السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

وفاة الطفلة جوري السيد... ملاحظات في الطبّ الشرعي

الطفلة الضحية جوري السيد.
الطفلة الضحية جوري السيد.
A+ A-
 الدكتور محمد خليل رضا
 
توفيت الطفلة جوري السيد ابنة العشرة شهور في ظروف محيّرة.
وسأكون حيادياً، وعلمياً ومنطقياً، ومهنياً وبموضوعية مطلقة. طبّياً للإجابة عن سؤال في الطبّ الشرعي وأخواته بالقانون الطبّي على مَن تقع المسؤولية الطبّية "La Responsabilitee Medicale"، وهنا مفتاح ولغز القضية.
 
لا بدّ لي، وبمحبة، تسجيل بعض الملاحظات والتساؤلات والاستفسارات وأخواتها في إطار الطبّ الشرعي وأنسبائه:

1- العمر حسّاس جداً ودقيق للغاية؛ عشرة شهور. ففي حالة حرجةٍ ومحيرة كهذه، يجب معرفة الماضي الطبّي والدوائي وغيره للطفلة منذ الولادة مروراً بالأيام والأسابيع والأشهر حتى سنّ العشرة شهور رحمها الله. وهل كانت تتلقّى جرعات التلقيح ضمن جدول خاصّ بذلك ومبرمج؟!

2- كم كان معدل "مؤشر أيبكار" عند الولادة  "Indice Apgar". جميع الأطبّاء في العالم لا بدّ أن يتذكروا معدّله عند الولادة، ويسجّلوا ذلك في الملفّ الطبّي للمولود الجديد. وهو لتحديد الحالة الصحّية للمولود الجديد (الرضيع Nouveau-Ne) ويشمل: دقّات القلب، معدّل التنفّس، لون الجلد، مرونة العضلات "ToNus Musculaires"، وردّة الفعل لإثارة الجلد.

(La Reaction de L’Excitation de TeGuments) وكلّ من هذه المعايير مرقّم من صفر إلى اثنين. بالمحصّلة، يدلّ الرقم عشرة على أنّ المولود الجديد يتمتّع بصحّة جيدة، وأقلّ من سبعة يكون وضعه غير طبيعي "Anormale"... وهنا نبدأ في التحقيق الطبّي الشرعي.

3- كيف لنا أن نحصل على ذلك؟ وأين تمت الولادة؟ في المنزل على يد قابلة قانونية؟ "Safe Femme"، أو داخل عيادة القابلة القانونية؟ أو في المستشفى على يد طبيب اختصاصي في الولادات وجراحة الأمراض النسائية "Gyneco-Obstetriqus". وكيف لنا أن نعرف في حالات أخرى كيف قطع الحبل السري "Cordon-Ombilicale" بمقصّ جراحي معقّم؟! أو... بوسيلة أخرى؟! هكذا نتوسّع بالتحقيق الطبي الشرعي "Expertise Medico-Legale".

وهل كان لون الطفلة عند الولادة "أزرق"، وهل بكت مباشرة عند الولادة؟ هذه المعلومات يجب أن تعرفها والدتها، وتكون مسجّلة في الملفّ الطبّي للطفلة. نسأل أيضاً، هل كانت الوالدة بصحّة جيدة خلال شهور الحمل كافّة. ولم تكن مريضة؟ وهل عند طبيب الأطفال الملفّ الطبّي الكامل لها؟ ففي فرنسا وغيرها، يستحصل الطبيب المعالج "Medecin Traitant" للعائلة من المستشفى حيث تمّت الولادة، أو في مكان آخر على نسخة من الملفّ. وفي حالات أخرى يستشير زملاء اختصاصيّين له في مجالات أخرى، أو يتم تحويل المريض لهم إذا دعت الحاجة إلى المعالجة، كما يحصل مع الزملاء.

كذلك، هل تعالج العائلة الطفلة عند طبيب معيّن؟ وفي هذه الحالة الطبيب الاختصاصيّ في طبّ الأطفال وحديثي الولادة؟ لا عند طبيب صحّة عادي؟ ومتى آخر مرة عُولجت؟ وماذا كانت تعاني؟ هل أُحضرت الطفلة إلى عيادته؟ أم أتى هو شخصياً إلى المنزل؟ أم تمت المعالجة هاتفياً حسبما تعاني من علامات مرضية تم تزويد الطبيب بها؟ إذا عُولجت في المنزل؟ فكيف يتأكد الطبيب إذا كان عندها التهابات في الرئتين؟ أو اللوزتين؟ أو الأذن؟ أو التهابات في البول؟! أو تحرّك عندها مسألة جراحية وتحديداً في عمر العشرة شهور؟!!! أو... أو... هل أُعطيت أدوية: على شكل إبر بالعضل "Injection"، وهل عندها حساسيّة تجاه دواء معيّن وخاصّة أدوية المضادّات الحيوية "Antibiotique"؟، هل حُقنت الإبر بالعضل؟! أو داخل الوريد؟ أو داخل المصل؟ أكرّر هل حصل لها حساسية تجاه دواء معيّن؟

الملاحظ أنّ لون الجلد كان أزرق، وأُدخلت إلى المستشفى بحالة صعبة، وقد صدر بيان من المستشفى وُزّعَ على الإعلام. ولم يكن في المستشفى القريب من مزبةد  سرير للعناية الفائقة. أطرح السؤال هل كانت بحاجة، وفي وضع حرج كهذا، إلى إجراء "Traciostomie" بصورة طارئة، أي جرحاً في الرقبة يساعدها على التنفّس "فتح الرغامة"؟ وهل "غصّت" بسبب إعطائها الدواء، وحصل لها ما يُطلق عليه طبياً "Fausses Route"؟ ومن ثم "ذات الرئة" وهو التهاب حادّ في الرئة؟ وهل للرئتين صورة شعاعية؟ تاريخها؟! "Pneumonie" وهل وهل... أسئلة مبرّرة طبياً وقانونياً تحتاج إلى دليل وأجوبة.
 
4- في لغة الطبّ الشرعي وأخواته والقانون الطبّي "Droit Medicale"، يجب تحديد المسؤولية الطبّية. أتكلم بشكل عامّ وهي على أنواع: طبّية، إدارية، استشفائية، جراحية. أو لها علاقة بأدوية التخدير والبنج والإنعاش، إذا حصلت عملية جراحية (أتكلم بشكل عام أكرر ذلك).

5- وأيضاً، في لغة القانون الطبّي والطبّ الشرعي وأخواته، يجب عند إدخال أيّ مريض بصورة طارئة إلى المستشفى أن نؤمّن له العلامات الحياتية "Les Signes vitaux". وأن يبقى مستقراً من ناحية "Hemodynamique"، بمعنى الضغط إذا كان مرتفعاً أو منخفضاً، فنعالجه على الفور ليبقى في حدوده الطبيعية. وكذلك معرفة دقّات القلب والنبض، والتنفّس والحرارة ومعدّل الأوكسجين في الدمّ، من خلال جهاز يدويّ يوضع على الإصبع "Oximetrie"... وغير ذلك. ونحصل عليها من خلال جهاز "Monitiring"، يسجّل كلّ هذه العلامات. إضافة إلى حالة الوعي عنده... وهذه العلامات الحياتية هي ترجمة فورية لمفردات في "القانون الطبّي Obligation de" Moyenese و Obligation de Principe". وهذا ضروري جداً وإجباري فعله لرفع المسؤولية الطبية.
وكذلك عند تحويل المريض إلى مركز طبي آخر، أو مستشفى مجهز يستقبل حالات حرجة. أو إذا كان في هذا المستشفى أو ذاك غرفة أو تجهيزات للعناية المركّزة والفائقة للأطفال والرضّع وحديثي الولادة؟! ويُشترَط عند نقل المريضة أو المريض، أن يكون برفقته داخل سيارة الإسعاف المجهزة بكافّة وسائل الإنعاش والأوكسجين طبيب أو ممرض "قبضاي" متمرّن وذو خبرة عالية، كي لا يُفسَّر أنّ هذا المستشفى أو ذاك تهرّب من المسؤولية، "واحتجّ" بعدم وجود غرفة إنعاش للأطفال. ففي هذه الحالة، أين التفتيش الصحّي والطبيب المراقب لوزارة الصحّة؟ لماذا لا يعملون كبسات ميدانية على المستشفيات كافّة للتأكد من ذلك؟ فهل مع جائحة كورونا "Covid 19" وطفراتها ومتحوّراتها "تضيع الطاسة"؟ فقد سمعنا في الإعلام أنّ المريضة أُحضرت إلى المستشفى المجاور لسكنها بسيارة عادية؟! وهل أُجريَ فحص "PCR" لها؟ وهل تحدث حالات الكورونا لكنها نادرة جداً لأعمار كهذه؟ الله أعلم؟! لكن فكّروا بها؟!

6- سمعنا في الإعلام أيضاً أنّ الطفلة عندما أُحضِرت إلى المستشفى المجاور لقريتها في "قضاء الشوف" محافظة جبل لبنان، كان يوجد على الجلد لون أزرق. ويُسمّى ذلك في لغة الطبّ، والطبّ الشرعي "Echymoses".
 
 ويحصلُ ذلك لأسباب عدّة: قد يكون عندها اضطرابات في تخثّر الدم "Troubles de Coagulation Sanguines" أو تدهور وضعها الصحّي ودخلنا في "Septicemie" أو ناتج عن ضربة.
 
أتكلم بشكل عام في إطار "Enfant scoué" أو "أوفر دوز" دواء معيّن "Over Dose" أو حساسية تجاه دواء معيّن. لكن في أغلب الحالات يكون لون الجلد زهرياً، "Rose". تشريح الجثة ضروري جداً، وقد يكشف مفاجآت خلقية متنوّعة "Anomalies Congenitales" أو... واللائحة كبيرة.
 
ويجب حذف الأمراض التنفسية، وأمراض لها علاقة بأمراض الجهاز العصبي المركزي والدماغ، وأمراض خلقية للقلب والشرايين وأمراض استقلابية "Maladies Metaboliques"، أو انخفاض التهوية المركزي للسنخ الرئوية، (أتمنى كتابة المصطلح باللغة الأجنبية "Hypoventilation Alveolaires Centrales") أو الصرع "Epilepsie" (توجد علامات سريرية تساعد...) أتكلم بشكل عام، انخفاض في معدل السكر في الدم "Hypoglycomie" وانخفاض معدل الكالسيوم في الدم "Anomalies Enzematiques"، أمراض أنزيمية وحالات أخرى: ارتفاع كبير في معدل حرارة الجسم "Hyperthermie Majeure"، جفاف (نشفان) الجلد "Deshydratation"، أو اختناق من مصدر عرضي "Asphexie d’origine Accidentelle" أو غرق "Noyade" أو "Choc Anaphylactique" (زيادة فرط التحسّس)، أو ورم تحت غلاف الدماغ ناتج عن عدة عوامل، ضربه على الرأس وأمراض أخرى يُطلق عليها "Hematome sous durale"، أو اضطرابات عصبية في البلع "troubles Neurologiques de le deglutation" أو أمراض جرثومية ومعدية وهي كثيرة "Maladies Infectieuses"، أو أمراض لها علاقة بالأذن، وداخل الفم وهي متعددة أو... أو... تشريح الجثة وأخذ رزمة العيّنات، وإذا دعت الحاجة أخذ خزعات "Biopsies" من كافة الأعضاء والأحشاء وبطريقة علمية ومهنية وحرفية ودقيقة. نصادف أيضاً حالات لها علاقة بالتسمّم الدوائي "Intoxications Medicamenteuses" أو التسمّم بأحادي أوكسيد الكربون "Intoxications deco"، أو أنّ أحدهم أعطاها "في غفلة" عن الأهل هذه المادّة أو تلك؟ أو... أو...؟
 
صدّقوني تشخيص موت الأطفال والرضّع الحديثي الولادة دقيق وحسّاس للغاية، ومهني بامتياز. ويحتاج إلى خبرة وتكتم شديد لجمع خيوط تفيد في التشخيص، وإعطاء سبب الوفاة بحاجة إلى وقت. ولا يتم التشخيص سريعاً، وارتجالاً وبنحو متهوّر وعلى الإعلام.
 
يجب تشريح الجثة "Autopsie" ورفع تقرير مفصّل ودقيق، مزوّد بتقرير عن صورة شعاعية للرئة، وصورة سكانر للجمجمة "الرأس"، وصورة شعاعية كاملة للضحية (الطفلة) ونتائج الفحوص المخبرية، ونتائج فحوص الخزعات "Biopsies"، شرط أن نأخذ نموذجين من كلّ عيّنة لمقارنة النتائج من العيّنات بمعنى من الدم الوريدي، الدم الشرياني، البول، محتويات المعدة، محتويات الأمعاء، المرارة "Bile" الشعر الذي هو خزان المعلومات والصندوق الأسود للجسم، إذ يخزن المعلومات الدوائية. وإذا كانت كمية الدواء التي أعطيت للطفلة كافية وكانت علاجية مئة بالمئة؟ أم أنّ هناك خللاً ونقصاً معيّناً في إعطائها الأدوية قبل وصولها إلى المستشفى؟! فيكشف المستور.
أكرر، يجب تشريح الجثة بعد موافقة القضاء المختصّ والأهل، أتكلم بشكل عامّ وواضح كما كنا نمارس ذلك في فرنسا ودول أخرى. إضافة إلى ذلك، يجب موافقة المعنيين بتكليف لجنة طبّية تجمع أطبّاء الأطفال، فهذا شيء مفيد لكنه غير كافٍ. أكرر في ظروف كهذه، فقط لتشريح الجثة الكلمة الفصل والأولى والأخيرة دون منازع! وكي لا نمتصّ غضب الأهل والأحبة والعائلة بطريقة معينة بتكليف لجنة طبّية، أكرر كحيادي وكإنسان هذا غير كافٍ. وربما من يفسره في خانة "تجهيل الفاعل!" كما غيره من الملفات... و"خليها مستورة أفضل"، "وفي الفم ماء"؟!!.

7- أختم لأقول، إذا كانت الطفلة تعاني مرض السحايا "Meningites" وحرارة مرتفعة، فإنّ شراباً مخفّضاً للحرارة لا يحلّ المشكلة، بل إنّ مكان المريضة هو المستشفى تحت إشراف طبيب اختصاصي في طبّ الأطفال وحديثي الولادة "Pediatre". مع فحوص في الدم وسحب سائل من الظهر يطلق عليه علمياً وطبياً "P.L" "Ponction Lombaire"، وهل لون السائل شفاف كالماء أم معكّر؟ أم دموي؟! أم... أم؟! مع معاينة الطفلة توجد عدة اختبارات سريرية، مثلاً عند ثني الرقبة "Flexion du Cou"، نلاحظ ردة الفعل على الأطراف وغيرها من الاختبارات السريرية. واستطراداً في حالات أخرى وخارج موضوع الطفلة، في الطبّ الشرعي حالات نادرة لكنها تحصل حتى ولو كان الفحص الخارجي للجثّة طبيعياً ولا يُظهر آثار عنف ولا ألوان زرقاء "Ecchymose". لكن تشريح الجثّة وأخذ عيّنات من الأحشاء ورزمة فحوص أخرى، وخزعات "Biopsies" من الدماغ بعد نشر الجمجمة بالمنشار الكهربائي الموجود في عدّة الشغل المتنوّعة داخل المشرحة في معهد الطبّ الشرعي "Institut de Medecine Legale" أعطى التشخيص التالي "Lesions Axonales Difuses". والتحريّات التي أُجريت منذ اللحظة الأولى للحادثة ودامت لفترة من الوقت، هل تظهر أنّ الضحية تعرضت لعنف عائلي في إطار خلافات زوجية وعاطفية؟ ويدخل هذا التشخيص النادر لكنه يحصل في إطار عنوان "Enfant Secoue" الطفل المعنّف... والطبّ الشرعي غنيّ بالأسرار وخاصّة المدرسة الفرنسية منه.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم