
محمد فاعور*
أظهرت النتائج التي صدرت حديثاً لاختباراتTIMSS الدولية للصف الأساسي الثامن لعام 2019 ونتائج اختبار PISA للطلاب في عمر 15 لعام 2018 تدهوراً متسارعاً لمخرجات التعليم المدرسي في لبنان. كان أداء التلامذة اللبنانيين في هذين الاختبارين دون المعدل العالمي بنسبة عالية. سأستعرض في هذه المقالة موجزاً لنتائج اختبار TIMSS ومدلولاتها بالنسبة إلى نظام التعليم اللبناني والأسئلة التي تطرحها حول واقع الشباب اللبناني ومستقبله.
أهمية اختبار TIMSS في مادتي الرياضيات والعلوم أنه يُجرى كل 4 سنوات منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، ما يتيح لنا رصد التغير في أداء التلامذة خلال فترة زمنية طويلة نسبياً. منذ عام 2003 شارك لبنان في هذه الاختبارات غير أن مشاركته اقتصرت على الصف الثامن. وأهمية الصف الثامن أن الطالب يحتاج إلى إتمام 4 سنوات إضافية قبل الحصول على الشهادة الثانوية، ما يعطي وزارة التربية وقتا كافياً لدراسة مواطن الضعف الأكاديمي لدى التلامذة ثم العمل على تجاوزها.
في الرياضيات عام 2003 كان أداء الطلاب اللبنانيين هو الأفضل بين الدول العربية المشاركة في اختبار TIMSS لكنه كان أدنى من المعدل العالمي. تحسَّن الأداء في عام 2007 من دون أن يصل إلى المعدل العالمي، وحلّ لبنان ثانيا بعد إمارة دبي بين الدول العربية المشاركة. أصبحت دبي معيارا مرجعياً لهذا الاختبار فتصدرت معدلات طلابها كل الدول العربية المشاركة في كل دورة اختبار منذ عام 2007. في عام 2011 حافظ لبنان على معدله وحلّ ثانيا بعد الإمارات العربية المتحدة. ثم بدأ التراجع في أداء طلاب لبنان فانخفض معدل طلابه في الرياضيات عام 2015 وأصبح ثالثا في التراتبية بين الدول العربية المشاركة. ثم تسارع التراجع في الأداء فانخفض المعدل عام 2019 وحلّ لبنان رابعا بين الدول العربية المشاركة.
وما يثير القلق أكثر من المعدل العام المتدني هو نسبة الطلاب اللبنانيين الذين لم يصلوا إلى المستوى العالمي الأدنى للأداء في الرياضيات (من أصل أربع مستويات: أدنى، متوسط، مرتفع، متقدم). وقد ارتفعت نسبة هؤلاء الطلاب من 26% عام 2007 إلى 36% عام 2019. أي أن أكثر من ثلث طلاب الصف الثامن شبه أميين في الرياضيات، لأن الطالب الذي وصل إلى المستوى الأدنى في الرياضيات لديه فقط بعض المعرفة بالأعداد الكلية الصحيحة والرسوم البيانية الأساسية. في الدول ذات الأداء المميز، فقط 1-2% من الطلاب لم يصلوا إلى هذا المستوى الأدنى من الأداء. والمعدل العالمي هو 13%. أما الطلاب اللبنانيون الذين وصلوا إلى المستوى المتقدم في الرياضيات عام 2019 فمن المؤسف أن نسبتهم المئوية كانت صفراً.
في العلوم كان أداء الطلاب اللبنانيين أضعف منه في الرياضيات في كل دورات الاختبار من 2003 إلى 2019 وكان معدلهم العام أدنى بكثير من المعدل العالمي. وقد تراجع الأداء منذ عام 2007 حتى وصل اليوم إلى مستويات مقلقة. في عام 2007 لم يصل أي من الدول العربية المشاركة في الاختبار إلى المعدل العالمي للأداء وحلّ لبنان في المرتبة السابعة. في عام 2011 كان ترتيب لبنان العاشر بين المجموعة العربية المشاركة. واستمر التراجع في الأداء عام 2015، لكن سرعة التدهور تصاعدت بعدئذ إلى أن بلغ الأداء أدنى معدل له عام 2019. لبنان اليوم هو الأضعف في العلوم بين كل الدول العربية التي شاركت في الاختبار.
المعضلة الأكبر في أداء تلامذة الصف الثامن في العلوم تكمن في نسبة الطلاب اللبنانيين الذين لم يصلوا إلى المستوى العالمي الأدنى للأداء (من أصل أربع مستويات: أدنى، متوسط، مرتفع، متقدم). وقد ارتفعت نسبة هؤلاء الطلاب من 45% عام 2007 إلى 59% عام 2019. أي أن غالبية طلاب الصف الثامن لا يملكون الحد الأدنى من المعلومات العلمية الواجب تحصيلها في هذا الصف. هؤلاء الطلاب شبه أميين في العلوم، لأن الطالب الذي وصل إلى المستوى الأدنى في العلوم لديه فهم محدود للمبادئ والمفاهيم العلمية ومعرفة محدودة بالحقائق العلمية. في الدول ذات الأداء المميز في العلوم فقط 1-2% من الطلاب لم يصلوا إلى هذا المستوى الأدنى. والمعدل العالمي هو 15%. أما الطلاب اللبنانيون الذين وصلوا إلى المستوى المتقدم في العلوم عام 2019 فمن المؤسف أن نسبتهم المئوية كانت 1%.
بناء على ما تقدم، يتبين أن التراجع في أداء الطلاب في الرياضيات بدأ بعد عام 2011 وفي العلوم بعد عام 2007، لكن المسار الانحداري للأداء في كلتا المادتين تسارع بشكل حاد بعد عام 2015. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسار المتسارع للتدهور منذ عام 2015 تزامن مع الفراغ الرئاسي قبل انتخاب الرئيس عون واستمر بعد تسلمه الرئاسة. كذلك تزامن هذا التدهور في أداء الطلاب مع النزوح السوري إلى لبنان والأزمة الاقتصادية المتصاعدة. ولا نتوقع أن يتوقف المسار الانحداري لأداء الطلاب في الصف الثامن وغيره من الصفوف في ظل الانهيار الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي للدولة اللبنانية الذي ظهر جليا منذ تشرين الأول 2019 والذي فاقمته جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
نتائج اختبار TIMSS تثير أسئلة ذات أبعاد استراتيجية بالنسبة للتعليم المدرسي في لبنان وكذلك بالنسبة لواقع ومستقبل الشباب فيه. إن نسبة عالية من الشباب شبه الأميين في العلوم والرياضيات لا تستطيع المساهمة الفاعلة في اقتصاد تنافسي يعتمد تكنولوجيا تتطور بسرعة. كما لا يستطيع شبه الأميين أن يساهموا في إخراج لبنان من أزماته المتعددة والمتراكمة ولا بناء دولة المواطنة. فهل سيتمكن لبنان بدولته الفاشلة ونظامه التربوي المنهار من معالجة مواطن الضعف لدى طلابه قبل أن ينهار تماما؟!
• مستشار تربوي عمل سابقا أستاذ اجتماع ووكيل نائب رئيس الجامعة للبرامج الخارجية الإقليمية، الجامعة الأميركية في بيروت
أظهرت النتائج التي صدرت حديثاً لاختباراتTIMSS الدولية للصف الأساسي الثامن لعام 2019 ونتائج اختبار PISA للطلاب في عمر 15 لعام 2018 تدهوراً متسارعاً لمخرجات التعليم المدرسي في لبنان. كان أداء التلامذة اللبنانيين في هذين الاختبارين دون المعدل العالمي بنسبة عالية. سأستعرض في هذه المقالة موجزاً لنتائج اختبار TIMSS ومدلولاتها بالنسبة إلى نظام التعليم اللبناني والأسئلة التي تطرحها حول واقع الشباب اللبناني ومستقبله.
أهمية اختبار TIMSS في مادتي الرياضيات والعلوم أنه يُجرى كل 4 سنوات منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، ما يتيح لنا رصد التغير في أداء التلامذة خلال فترة زمنية طويلة نسبياً. منذ عام 2003 شارك لبنان في هذه الاختبارات غير أن مشاركته اقتصرت على الصف الثامن. وأهمية الصف الثامن أن الطالب يحتاج إلى إتمام 4 سنوات إضافية قبل الحصول على الشهادة الثانوية، ما يعطي وزارة التربية وقتا كافياً لدراسة مواطن الضعف الأكاديمي لدى التلامذة ثم العمل على تجاوزها.
في الرياضيات عام 2003 كان أداء الطلاب اللبنانيين هو الأفضل بين الدول العربية المشاركة في اختبار TIMSS لكنه كان أدنى من المعدل العالمي. تحسَّن الأداء في عام 2007 من دون أن يصل إلى المعدل العالمي، وحلّ لبنان ثانيا بعد إمارة دبي بين الدول العربية المشاركة. أصبحت دبي معيارا مرجعياً لهذا الاختبار فتصدرت معدلات طلابها كل الدول العربية المشاركة في كل دورة اختبار منذ عام 2007. في عام 2011 حافظ لبنان على معدله وحلّ ثانيا بعد الإمارات العربية المتحدة. ثم بدأ التراجع في أداء طلاب لبنان فانخفض معدل طلابه في الرياضيات عام 2015 وأصبح ثالثا في التراتبية بين الدول العربية المشاركة. ثم تسارع التراجع في الأداء فانخفض المعدل عام 2019 وحلّ لبنان رابعا بين الدول العربية المشاركة.
وما يثير القلق أكثر من المعدل العام المتدني هو نسبة الطلاب اللبنانيين الذين لم يصلوا إلى المستوى العالمي الأدنى للأداء في الرياضيات (من أصل أربع مستويات: أدنى، متوسط، مرتفع، متقدم). وقد ارتفعت نسبة هؤلاء الطلاب من 26% عام 2007 إلى 36% عام 2019. أي أن أكثر من ثلث طلاب الصف الثامن شبه أميين في الرياضيات، لأن الطالب الذي وصل إلى المستوى الأدنى في الرياضيات لديه فقط بعض المعرفة بالأعداد الكلية الصحيحة والرسوم البيانية الأساسية. في الدول ذات الأداء المميز، فقط 1-2% من الطلاب لم يصلوا إلى هذا المستوى الأدنى من الأداء. والمعدل العالمي هو 13%. أما الطلاب اللبنانيون الذين وصلوا إلى المستوى المتقدم في الرياضيات عام 2019 فمن المؤسف أن نسبتهم المئوية كانت صفراً.
في العلوم كان أداء الطلاب اللبنانيين أضعف منه في الرياضيات في كل دورات الاختبار من 2003 إلى 2019 وكان معدلهم العام أدنى بكثير من المعدل العالمي. وقد تراجع الأداء منذ عام 2007 حتى وصل اليوم إلى مستويات مقلقة. في عام 2007 لم يصل أي من الدول العربية المشاركة في الاختبار إلى المعدل العالمي للأداء وحلّ لبنان في المرتبة السابعة. في عام 2011 كان ترتيب لبنان العاشر بين المجموعة العربية المشاركة. واستمر التراجع في الأداء عام 2015، لكن سرعة التدهور تصاعدت بعدئذ إلى أن بلغ الأداء أدنى معدل له عام 2019. لبنان اليوم هو الأضعف في العلوم بين كل الدول العربية التي شاركت في الاختبار.
المعضلة الأكبر في أداء تلامذة الصف الثامن في العلوم تكمن في نسبة الطلاب اللبنانيين الذين لم يصلوا إلى المستوى العالمي الأدنى للأداء (من أصل أربع مستويات: أدنى، متوسط، مرتفع، متقدم). وقد ارتفعت نسبة هؤلاء الطلاب من 45% عام 2007 إلى 59% عام 2019. أي أن غالبية طلاب الصف الثامن لا يملكون الحد الأدنى من المعلومات العلمية الواجب تحصيلها في هذا الصف. هؤلاء الطلاب شبه أميين في العلوم، لأن الطالب الذي وصل إلى المستوى الأدنى في العلوم لديه فهم محدود للمبادئ والمفاهيم العلمية ومعرفة محدودة بالحقائق العلمية. في الدول ذات الأداء المميز في العلوم فقط 1-2% من الطلاب لم يصلوا إلى هذا المستوى الأدنى. والمعدل العالمي هو 15%. أما الطلاب اللبنانيون الذين وصلوا إلى المستوى المتقدم في العلوم عام 2019 فمن المؤسف أن نسبتهم المئوية كانت 1%.
بناء على ما تقدم، يتبين أن التراجع في أداء الطلاب في الرياضيات بدأ بعد عام 2011 وفي العلوم بعد عام 2007، لكن المسار الانحداري للأداء في كلتا المادتين تسارع بشكل حاد بعد عام 2015. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسار المتسارع للتدهور منذ عام 2015 تزامن مع الفراغ الرئاسي قبل انتخاب الرئيس عون واستمر بعد تسلمه الرئاسة. كذلك تزامن هذا التدهور في أداء الطلاب مع النزوح السوري إلى لبنان والأزمة الاقتصادية المتصاعدة. ولا نتوقع أن يتوقف المسار الانحداري لأداء الطلاب في الصف الثامن وغيره من الصفوف في ظل الانهيار الاقتصادي والسياسي والمؤسساتي للدولة اللبنانية الذي ظهر جليا منذ تشرين الأول 2019 والذي فاقمته جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت.
نتائج اختبار TIMSS تثير أسئلة ذات أبعاد استراتيجية بالنسبة للتعليم المدرسي في لبنان وكذلك بالنسبة لواقع ومستقبل الشباب فيه. إن نسبة عالية من الشباب شبه الأميين في العلوم والرياضيات لا تستطيع المساهمة الفاعلة في اقتصاد تنافسي يعتمد تكنولوجيا تتطور بسرعة. كما لا يستطيع شبه الأميين أن يساهموا في إخراج لبنان من أزماته المتعددة والمتراكمة ولا بناء دولة المواطنة. فهل سيتمكن لبنان بدولته الفاشلة ونظامه التربوي المنهار من معالجة مواطن الضعف لدى طلابه قبل أن ينهار تماما؟!
• مستشار تربوي عمل سابقا أستاذ اجتماع ووكيل نائب رئيس الجامعة للبرامج الخارجية الإقليمية، الجامعة الأميركية في بيروت
الأكثر قراءة
شمال إفريقيا
10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
سياسة
10/5/2025 3:09:00 PM
تابعت: "إن الدستور اللبناني يكفل المساواة بين اللبنانيين، مقيمين كانوا أم مغتربين. وتحقيق هذه المساواة يقتضي تعديل القانون الحالي بإلغاء المادة 112، بما يسمح لكل مغترب بالاقتراع في بلدته الأم".
مجتمع
10/4/2025 12:02:00 PM
من المتوقع أن تتأثر المنطقة اعتباراً من بعد ظهر الثلاثاء بمنخفض جوي متوسط الفعالية مركزه شمال غرب تركيا.
مجتمع
10/4/2025 3:23:00 PM
العملية تأتي في إطار الحملة الأمنية التي ينفذها الجيش في المنطقة لضبط المطلوبين ومواجهة التفلّت الأمني منذ ساعات الصباح الأولى.