الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سؤال عيد الأضحى من إيران إلى لبنان مروراً بالبلدان العربية

المصدر: "النهار"
أحد الحجاج يتلو الصلاة على جبل عرفات (أ ف ب).
أحد الحجاج يتلو الصلاة على جبل عرفات (أ ف ب).
A+ A-
غسان صليبي

تُخبرنا التوراة ان الله ظهر للنبي إبراهيم في رؤيا وطلب منه التضحية بإبنه، لكنّه تدخّل لاحقًا ليمنعه من القيام بذلك، وسأله ذبح أضحية بدلاً من إبنه.
معاني العيد تتركَّز على محبة إبراهيم لله الى درجة إستعداده التضحية بإبنه من أجله.

ليس من عادة المسلمين، ولا المسيحيين ولا اليهود، الذين يتشاركون معنى العيد بحكم انتسابهم الى النبي إبراهيم، أبي الأديان التوحيدية، أن يتساءلوا ما إذا كان يحقّ لإبراهيم أصلاً التصرف بحياة إبنه، طالما هم يسلّمون أن على الإنسان ان يطيع مشيئة الله، حتى لو اقتضى ذلك، أن يقتل الأب إبنه.

لا تهدف هذه المقدمة الى فتح نقاش ديني، بقدر ما أحاول من خلالها التفتيش عن جذور إعطاء الآباء أنفسهم الحقّ في قتل أبنائهم وبناتهم أو التصرف بحياتهم في أيامنا هذه، أكان ذلك إرضاءً لله أو حفاظًا على "الشرف" والعادات الاجتماعية و الدينية.

ما جعلني أهتم بهذه المسألة حادثتان وقعتا مطلع هذا الشهر، واحدة في إيران المسلمة وأخرى في بلدة مسيحيّة في لبنان.

‏فوفقاً لنشطاء حقوق المرأة المحلّيين، غضِب أب بعد رؤية ابنته في حديقة عامة مع شاب، فبادر الى قتلها. وأفاد موقع "روكنا" الإخباري بأنّ الرجل البالغ 43 عاماً أطلق النار على ابنته أريانا 16 سنة، في مدينة نور آباد الجنوبية. ونقل الموقع عن الأب قوله "لم أكن أنوي قتل ابنتي حقاً، لقد أطلقت النار من غير قصد. ذهبت إلى هناك ببندقيتي فقط لإخافتها". وأضاف المصدر نفسه أن الأب اعتُقل و"اعترف بجريمته". ووفقًا للشريعة الإسلامية المعمول بها في إيران، لا يُعاقب الأب بالإعدام إذا قتل أحد ابنائه.

لم يشأ الأب القاتل قتل إبنته بل تخويفها، فلماذا قتلها إذًا؟

هل تكفي الإجابة بأن القانون الإيراني لا يتشدّد في معاقبته على فعلته؟ هل يكفي تفسير ذلك بأنه خضع لضغوط العادات الإجتماعيّة والدينية المعادية للمرأة، والتي لم يكن بالإمكان الإختباء منها في حديقة عامة؟

لا شك أنه كان لهذين العاملين تأثيرهما، لكن الى درجة أن يتجاوز الأب حبّه لإبنته ويقتلها؟

ما قام به هذا الأب، قام به الكثيرون من الآباء في إيران وفي غيرها من البلدان، وخاصة العربيّة منها. وهي ليست حالة خاصة مفاجئة ومُستغربة. الجديد فيها، وهذا سبب إختياري لها، هو الوضوح في تصريح الأب حول التناقض بين نيّته وما فعله. فهذا يوحي لنا أن الأب ليس مجرمًا بقدر ما هو خاضع لظروف إجتماعية. العادات الإجتماعيّة والدينيّة ضغطت عليه والقانون سهّل مهمته. يبقى أن نسأل عن ضميره الإنساني وشعوره الأبوي.

لا شك في أن ضميره الإنساني متأثّر بالفكر الديني الذي يحلّل القتل أحياناً، أو يبرّره كحد أدنى، إرضاءً لمشيئة الله وللقواعد السلوكية التي يفرضها على الأرض. ونحن لا نفصل عادةً في هذه المنطقة، بين القواعد الإجتماعيّة والدينيّة.

أمّا شعوره الأبوي فهو على الأرجح أسير إقتناع مفاده أن الأب "يملك أولاده" ومن حقّه أن يتحكّم بمصيرهم. ألم يطلب الله من إبراهيم التضحية بإبنه مفترضًا أنه يحق له التصرّف بحياته كما يشاء؟

في بلدة القاع المسيحيّة، الواقعة في محافظة البقاع اللبنانيّة، لم يقتل أب إبنه أو إبنته، بل ارتضى رجال دين ووجهاء من البلدة، محاولة التغطية الإعلاميّة وربما القضائيّة، على جرائم اغتصاب ارتكبها عسكري متقاعد من البلدة، في حق عدد كبير من الأطفال، بعد تخديرهم، وربما كان من بين الذين يريدون طمس القضيّة بعض الأهالي...

المسألة هنا تتعلّق بانتهاك حقوق الأطفال، أكانوا صبياناً ام بناتاً، بما يتجاوز المسألة الجندرية، كما يبدو في الحالة الإيرانية. انتهاك حقوق الأطفال على المستوى الجسدي من طريق الإغتصاب، وعلى مستوى حقوقهم الإنسانيّة كبشر يحق لهم، حتى ولو كانوا قاصرين، ليس بالعلاج الجسدي والنفسي فقط، بل في أن تُطرح قضيّتهم على القضاء وأن تجري معاقبة الذين اغتصبوهم.

نلمس هنا أيضًا محاولة للتضحية بحقوق الأطفال لصالح الإعتبارات الإجتماعيّة والدينيّة. كأن الأب القاتل في إيران تحوّل الى مجتمع بأكمله في بلدة القاع اللبنانيّة. إنه النظام البطريركي الذي يفرض سلطة الأب على أفراد المجتمع وبالأخص على النساء والأطفال.

ليس صدفة أن النبي إبراهيم كان يُسمّى "البطريرك". فهل لا نزال نعيش في زمن النبي إبراهيم، قبل قرنين من ميلاد المسيح؟
كتب لنا جبران وغنّت لنا فيروز: "أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة، والحياة لا تقيم في منازل الأمس".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم