الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الاتفاق مع صندوق النقد رهن تنفيذ التوصيات قبل أيّ موافقة لمجلس الوزراء

المصدر: "النهار"
صرخة مواطن لبنانيّ (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
صرخة مواطن لبنانيّ (تعبيرية- نبيل إسماعيل).
A+ A-
‎رولى راشد
 
عام 2020، خاضت الحكومة السابقة مفاوضات مع الصندوق توّقفت بعدما اختلف الجانب اللبناني على تقدير حجم الخسائر. وفي نهاية عام 2021، اتفق المفاوضون اللبنانيون أخيراً على تقدير حجم الخسائر بـ69 مليار دولار. أما في عام 2022، فالسؤال يرتبط بمصير هذه المفاوضات، وبالتالي بأيّ اتفاق سيتم التوصّل إليه في ضوء التعطيل الوزاري المنسحب من العام الماضي.
 
‎يقول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "إنه لا يمكن توحيد سعر الصرف بمعزل عن استقرار سياسي وقبل اتفاق مع صندوق النقد الدولي".
‎معركة الإنقاذ مرتبطة بهذا الصندوق الذي بدوره سيشرّع باب المساعدات الى لبنان من قبل الدول المانحة، بعد إرساء الثقة به كدولة مستقلة، خالية من الفساد وقادرة على الإيفاء بالتزاماتها.
 
‎لم يخف مسؤولو الصندوق يوماً شروطهم قبل التحرّك لأيّ مساعدة يطلبها أيّ بلد. ومن الواضح أن لبنان لن يستطيع تفصيل ما يريد منها على قياس ومفهوم السلطة المدجّنة بالمواقف المتناقضة.
 
‎برغم التطمينات على مسار هذه المحادثات التي يحاول البعض التبشير بها، هناك عوائق لا يُستهان بها ولا يمكن التنازل عنها، من المفترض معالجتها بالتزامن مع لمّ شمل الحكومة، فما هي؟
 
‎وما الأولويات في أيّ برنامج تمويلي مع الصندوق؟
 
‎راشد
‎رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد يشير الى "أن دور الصندوق هو تقديم المساعدة المالية والتقنية، وليس أخذ دور الدولة في عملية إنجاز الإصلاح، كما يحثّ الدولة على الالتزام بالاتفاقية إذا تمّت، مع تشجيع المؤسسات الدولية الاخرى، والجهات المانحة على مدّ يد العون إذا لمس الجدّية اللازمة لمعالجة الأزمة. وهذا غير متوقع قبل عودة الحكومة للالتئام وإبداء قدرتها جليّةً على تنفيذ الإصلاحات. وهذا يواجه عدّة عقبات، أذكر أهمّها:
 
‎‒ لقد نقل الإعلام والحكومة أنه تم التوافق بين الدولة وصندوق النقد على تقدير الخسائر الناتجة عن الأزمة، ولكن لم يتضح كيف تمّ تحديد هذه الخسائر. وكما هو معروف، لم تشارك المصارف ولا المودعون في احتساب هذه الخسائر. فلا بدّ من وجود اختلافات عدّة بين تقدير الحكومة من جهة، والقطاعات الخاصّة.
‎من جهة أخرى، قُدّرت هذه الخسائر بـ69 مليار دولار. ولم يُتّفق بعد على توزيعها بين الدولة (الحكومة ومصرف لبنان) والمصارف والمودعين. قد يشكّل هذا الوضع عائقاً أمام التنفيذ، خصوصاً إذا ما اعتبرت الحكومة أن المودع شريك أساسي في الأزمة، بينما المودعون يرفضون هذا الموقف ويضعون اللوم على الدولة في الوصول الى هذا المأزق.
 
‎‒ لقد تحمّل المودع معظم الخسائر لحينه، فقد خسر ما يفوق 85% من قيمة سحوباته من ودائعه بالدولار وأيضاً 95% من القوّة الشرائية لودائعه بالليرة.
‎في الواقع، إن الدائن يخسر خلال الأزمات المالية، أما المدين فيربح، كما هي حال الدولة التي خُفضت قيمة ديونها الحقيقية بالليرة بـ97% ‒ من نحو ما يوازي 68 مليار دولار الى نحو 3 مليارات دولار.
 
‎‒ إن تحميل المودع المزيد من الخسائر دونه عقد دستورية وقانونية (خصوصاً في القضاء الدولي)، حتى لو وقف صندوق النقد الى جانب الدولة. معظم الأفكار المطروحة تواجه رفضاً قوياً من المودعين: كاسترداد الفوائد، تحويل الودائع بالدولار الى الليرة، إعادة تحويل الودائع التي حُوّلت الى الدولار الى الليرة مجدّداً (دون معرفة أصل الوديعة)، تطبيق "هيركات" مباشر على الودائع، وتحويل جزء من الودائع الى أصول في المصارف، إضافة الى الغموض حول مصير خسائر الودائع بالليرة.
‎على الدولة اتخاذ موقف مغاير نحو المودع وإيجاد خطة شاملة للتعويض عن خسائره التي لا تقلّ عن 40 مليار دولار، إضافة الى الخسائر الأخرى للقطاع الخاص بدءاً من البطالة، وتوقّف الأعمال بدلاً من تحميله تكلفة إضافية. من الصعب استعادة الثقة بدون المعالجة العادلة لهذه الخسائر".
 
العوائق
‎ويقول راشد: "هناك أمور أخرى قد تعوق التوصّل الى اتفاق مع الصندوق، ولا سيّما منها:
 
‎‒ الاتفاق على توحيد وتحرير سعر الصرف وتطبيقه على جميع المعاملات بما فيها الجمارك وضريبة القيمة المضافة، التي في الأغلب ستكون شرطاً استباقياً للصندوق.
 
‎‒ إصلاح المالية العامة، ومنها القبول أو عدمه بموازنة 2022 التي هي في طور الإعداد. وقد يكون الخلاف على شمولية الموازنة، وإعادة هيكلة الضرائب، ورسوم القطاع العام. كما قد يكون الخلاف كبيراً على الأجور والرواتب والتقديمات السخيّة الى القطاع العام، معالجة الهدر المرتفع في هذا القطاع، خصوصاً بعد اتباع سياسة توظيفية عشوائية. وقد تواجه المشاورات خلافات في الرأي على أسلوب الدعم غير الموجّه وحجمه، إضافة الى إصلاح إدارات القطاع العام التي أدّت الى إفلاس الدولة. وسيستحوذ قطاع الطاقة على حيّز كبير من اهتمام الصندوق، فهل تستطيع الدولة إصلاحه؟
 
‎‒ ثمّة مسائل شائكة أخرى مثل إعادة جدولة الدين العام بالليرة وبالدولار، ومن يتحمّل الخسائر مرّة ثانية.
 
‎‒ إصرار الصندوق على معرفة مصير "الكابيتال كونترول"، مع الشكّ في توصّل مجلس النواب الى قانون يشجّع على تدفق رؤوس الأموال ثانية الى الاقتصاد اللبناني.
 
‎‒ يضاف الى ذلك نتائج مسار التدقيق الجنائي التي بقيت غامضة. كما سيشكّل موضوع إعادة هيكلة المصارف حيّزاً هاماً من المحادثات".
 
‎وتساءل راشد: "في ضوء هذه المعطيات، وعدم قدرة الحكومة على الاجتماع، ما هي فرص التوصّل الى اتفاق مع الصندوق في القريب العاجل؟
 
‎بالطبع يبدو أن إنجاز هذه المهمة بعيد المنال، وأغلب الظن أن اللجنة المكلّفة بالتشاور على يقين تام بالأمر الواقع، ولكن على السياسيين القبول به وعدم إغداق الوعود على المواطن".                  
 
شيخاني
‎من جهته، يقول الخبير المالي والمصرفي الدكتور نقولا شيخاني "عادة تأخذ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بعض الوقت بين الـ4 أشهر والسنة أو معدّل 6 أشهر، هذا إذا سارت الأمور كما يجب في الاتجاه الصحيح".
 
‎ويقول لـ"النهار": "تكمن المشكلة في لبنان في أن الصندوق طلب إقرار قانون "الكابيتال كونترول"، وليس صحيحاً أن هذا القانون يحدّ من خروج الأموال من لبنان، ولكن من شأنه السيطرة على الكتلة النقدية، ويضمن بالتالي عدم السماح بخروج أموال الصندوق التي ستُرصد للبنان الى الخارج.
 
‎ومن أبرز شروط الصندوق:
‎1‒ تطبيق قانون "الكابيتال كونترول" بسرعة، علماً بأن اليونان اعتمدته خلال أسبوع من نشوء الأزمة، وفي قبرص خلال 24 ساعة. نحن نتحدّث عنه منذ سنتين دون العمل الجدّي لإقراره.
 
‎2‒ تعديل تعرفة الكهرباء وإنشاء الهيئة الناظمة بما يتيح وضع وتنقيذ ومتابعة استراتيجية الكهرباء الطويلة المدى بعيداً عن وزارة الطاقة، إذا تقرّر التمويل الخارجي والداخلي.
 
‎3‒ توحيد سعر الصرف.
 
‎4‒ إعادة هيكلة الدين العام الداخلي والخارجي المرتبط بسندات الخزينة وسندات اليوروبوندز.
 
‎5‒ إعادة هيكلة القطاع المصرفي ولا سيما أنه مع ضخّ الأموال يجب أن يكون القطاع سليماً.
 
‎6‒ إعادة هيكلة مرافق الدولة والنظر في فائض التوظيفات العشوائية مع وصول العجز السنوي الى حدود 5 مليارات دولار، وهذا ليس بالأمر السهل مع فتح معركة الانتخابات النيابية.
 
‎هناك بنود أخرى، ولكن التي ذكرناها تُعدّ أساسية، وبدون تنفيذها لن يحصل لبنان على أيّ أموال. لدى الصندوق خبرة طويلة وجيّدة في الكثير من البلدان، وهو يعرف كيف تسير الأمور والنهج المتّبع في كلّ منها. من هنا، لن ينجح المسؤولون في تمرير ما يريدون بعدما حاولوا ذلك في السابق بدون جدوى.
 
‎وإذا توّصلت لجنة التفاوض معه الى اتفاق، فلن يحصل على توقيع مجلس الوزراء".
 
‎ويرى شيخاني "أن تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء ليس فقط احتجاجاً على المسار القضائي في قضيّة مرفأ بيروت، بل الهدف منه منع دخول صندوق النقد الى لبنان".
 
‎ويقول: "إذا افترضنا أن الصندوق قرّر تمويل لبنان، فالحدّ الأقصى للمبلغ سيكون بين 5 و6 مليارات دولار على مدّة 4 أو 5 سنوات، وفي المقابل، يجب أن لا ننسى أن مصرف لبنان صرف مبلغ 17 مليار دولار خلال سنتين تقريباً على دعم عمليات الهدر والسرقة والتهريب.
 
‎وبالتالي، يجب معرفة أن هناك شقين في التعامل مع الصندوق:
 
‎أولاً: شق يتعلّق بالسحوبات الخاصّة CDR التي تمّ تسديدها. من حق لبنان الحصول عليها بدون شروط مسبقة صحيح، مع تمنّي عدم التركيز على استعمالها في البطاقة التمويلية، ولكن للتشجيع على صرفها في إعادة هيكلة ميزان المدفوعات، ومساعدة الشركات الصغيرة على التصدير مثلاً الى جانب كل ما يسهّل حركة إدخال الدولار الى السوق. ومن المعروف اليوم أن كمّية الدولارات التي تذهب الى الخارج تفوق ما يدخل منها، والعجز يلامس 7 مليارات دولار تُصرف على الاستيراد.
 
‎ثانياً: قرض الـ5 مليارات دولار تواكبه شروط وعليه فوائد. لقد ذكرنا سابقاً الشروط. وكنّا بغنى عنه لو لم يصرف مبلغ الـ17 مليار دولار على الدعم وهو مبلغ يوازي الناتج المحلي، كان من المفترض استعماله في إعادة بناء الاقتصاد من جديد.
 
‎وإذا ساعدنا الصندوق، فالأولوية ستكون لإعداد خطة للكهرباء، خصوصاً أنه بدونها وبدون شبكة اتصالات وإنترنت متطوّرة لا وجود لأيّ اقتصاد. إنقاذ هذين المرفقين بعد إنشاء الهيئات الناظمة المستقلة لهما يسهّل جذب الاستثمارات، طبعاً الى جانب تنقية القطاع المصرفي".
 
‎قبل بدء المحادثات قدّم الصندوق التوصيات التي لم يأخذ بها لبنان طيلة المرحلة السابقة، واليوم التشنّج السياسي يفرمل مسار المفاوضات منعاً للتوصّل إلى أيّ اتفاق. فهل تنسحب عودة الثنائي الى طاولة مجلس الوزراء على تسريع وتيرة التفاوض مع صندوق النقد؟
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم