هل ستُصلح الماكرونية في لبنان ما أفسدته الترامبية؟
Smaller Bigger
د.جيرار ديب - أستاذ جامعي ومحلّل سياسي
 
تميّزت سياسة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بالشدة وفرض العقوبات على لبنان. فالسياسة الديبلوماسية الأميركية التي عرفت باعتماد العصا والجزرة على الدول، لم يعرف منها لبنان إلا العصا مع الرئيس ترامب، رغم بعض المظاهر الإنسانية التي أظهرتها للشعب اللبناني بعد كارثة المرفأ في 4 آب الفائت.
هذه الإدارة مارست على لبنان السياسة الكارترية، لكن باستبدال التدخل العسكري بالعقوبات الاقتصادية؛ فساهمت أيضاً بضرب عملته الوطنية عبر سحب التداول في الدولار، ما زاد نسبة التضخم، وأدّى إلى تدني مستوى المعيشة عند اللبنانيين، فباتت الأغلبية منهم ترزح تحت خط الفقر. كما وحثّت هذه الإدارة حلفاءها الغربيين والعرب على السواء، إلى قطع أي نوع من أنواع التعاون والدعم للبنان. إلى جانب ذلك، عرقلت المبادرة التي حملها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لإنقاذ لبنان من الانهيار.
في ظلّ غياب الحراك الديبلوماسي، والقطيعة الشاملة للبنان، ومع اشتداد الكباش السياسي الداخلي بين فريق العهد ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، والبوادر المقلقة بما يحصل في شمال لبنان، تحديدًا طرابلس، وفي ظل استفحال وباء كورونا، يُطرح السؤال التاريخي: لبنان إلى أين؟ هل سينتظر المفاوضات الإيرانية - الأميركية، ويدفع ثمن الإنتظار مزيدًا من الضغوطات والإنهيارات، أم ستتدخل الديبلوماسية الفرنسية في الوقت المناسب وتنقذ التايتنيك من الغرق، على حدّ وصف جان إيف لودريان، وزير الخارجية الفرنسي؟
بارقة أمل تلوح بالأفق على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرّح أنه ينسّق مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني والوضع في لبنان، بحسب ما أفادت وكالة رويترز. وفي سياق متّصل، أوضح البيت الأبيض، أنّ الرئيسين جو بايدن وماكرون بحثا العلاقات الثنائية والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
بقراءة هادئة لمجريات الأمور، ستكون سياسة الرئيس بايدن أكثر واقعية وتعاوناً مع حلفاء الأمس، وسيقدم على تنازلات لحلفائه الغربيين، ويعيد بناء ما هدمته السياسة الترامبية المتهورة معهم. لقد صرّح بايدن في أكثر من مناسبة، أنه في صدد العودة إلى الدور الريادي لأميركا في منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، وإعادة اللحمة مع حلف شمال الأطلسي، وغيرها من القرارات التي توضح عودة الدور الأميركي إلى الساحة العالمية، التي كان الرئيس ترامب قد انسحب منها.
لا شكّ أنّ الملف اللبناني مرتبط بالتفاوض الإيراني، فورقة التفاوض بيد الرئيس الفرنسي، وبتنسيق تام مع الأميركي والإسرائيلي، للوصول إلى حلّ قد لا يكون بالضرورة متلائمًا مع طموحات بعض الأفرقاء اللبنانيين، ولكنه سيكون باب الخلاص لإنقاذ البلد، وعودة الثقة إليه غربيًا وعربيًا. فهل الحلّ سيكون على الطريقة الماكرونية هذه المرة، وسترتدّ هذه المساعي إيجابًا على سياسة فرنسا الخارجية، وتكون جرعة دعم في الرأي العام الفرنسي، ونرى ماكرون يُنتخب مجدّدًا لرئاسة ثانية، بعدما فشلت الترامبية في ذلك؟
بالعودة إلى أول زيارة قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى بيروت، في 6 آب 2020، بعد انفجار المرفأ، فقد كان اللافت فيها تعاطيه مع حزب الله بكلّ مسؤولية وواقعية، وذلك في جلسته الإنفرادية مع النائب محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية. وعلى ما يبدو، فالسياسية الأميركية الجديدة، ستعتمد الواقعية ذاتها، إذ اعتبر مسؤول في الرئاسة الفرنسية، أنّ واشنطن تحتاج إلى اتّباع منهج أكثر واقعية في التعامل مع حزب الله اللبناني، للمساعدة في الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان.
الواقعية الأميركية ستطغى على مختلف الملفات الدولية، إذ تدرك إدارة بايدن مدى التحدي الجدي لصعود كل من الصين وروسيا كقوى صاعدة على حساب قوتها القائمة في قيادة العالم. كما وتدرك إدارة بايدن جيدًا ضرورة محاربة صعود اليمين المتطرف في الدول الغربية، فاقتحام الكونغرس الأميركي من قبل التطرف اليميني المدعوم من الرئيس ترامب نموذج يؤرق الديمقراطيين ليس فقط في أميركا، بل في شريكها الأوروبي أيضًا.
لذا، يعتبر بايدن بدعمه ماكرون محاولة لمنع وصول اليمين المتطرف الفرنسي، بقيادة ماري لوبان في الإنتخابات الفرنسية التي ستجري في عام 2022. كما وإن الاحتجاجات التي تشهدها الدنمارك تحت إسم "رجال بالأسود"، تثير القلق من تشكيل نواة صلبة من اليمين المتطرف، التي قد تنتشر في مختلف الدول الأوروبية، الأمر الذي يعقّد سياسة بايدن الخارجية التي يستند فيها على حلفائه الأوروبيين.
صحيح أنّ الإدارة الأميركية متوجسة من صعود خصومها، ولكنها لن تترك المحاولة الفرنسية تدخل الساحة اللبنانية وحدها، بل تحرص على التنسيق التام معها. إذ تشير المعلومات أنّ واشنطن تعتزم إرسال موفد أميركي رئاسي إلى لبنان، مؤكدة أنّ جولة السفيرة الأميركية دوروثي شيا الأخيرة إلى بعبدا وعين التينة تأتي في إطار التمهيد وجمع المعلومات قبل وصول موفد بلادها.
هذا الدور الأميركي الساعي لإبصار المبادرة الفرنسية النور، مشروط بتجاوب حزب الله، حول تنامي قدراته الصاروخية ودوره في الساحة الإقليمية. لذا كشف الرئيس الفرنسي ماكرون أنّ خارطة الطريق الفرنسية لا تزال مطروحة على الطاولة وأنّه يعتزم القيام بزيارة ثالثة إلى لبنان، مشدّدًا على أن لا أمل بقيام لبنان، إلا بتشكيل حكومة إنقاذ. فهل ستنجح الماكرونية في ذلك؟
 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/3/2025 12:22:00 PM
لا بد من تفكيك شبكات التمكين الإسلامية داخل الجيش السوداني، وعزل قادته الموالين للإخوان... فهذا شرط أساسي لأي دعم دولي لعملية السلام.
المشرق-العربي 12/3/2025 12:18:00 PM
ياكواف كاتس، وهو أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذه الأسئلة في مقال له، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
المشرق-العربي 12/3/2025 2:17:00 AM
يطالب القرار إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان
اقتصاد وأعمال 12/4/2025 3:38:00 PM
تشير مصادر مصرفية لـ"النهار"  إلى أن "مصرف لبنان أصدر التعميم يوم الجمعة الماضي، تلته عطلة زيارة البابا لاون الرابع عشر الى لبنان، ما أخر إنجاز فتح الحسابات للمستفيدين من التعميمين