الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

في عدم قانونية استمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة... دراسة لمحامين: لا يجوز المساس بالاحتياط الإلزامي

المصدر: "النهار"
تحرّك للمودعين أمام مصرف لبنان في الحمراء (نبيل إسماعيل).
تحرّك للمودعين أمام مصرف لبنان في الحمراء (نبيل إسماعيل).
A+ A-
أعد المحامون نصري انطوان دياب وسليم معوشي وعبده غصوب ورمزي هيكل وهادي خليفة وموسى خوري واسعد نجم وملحم خلف (النقيب السابق) دراسة قانونية عن عدم قانونية استمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة، خصوصاً أنه لا يصحّ لأيّ مصرف، تحت طائلة المسؤولية تجاه الغير، تأمين تمويل لمدين متعثر أو في حالة توقّف عن الدفع، كما هي حال الدولة اللبنانية. "النهار" تنشر ملخّصاً لها.
------------------------------------------------
في وقت يتزايد فيه الكلام عن سلفات إضافية تنوي الحكومة طلبها من مصرف لبنان لتمويل عجز مختلف الادارات العامة، وفي وقت أصبح من المعلوم ان أي تمويل قد يمنحه مصرف لبنان للدولة سيتأتى من توظيفات المصارف الالزامية (ما يُعرف بالاحتياط الالزامي) المكوّنة لديه، وفي وقت أعلنت فيه الدولة توقفها عن الدفع منذ حوالي سنتين، يهمّنا توضيح ما يلي:

أولاً. لا وجود لأي إلزام على مصرف لبنان بتمويل الدولة

1- مصرف لبنان ليس ملزماً تمويل الدولة، لا بل ان المبدأ المكرّس في المادة 90 من قانون النقد والتسليف هو نقيض ذلك تماماً: "... المبدأ ان لا يمنح المصرف المركزي قروضاً للقطاع العام". والاستثناء الذي وضعته المادة 91 جاء محصوراً ومشروطاً بحيث ان اي تمويل خارج إطار المادة 90 يشكل مخالفة من قبل مصرف لبنان لاحكام القانون. وقد نصّت المادة 91 على ما يلي:

" الاّ انه، في الظروف الاستثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، اذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، تحيط حاكم المصرف علماً بذلك.

يدرس المصرف مع الحكومة امكانية استبدال مساعدته بوسائل اخرى، كاصدار قرض داخلي او عقد قرض خارجي او اجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الاخرى او ايجاد موارد ضرائب جديدة الخ...

وفقط في الحالة التي يثبت فيها انه لا يوجد اي حل آخر، واذا ما أصرّت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي ان يمنح القرض المطلوب.

حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، ان لزم الامر، التدابير التي من شأنها الحد مما قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيئة وخاصة الحد من تأثيره، في الوضع الذي اعطي فيه، على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية".

2- في قراءة المادة 91 يظهر جلياً انه، حتى في " الظروف إستثنائية الخطورة"، ليس مصرف لبنان ملزماً بتمويل الدولة، بل "يمكنه" القيام بذلك. فهذا اذاً حق (خيار) ممنوح له وليس موجباً مفروضاً عليه. الى ذلك، فان ممارسة هذا الحق من قبل مصرف لبنان ليست حرّة واستنسابية، بل هي مشروطة ومقيّدة (Liée)؛ فلا يمكنه ممارسة هذا الحق (بشكل حرّ واستنسابي) الاّ اذا توافرت كل الشروط الاتية مجتمعةً: (أ) يتوجب على الدولة ان تحيط مصرف لبنان بارادتها الاستقراض منه؛ (ب) ويتوجب على مصرف لبنان ان يدرس مع الحكومة إمكانية استبدال هذا التمويل بوسائل أخرى مصدرها من خارج مصرف لبنان؛ (ج) ويتوجب على مصرف لبنان ان يتأكد ويثبّت انه لا يوجد حل أخر؛ (د) ويتوجب على الحكومة ان تعبّر عن اصرارها على طلب التمويل.

2- ليست هذه الشروط شكلية بل هي موضوعية، بمعنى ان مصرف لبنان لا يسعه ممارسة حقه بالتمويل الاستثنائي الاّ اذا ثبّت ووثّق وجود ظروف استثنائية الخطورة أو حالة الضرورة القصوى؛ واذا ثبّت إستلامه كتاباً موجّهاً اليه من الحكومة تعبّر فيه عن ارادتها بالاستقراض؛ واذا وثّق وثبّت قيامه بدراسات مشتركة مع الحكومة للبحث عن مصادر تمويل اخرى، من قروض داخلية وخارجية وإجراء توفير في النفقات وايجاد ضرائب جديدة؛ واذا أخيراً وصَله قرار خطي من الحكومة بالاصرار على طلب التمويل. فلكي يتسنى للمراجع المختصة، قضائية كانت او غيرها، مراقبة حسن تطبيق المادة 91 من قانون النقد والتسليف من قبل مصرف لبنان، يتوجب اذاً على الأخير إثبات توافر كافة الشروط المنوّه عنها مجتمعةً بموجب كتب رسمية وتقارير وابحاث خطية، كلّها مفصّلة ومعلّلة وعلمية كي لا تكون مجرّد معاملات شكلية وسطحية.

3- وفي حال توافرت كل هذه الشروط مجتمعةً، وفي حال قرر مصرف لبنان ممارسة حقه بالتمويل الاستثنائي، يتوجب عليه عندئذٍ ان يقترح على الحكومة، " اذا لزم الامر" (وفي الحالة الاقتصادية الراهنة، فان الامر بكل تأكيد يصبح ملزماً) التدابير التي من شأنها الحدّ مما قد يكون لتمويله من عواقب اقتصادية سيئة على قوة النقد الشرائية الداخلية والخارجية. وهذا الشرط موضوعي وليس شكلي، ويجب على مصرف لبنان اثبات قيامه بوضع اقتراحات خطيّة مفصّلة وعلمية.

4- ختاماً، فان تمويل الدولة من قبل مصرف لبنان ممنوع؛ واذا حصل هذا التمويل بشكل استثنائي (على ان لا يصبح الاستثناء هو القاعدة) وارادي، فيكون في إطار مضبوط وموثّق، والاّ يكون مصرف لبنان قد خالف أحكام قانون النقد والتسليف.

ثانياً. مصرف لبنان هو مصرف القطاع العام، وهذا الأخير متعثر:

1- تنص المادة 85 من قانون النقد والتسليف على ان مصرف لبنان هو "مصرف القطاع العام".

2- لا يصحّ لاي مصرف، تحت طائلة المسؤولية تجاه الغير، تأمين تمويل لمدين متعثر او في حالة توقف عن الدفع.

3- في آذار 2020، أعلنت الدولة اللبنانية توقفها عن الدفع باتخاذها قرار التمنع عن تسديد اليوروبوند. وقبل ذلك، كان القطاع العام ولا يزال متوقفاً عن تسديد عدد كبير من الديون المستحقة بذمته لمختلف دائنيه من القطاع الخاص من مستشفيات ومتعهدين ومستملك بوجههم وغيرهم.

4- ان قيام مصرف لبنان بمنح اي تمويل جديد للدولة وللقطاع العام يشكل تمويل المدين المتوقف عن الدفع، ويرتب مسؤولية عليه تجاه الغير خاصة منهم ودون الحصر كل من أودع لديه أموالاً في القطاع المصرفي، خاصة وان مصرف لبنان مؤتمن على " المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي" كما جاء في البند الثالث من المادة 70 من قانون النقد والتسليف.

ثالثاً. ان الدولة مسؤولة عن الخسارة التي يحققها مصرف لبنان:

1- عملاً باحكام البند الرابع من المادة 113 من قانون النقد والتسليف، فان الدولة مسؤولة بالمال عن خسائر مصرف لبنان، بحيث ان اذا كانت نتيجة سنة المصرف المالية عجزاً، يتوجب على الدولة تغطيتها من الخزينة العامة في حال غياب او عدم كفاية الاحتياط العام.

2- لا يمكن لمصرف لبنان وللدولة تطبيق أحكام المادة 91 وبالموازاة عدم تطبيق أحكام المادة 113. فاما ان تُطَبّق المادتان معاً او لا تُطبّق اي منهما، خاصة وان المادة 113 تُنشِئ موجباً على عاتق الدولة في حين ان المادة 91 لا تنشئ سوى حقاً (خياراً) لمصرف لبنان. وتكون مسؤولية مصرف لبنان مضاعفة اذا مارس حقه بتمويل الدولة عملاً باحكام المادة 91 في وقت لم يحصل من الدولة على تغطية خسارته عملاً باحكام المادة 113.

رابعاً. لا يحق لمصرف لبنان المسّ بالاحتياط الالزامي سوى للغاية التي وُجِدَ من أجله:

1- في بيان صادر في 1/4/2021 عن نقيب المحامين في بيروت (السابق) في مسألة تمويل القطاع العام من أموال المودعين، تمّ تفنيد الكتابين الموجّهين الى مصرف لبنان وجمعية المصارف لوضعهما امام مسؤوليتهما في ما يخص استعمال الاموال المودعة من قبل المصارف لدى مصرف لبنان (وهي بالنتيجة أموال المودعين) لتمويل القطاع العام.

2- وقد استجابت جمعية المصارف في اليوم عينه بارسالها كتاباً الى حاكم مصرف لبنان (تاريخ 1/4/2021) نُشر في الاعلام، ذكّرته بموجبه ان الاموال التي تؤلف الاحتياط الالزامي هي أموال أُلزمت المصارف بايداعها لدى مصرف لبنان بهدف محدّد، وهي تشكل ايداعات ذات تخصيص محدّد لا يمكن استعمالها سوى للغاية المُعدّة لها حصراً، ولا يحق بالتالي لمصرف لبنان استعماله لتمويل القطاع العام (خاصة عن طريق الدعم).

3- كما واستجاب مصرف لبنان، بارساله في 9/4/2021 كتاباً الى وزير المال نُشر ايضاً، أشار فيه الى كتاب نقابة المحامين في بيروت واستعاد في نصّه مقطعاً كاملاً من الكتاب المذكور، وأشار الى تحميل مصرف لبنان مسؤوليات قانونية وقضائية ما يهدد إمكانية استمرار مصرف لبنان بالتعاون مع طلبات الحكومة (التمويلية).

4- من المؤكد ان الاموال التي فرض مصرف لبنان على المصارف ايداعها لديه كتوظيفات الزامية (احتياط الزامي) بموجب القرار الاساسي رقم 7926 تاريخ 20/9/2001 المبني على المواد 76 و77 و174 من قانون النقد والتسليف لا يمكن وصفها بالودائع العادية التي اودعتها المصارف طوعاً، ولا تنطبق بالتالي عليها احكام قانون التجارة واحكام قانون الموجبات والعقود التي تنطبق على ودائع المصارف "العادية" لدى مصرف لبنان عندما يتمّ التعامل بينها بشكل طوعي وتعاقدي دون استعمال مصرف لبنان لسلطته الآمرة، وعندها يعتبر تاجراً عملاً باحكام المادة 13 من قانون النقد والتسليف. تكون التوظيفات الالزامية مرتبطة بالغاية التي من اجلها فرض مصرف لبنان على المصارف القيام بها، وهذه الغايةليست بكل تأكيد تمويل القطاع العام. فلم توظف المصارف اموال المودعين إلزامياً لدى مصرف لبنان كي يستعمل هذا الاخير هذه التوظيفات (الاحتياط الالزامي) لتمويل الدولة والقطاع العام.

5- لا يمكن لمصرف لبنان استعمال اي مبلغ من الاحتياط الالزامي (وطبعاً اي مبلغ من ما تبقى له من أموال تفوق الاحتياط الالزامي) لتمويل الدولة باي شكل من الاشكال: قروض، سلفات، دعم، وغيرهم.

لكل هذه الاسباب، فانه من الثابت ان مصرف لبنان غير ملزم تمويل الدولة خاصة في وضعها المتعثر الحاضر؛ وانه على العكس يتوجب على الدولة تمويل مصرف لبنان بتغطية خسائره؛ وانه في كل الاحوال لا يحق لمصرف لبنان المساس بالاحتياط الالزامي لتمويل الدولة باي شكل من الاشكال بغض النظر عن الوضع المتعثر للدولة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم