بنقل رسائل بين أبو ظبي وانقرة. كما يُعتقد على نطاق واسع أن هناك اتصالات سعودية - تركية. ويمكن لهذه المساعي أن تنجح اذا ما اعتمدت كل الأطراف نهج المصالحة مع قطر نفسه، وهو (رابح رابح) واستبعدت المعادلة الصفرية التي ثبت فشلها بأزمات المنطقة.
 
لكن السؤال المحوري اليوم يتعلق بالبعد العقائدي للأزمة وهي العلاقة مع الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية، وهذا الشيء تنفيه الدوحة لكنه لدى الآخرين ثابت بالأدلة، خصوصاً علاقتها مع "الإخوان". ومبادئ المصالحة تؤكد ضرورة تجاوبها مع كل المتطلبات الأمنية. 
 
وما قد يحدد علاقة الدوحة بجماعة الإسلام السياسي، وهي نقطة جوهرية في الصراع، هي المفاوضات التي ستجريها مع القاهرة وأبو ظبي، حيث سيكون ملف "الإخوان المسلمين" له اولوية النقاش على الطاولة. 
 
والأمر يتوقف على الدوحة فليس أمامها فائض خيارات سوى التخلص من دور المؤيد والمعارض داخل المنظومة الخليجية تجاه الإسلام السياسي ما جلب لها المتاعب السياسية.
 
وربما أن في صيغة اتفاق 2013 وملحقه لعام 2014، وهما من ضمن المبادئ الستة للمصالحة، خريطة طريق واضحة لكيفية معالجة أزمة العلاقة مع "الإخوان المسلمين".
 
 
*كاتب سعودي 
 
@aloqeliy
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم