الثلاثاء - 21 أيار 2024

إعلان

الإصلاح الاقتصادي في لبنان: إمكانياته ومساره

المصدر: "النهار"
Bookmark
تعبيرية (تصوير حسام شبارو).
تعبيرية (تصوير حسام شبارو).
A+ A-
الدكتور سعادة الشامي*في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان وفي ضوء العمل على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متكامل، يتساءل البعض إن كان الإصلاح المطلوب لا يزال ممكناً من داخل المؤسسات الحالية والنظام القائم وخاصة بعد التعثر الحاصل في إقرار القوانين والإجراءات التي تساعد على إنقاذ البلد من محنته. إنّ هذا لسؤال صعب ومركّب نظراً للتركيبة اللبنانية وتعقيداتها ولكنّه مشروع في الوقت نفسه وخاصة بعد أن خبرتُ عن كثب، ومن موقع مسؤوليتي كمكلّف بتحضير برنامج تصحيح اقتصادي ومالي، وكرئيس للفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي على هذا البرنامج، العوائق والصعوبات التي تؤخر تطبيق الإجراءات اللازمة للبدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. قبل محاولة الإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ لنا أن نطرح سؤالاً آخر: ما هي عادةً السبل المتاحة لإحداث تغيير جذري في بلد يعاني من أزمات عميقة أكانت اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية؟ بمعنى آخر، ما المسار الأفضل للإصلاح الاقتصادي؟ هناك جدلية كبرى حول هذا الموضوع ولا سيّما في الدول التي كانت بأمسّ الحاجة لإجراء تحوّل اقتصادي كبير، كالدول التي تحوّلت من النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية ووسط آسيا إلى النظام الاقتصادي الليبرالي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات، والتي وُضعت في إطار "العلاج بالصدمة" (shock therapy) أو "العلاج التدريجي" .(gradual approach) لا جواب نهائياً عن هذا السؤال، فالتجارب لم تثبت بشكل قاطع أفضلية أو تفوّق أي من هذين المسارين وإن كانت كفة "العلاج بالصدمة" في المجال الاقتصادي راجحة. لكن يبقى ترجيح أحد المسارين على الآخر رهناً بعدة أمور ومنها حجم الاختلالات والتشوّهات الموجودة وحدّتها من جهة، والنظام السياسي وسهولة اتخاذ القرار من جهة أخرى، وكذلك نوعية المؤسسات والإدارة وفعاليتها في تنفيذ القرارات المتخذة ضمن الخطة المتبعة، كما مدى استعداد هذه المؤسسات وقدرتها على الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات. أمّا اعتماد عملية الإصلاح بالتدرج، فهو قد يؤدي، عموماً، الى إطالة فترة المعاناة والركود الاقتصادي في بلد متنوّع ومنقسم حيث يعود القرار لكتل وأحزاب سياسية متناقضة في نظرتها إلى المسائل الاقتصادية، كما يمكن أن يؤخر الإصلاح، لأنه سيصطدم عند كل منعطف او انتقال إلى مرحلة أخرى، بصعوبات جمّة، وسيتطلب وقتاً طويلاً للاتفاق على الخطوات اللاحقة. في هذا الحالة تصبح إمكانية حصول انعكاس في الإنجازات المحققة (policy reversal) أكثر احتمالاً. وإن كان الاقتصاد يعاني من اختلالات كبيرة على الصعيد الماكرو اقتصادي سواء في المالية العامة والسياسة النقدية، أو في ميزان المدفوعات وسعر الصرف وغيرها، فربّما من الأفضل أن يكون العلاج سريعاً لإحداث تغيير جذري وفوري لإقناع المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة بجدية القرارات الاقتصادية، ممّا يؤثر على توقعاتهم التي تنعكس بدورها على القيام بالخطوات اللاحقة. في حال فقدان الثقة بين الشعب وصانعي القرار فإنّ الأفضلية تكون للإصلاح السريع لأنه يضيف نوعاً من المصداقية على عمل السلطات. هذا العلاج السريع أو "العلاج بالصدمة" قد لا يشكّل المسار المناسب إن كانت قدرة المؤسسات المكلفة بالإصلاح ضعيفة، نظراً للقدرة الاستيعابية المحدودة التي تقيّد القيام بتدابير سريعة وفعالة وتفرض تباعداً في تنفيذ الإصلاحات لتسهيل تنفيذها. ثمة عنصر آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو نوع النظام الموجود ومدى إمكانية الوصول إلى اتفاق على السير بسياسات اقتصادية قد تكون موجعة، بالإضافة إلى ذلك، إنّ مدى تأثر صانعي القرار بردود الفعل الشعبية من جراء السياسات الاقتصادية المتخذة وإمكانية محاسبة الرأي العام لممثليه في الانتخابات المقبلة على أساس هذه السياسات، ينعكس حتماً على قابلية السلطة السياسية...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم