الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الحكومة الرقمية في لبنان: بين الواقع والحلم

المصدر: النهار
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
 
كريم مرهج وأميرة دبّوس
 
برَزَ مُصطلَح "الحكومة الالكترونية" (e-government) للمرّة الأولى عام 2005 في بيان وزاري حيث وعدَت الحكومة الجديدة آنذاك باجراء اصلاحات ادارية وتطبيق أحدث التقنيات في الدولة لتحسين أداء القطاع العام والخدمات المقدّمة للمواطنين. أمّا اليوم، فإنّ لبنان يحتّل المرتبة 127 من أصل 191 دولة في االاستطلاع الجديد حول الحكومات الإلكترونيّة الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة في العام الحالي، ويشير هذا التصنيف الى تراجع لبنان في هذا المجال خلال السنوات الماضية، اذ كان يحتّل، في العام 2005 المرتبة 71 من أصل 191 دولة، وكان تصنيفه أعلى من المتوسط العالمي. وفيما يتخبّط لبنان في أزماته الاقتصادية، والسياسية والمالية الخانقة ، ووَسْطَ استمرار انتشار وباء الكورونا، تبقى التساؤلات في شأن واقع الحكومة الالكترونية في لبنان مهمة وأساسية، وتثير الكثير من النقاشات والاقتراحات.
 
الحكومة الالكترونية والحكومة الرقمية 
 
برزَ في أواخر القرن العشرين مصطلح "الحكومة الالكترونية" بعد انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICTs) بشكل هائل، وبِخاصة الانترنت، وسهولة الحصول عليها. ويشير المصطلح الى امكانية استخدام هذه التكنولوجيا في القطاع العام من أجل تعزيز الادارة داخل الحكومة، وتعزيز الشفافية من خلال نشر البيانات الحكومية على الانترنت، وتخفيف التكاليف عبر توفير الخدمات العامة للمواطنين من خلال الانترنت. وتعتبر منافع الحكومة الالكترونية كثيرة، ومنها: الحدّ من مكامن الفساد، تعزيز ثقة المواطنين بالدولة باعتبار ان الدولة توفّر الخدمات بشكل سريع للمواطنين عبر الانترنت كدفع الضرائب، أو تجديد الأوراق الشخصية الرسمية، أو الحصول على الخدمات الاجتماعية. وبينما يدّل مفهوم "الحكومة الالكترونية" الى علاقة أحادية الاتجاه بين الدولة والمواطن، حيث الدولة توَفّر الخدمات والمعلومات عبر الانترنت ، اتّخذ مُصطلح "الحكومة الرقمية" (Digital government) الذي أصبح شائعاً ابتداءاً من عام 2010 بُعداً أكثر شمولية مُشيراً الى استخدام أحدث التقنيات الذكية في القطاع العام لِجعله أكثر فعّاليةً وتجاوُباً مع مَطالب المواطنين، وبالتّالي مُكرِّساً العلاقة الثنائيّة بين المواطن والدولة. وتَشملُ هذه التقنيات الحوسبة السحابية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات على الهواتف الذكية وتحليل البيانات (أي ما يُعرَف بِتقنيّات SMAC، وهو اختصار لِ “Social”, “Mobile”, “Analytics”, “Cloud”). 
 
واقع الحكومة الالكترونية في لبنان
عام 2003، وضَعَ مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الادارية (OMSAR)، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الانمائي في لبنان (UNDP) استراتيجية الكترونية وطنية طَموحة لكنّها لَم تُنفَّذ بالرغم من التمويل المادي المهم الذي وفرته الجهات المانحة، عِلماً بأن عمليّة التمويل هذه كانت غير مُنَسَّقة ولم تخضَع الى اي نوع من المُراقبة أو المُتابَعة، ولم تكن الإستراتيجيّة بِحَد ذاتها مبنيّة على نِيّة جدّية لِتَرسيخ الحكومة الالكترونية في لبنان بل لجذب المانحين وتعزيز صورة لبنان في المجتمع الدولي. هذا وبالتبويق والتصفيق تمّ عام 2018 إطلاق الاستراتيجية الرقمية التي حضرها مكتب OMSAR، لكن لم يتم اعتمادها من قبل مجلس الوزراء.
من جهة أخرى، وبالرغم مِمّا ذُكِر أعلاه، هناك بعض المؤشرات الايجابية في موضوع تفعيل الحكومة الالكترونية في لبنان اذ أنّه تم تدريب عدد كبير من موظفي الدولة على استخدام أحدث التقنيات الرقمية، وتنفيذ الكثير من العمليات بِواسطة أحدث أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتطويرمواقِع إلكترونيّة تابعة لِعدة مؤسسات حكومية. 
 
تحديّات الحكومة الرقمية في لبنان 
تُواجه الحكومة الرقمية في لبنان تحديات عدة أهمّها ثقافة كبت المعلومات التي تسود الادارة العامة على مختلف المستويات. هذا وبالرغم من اقرار قانون الحق في الوصول الى المعلومات عام 2017 بهدف تعزيز الشفافية والمحاسبة، غير ان تنفيذه كان محدودا. اذ يشير تقريران، أطلقتهما "مبادرة غربال" -وهي مبادرة تعمل على تشجيع الشفافية ومكافحة الفساد في القطاعات المختلفة- في عامي 2018 و2019 الى ان عدد المؤسسات العامة التي استجابَت الى مُساءَلات القانون لم يتجاوز 38 من اصل 133 في العام 2018، وارتفع العدد الى 68 في العام 2019 غير ان عدد المؤسسات التي كشفت عن بيانات ميزانيتها لم يتجاوز 34. وقد تجنّب الكثير من المؤسسات الرسمية الإستجابة الى مُساءَلات القانون ان من خلال تبريرها أنها لا تعرف بوجود القانون، او من خلال تقديم أعذار واهية لعدم الامتثال. إنّ انعدام الشفافيّة السائد في القطاع العام في لبنان، إضافةً الى عدم الإمتثال لِلقانون يجعلان أي مبادرة حكوميّة تِجاه تطبيق سياسة البيانات المفتوحة (Open Data) شبه مستحيلة.
 
لا يشكّل غياب الشفافية العائق الوحيد أمام الحكومة الالكترونية. بل يُعتبر الفساد في النظام السياسي المبني على الزبائنية و المحسوبيات عائقا أساسيا امام ترسيخ الاصلاحات الادارية التي قد تؤمّن لِلمُواطن أبسط المقوّمات لِلعيش اللاّئق الكريم. في ظلّ هكذا نِظام، إنه من غير المُستَغرَب أن تنعدِم كل المبادرات نحو الإصلاح الإداري بما فيه الخطوات نحو الحكومة الرقميّة. 
 
من الجدير ذكره أن عدم تحقيق الحكومة الرقمية في لبنان لا يرتبط بعدم توافر المهارات التقنية المناسبة أو الموارد اللازمة، اذ أن كلفة تدريب العاملين على استخدام التقنيات الرقمية غير باهظة الثمن، لِذا تُعتبَر الأعذار المرتبطة بنقص في تمويل أو تدريب اليد العاملة غير مُقنعة. في هذا السياق، نلحظ مثلاً أنّ المجتمع المدَني كان سبّاقاً في تحقيق خطوة مهمّة في اتّجاه تأمين البيانات المفتوحة من خلال إطلاق منصّة مفتوحة "ellira.org" من قبل "مبادرة غربال" التي تتيح جميع البيانات المالية المتوافرة من الدولة اللبنانية بطريقة سهلة، ومنصّة "Open Data Lebanon"، لِنشر مؤشرات اقتصادية واجتماعية من مصادر مختلفة ومن قطاعات عامة وخاصة. 
 
هل من بصيص أمل؟ 
لقد تمّ مؤخّراً إطلاق مبادرتَين حُكوميّتَين مُرتبِطتَين بالحكومة الرقمية، هما منصّة "IMPACT" و "منصّة التنسيق الخاصّة بالجهات المانحة" (Donor Coordination Platform)، مِمّا يشكّل مؤشرا جيدا نحو الحوكَمة الرقميّة في لبنان وامكانية التعاون بين مختلَف الوِزارات وعلى مستويات عدة . إن الخطوة الأولى في هذه العمليّة، وهي حتماً غير سهلة، تشمل شرط استجابة جميع المؤسسات الرسمية لِقانون الحق في الوصول الى المعلومات، وتَوفُّر موقعا الكترونيا نشطا ومنصات فعّالة للتواصل الاجتماعي. يلي ذلك إقامة شبكة تعاون صلبة بين الدولة والمجتمع المدني لانشاء منصة موحدة للبيانات المفتوحة، يتم ادارتها وتحديثها بشكل جيد. 
في الختام، تكمُنُ عمليّة تحقيق الحكومة الرقمية في لبنان وإحداث أي تحوّل رقمي في القطاع العام بإعادة النظر في الإستراتيجيّات السابقة كما في بعض التوصيات التي لم يتم تطبيقها. إنّ الحاجة المُلِحّة اليوم هي الى رؤيا حكومية شاملة، مُتَماسِكة ومُمَنهَجة نحو رقمَنة القطاع العام بِعكسِ الرُّؤيا المُجَزّأة العشوائيّة التي طُرِحت في الماضي.
 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم