الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إعادة بناء لبنان... خريطة حلول

المصدر: "النهار"
"كلّي ثقة بقدرة شعبنا، وخاصّة أجياله الشابة" (نبيل إسماعيل).
"كلّي ثقة بقدرة شعبنا، وخاصّة أجياله الشابة" (نبيل إسماعيل).
A+ A-
سمير عبد الملك*
 
بداية، لا بدّ من شكر جريدة "النهار" و"مؤسسة جبران تويني" على متابعة الجهود لزرع الأمل في نفوس الشعب اللبناني الذي يمّر بأسوأ مرحلة مصيريّة من تاريخه الحديث.
 
وقبل البدء باقتراح الحلول العمليّة "لإعادة بناء لبنان"، لا بدّ من تشخيص المرض قبل وصف العلاج، وهذا هو أبسط المنطق.
 
إن الأزمة المصيرية التي نعيشها في لبنان، والتي تُهدّد المجتمع بالزوال أصبحت في أيامنا أكثر تعقيداً وصعوبة بسبب تحالف المافيا والميليشيا، أي تحالف طبقة سياسة حاكمة وفاسدة مع حزب الله، وهو حزب مسلّح، ويعتنق عقيدة دينيّة هي ولاية الفقيه، التي لا تعترف بحدود الوطن اللبناني ولا بنهائيّته، وهو حزب ممّول ومسلّح ومدعوم من دولة إقليميّة كبيرة هي إيران.
 
إذاً، لا بدّ بدايةً من الاتفاق على التشخيص قبل البدء باقتراح الحلول.
 
وعلى قاعدة "اسأل مجّرب وما تسأل حكيم"، سأروي تجربتي الخاصّة عندما ساهمتُ في العام ٢٠٠٦ بتأسيس جمعية التجارة العادلة في لبنان Fair Trade Lebanon بهدف تطوير وتسويق إنتاجنا الزراعي – من جهة - لمعالجة مشكلة النزوح من الريف المهدّد بدايةً بتفريغ الوطن من طاقاته الزراعيّة المنتجة، وبإبقاء مجتمعنا مجتمعاً استهلاكيّاً يعيش على المساعدات التي تأتي من الخارج، ومن تحويلات أبناء الوطن إلى أهلهم.
 
بالإضافة إلى أنّ هذه الهجرة كانت تهدّد بخسارة إرث وطنيّ، وهو جودة وتنوّع مطبخنا الذي نتناقله من جيل إلى جيل.
 
ومن جهة ثانية، كان الهدف المساهمة في تصحيح الخلل الكبير في ميزان مدفوعاتنا وفي إعادة التوازن إلى اقتصادنا الوطني (كنّا نصدّر حوالَي ٣ مليارات دولار ونستورد حوالَي ٢٠ مليار).
 
وهذه المهمّة تطلّبت منّا العمل بدايةً على بناء الثقة بين شركاء الإنتاج كافّة، والتعامل كفريق عمل واحد بأخلاق وشفافية وصدق، فكان أن رفعنا شعار "زرع اللبناني في أرضه" بهدف "تصدير إنتاجنا" بدلاً من "تصدير أبنائنا".
 
بالتأكيد، كانت الطريق وما تزال طويلة وصعبة وشاقة وتحتاج إلى إيمان كبير وثقة بالنفس وبقدرات شعبنا الطيّب وتفانيه في العمل على قاعدة تقديم المصلحة العامة على كلّ مصلحة خاصّة، لأن مصلحتنا الخاصّة تؤمَّن من خلال المصلحة العامة لا بالعكس…
 
ونستطيع التأكيد عبر تجربة جمعيّتنا المستمرّة منذ خمس عشرة سنة أنّنا على الطريق الصحيحة، بعد أن أصبح حضورنا في معظم المناطق اللبنانية من دون تفريق بين دين أو طائفة أو جنس، وبعد أن استطعنا تسويق إنتاجنا الزراعيّ إلى أكثر من ١٢ دولة في أوروبا وأميركا والدول العربية، ونؤمن مدخولاً لائقاً يكفي للعيش بكرامة.
 
أعطيت هذا النموذج من عملنا في جمعيّة التجارة العادلة، وهو جزء من مجموعة مبادرات ناجحة على مستوى الوطن، للقول إنّنا مدعوّون، خاصّة في هذه الظروف المأساوية وغير المسبوقة، إلى أن نَعي حقيقة الأزمة، ودورنا، وكيفيّة التصرّف، وحجم التضحيات الكبيرة المطلوبة للخروج منها، ولمواجهة المخاطرالمحدقة للوصول إلى شاطىء الأمان...
 
إنّنا مدعوّون إلى تجديد إيماننا بوطننا، وثقتنا بقدرات شعبنا على مسك مصيره، والمشاركة في حياتنا الوطنيّة على مختلف مستوياتها انتخاباً وإنتاجاً واستهلاكاً وتمسّكاً بالأرض. وأن نُعيد النظر في طريقة عيشنا، وفي ترتيب أولوّياتنا، وفي الاتّكال على أنفسنا لتلافي تدخّلات الخارج، والاستقواء ببعضنا على قاعدة "ما حكّ جلدك غير ظفرك"....
 
كلّي ثقة بقدرة شعبنا، وخاصّة أجياله الشابة، على الانخراط في تحمّل المسؤوليّة، وفي التشبّث بالوطن بوجه كلّ محاولات التيئيس وقتل المعنويّات، وخاصّة عدم الخضوع لمنطق ميزان القوى المتحوّل بطبيعته، ولمنطق "الفاجر بياكل مال التاجر"، ولمقولة "الإيد يللي ما فيك عليها بوسها وادعي عليها بالكسر...".
إذاً، يبدأ الحلّ أوّلاً في عدم الرضوخ لسلطة المافيا والميليشيا، وثانياً في استعادة الثقة بأنفسنا وبطاقات شعبنا الكبيرة، وبأن خلاصنا يبقى بوحدتنا، وباعتماد مقاومة مدنيّة سلميّة من نوع العصيان المدني، وبتظهير نماذج مجتمعيّة ناجحة، وهي موجودة في مختلف المناطق اللبنانية للتشبيك والاستفادة من تجارب بعضنا البعض.
 
ويبقى مشروعنا بناء الدولة المدنيّة، دولة المواطنيّة القائمة على سواعد أبنائها، وعلى بسط سيادتها على أراضيها كافّة، وعلى وضع طاقات أبنائها في عمليّة النهوض الوطنيّ وبناء اقتصاد مُنتج على حساب الاقتصاد الريعيّ، الذي يُخضِّع الناس ويُبقيهم بحاجة إلى وصاية دائمة…
 
باختصار، معادلة منظومة المافيا والميليشيا أصبحت واضحة، فإمّا أن نخضع لها فنتحوّل إلى مُستخدمين وعبيد، وإمّا أن نُهاجر ونترك الوطن.
 
يتبيّن بوضوح وجود مشروع واحد ينفّذ بأدقّ التفاصيل في لبنان، وهو مشروع هيمنة شاملة للمنظومة على المواطن وعلى الدولة، بعد أن قطّعوا أوصالها، وأسقطوا مؤسّساتها وكامل مكامن قوّتها، ودمّروا نظامها الديمقراطيّ القائم على التنوّع والحريّة والعدالة والمساواة، وبدّدوا ودائع ومدخّرات اللبنانيين المقيمين والمنتشرين، ورموا معظم الشعب اللبناني في الفقر والعوز، ودمّروا اقتصادنا الوطنيّ بعد خطفه لمصلحتهم الخاصّة وتشريعهم التهريب والتدخّل في دول المنطقة، وتفجير مرفأ بيروت ونصف العاصمة، وما أدّى إليه من قتل وتدمير وتشريد آلالاف، ورفض إجراء تحقيق دوليّ، ومحاولات تعطيل التحقيق اللبنانيّ بعد أن تمكّن المتّهمون من إقصاء أوّل قاضي تحقيق!
 
واليوم، تتابع منظومة المافيا والميليشيا، بطريقة منهجيّة ومتدرّجة، نهب خيرات الوطن والمواطن، وتحاول تحويل الشعب اللبناني إلى شعب فقير ومتسوّل يعيش على صندوق الإعاشة، بهدف متابعة سرقة ما تبقّى من احتياطيّ إلزاميّ في مصرف لبنان، وهي ما تبقّى من ودائع الناس، ثمّ الانتقال إلى تقاسم موجودات الدولة، من مرفأ ومطار واتصالات وشركة طيران وغيرها، بأبخس الأسعار…
 
مقابل هذه المعادلة القاتلة لم يبقَ أمام المواطن اللبناني سوى حق الدفاع المشروع عن النفس بوجه سارقيه وقاتليه، وهو حق تضمنه الشرائع الدوليّة والقانون اللبنانيّ، وعليه ابتكار كلّ أشكال الدفاع الجَماعي لا الفرديّ، لأنه يوفّر إمكانيّات دفاع غير عنفيّ؛ بدءاً من توحيد التشخيص بأن هذه منظومة واحدة متّحدة ضدّ المواطن اللبناني، سخّفت الدولة، واستقوت بالخارج، وتتابع شرذمة الداخل للوصول إلى هدفها المذكور أعلاه.
 
 
بات المطلوب بإلحاح وبسرعة:
 
أن نتشارك في تشخيص المشكلة على مستوى معظم هيئات المجتمع حتى لا نكون مثل الضفدعة التي تشوى في الطنجرة على نار خفيفة.
 
وأن نعمل على توسيع مساحات التلاقي على حساب كلّ ما يفرّق أو يشرذم من خلال التواصل والحوار.
 
وأن نعمل كفريق عمل وبذهنيّة فريق العمل الذي يُقدّم المصلحة العامة على الخاصة، فلا نفتح مجال استفرادنا بالمفّرق كما هو حاصل اليوم.
وألا نخضع خاصّة لترهيب هذه المنظومة وترغيبها، وقد علّمتنا التجارب أن نتّكل على إمكانياتنا وقدراتنا في الوطن وفِي الانتشار، على قاعدة أنه "ما بيحّك جلدك غير ظفرك"...
 
وفي الختام، لا بدّ من إعادة التأكيد أنه يتوجب بداية على قوى الاعتراض توحيد تشخيص المرض الوطنيّ الذي نعيشه والمتمثّل بتحالف المافيا والميليشيا، ثمّ العمل على توحيد الصّفوف لإعطاء الأمل للنّاس بإمكانية التغيير في مواجهة هذه السلطة الحاكمة، ثمّ عرض برنامج مبدئيّ للخلاص الوطنيّ من قبل قيادة موحّدة توحي بالثقة، لقيادة شعبنا الطيّب في مواجهة جلّاديه بالطرق السلميّة التي تبقى أفضل الطرق للوصول إلى الخلاص الوطنيّ.
 
 
- محام مسجّل في مجلس نقابة المحامين في بيروت.
- صاحب تجربة حزبية بدأت منذ أيام الجامعة مروراً بمشاركته في مناسبات سياسية طبعت حياتنا الوطنية.
- تعاطى السياسة بمعناها النبيل أي خدمة الإنسان الذي خلقه الله على صورته.
- عضو جمعية CIRDIC المتخصصة في الحوار بين الأديان والحضارات.
- يرأس حالياً جمعية التجارة العادلة في لبنان Fair Trade Lebanon ، بعد أن قام بتأسيسها مع مجموعة من الأصحاب في العام 2006، بهدف تفعيل الدورة الاقتصادية المحليّة في المناطق اللبنانية، ووقف نزيف الهجرة الريفية.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم