الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المجمعات التجارية ترفع الصوت... "نرفض موتنا"

المصدر: "النهار"
فرح نصور
مصير مجهول. (من احتجاج اليوم، تصوير حسام شبارو).
مصير مجهول. (من احتجاج اليوم، تصوير حسام شبارو).
A+ A-
لم يكن ينقص الوضع الاقتصادي المنهار سوى انتشار كورونا. وفي وقتٍ أُجبِرت الناس على ملازمة منازلها قدر الإمكان للتقليل من الاختلاط، هناك حاجة ماسة إلى هذا الاختلاط لديمومة العمل وتحريك العجلة الاقتصادية في ظل اقتصادٍ انهارت الليرة فيه. وضعٌ دفع بتجار بيروت وموظفي المجمعات التجارية إلى القيام بوقفة احتجاجية رفضاً لقرار إقفالها بسبب كورونا، فالوضع لم يعد يحتمل. وكان لـ "النهار"، حديث خاص مع أصحاب وممثلي المجمّعات التجارية وبعض تجار بيروت.

"لا يمكن إغلاق المحلات بعد اليوم، فإذا ما أُغلِقَت سيتوقّف تسديد مرتّبات الموظفين. كنّا قد أغلقنا محلاتنا لأنّ الدولار ارتفع من 5000 إلى 10000 ليرة، ما سبّب خسائر جمّة لنا وللمحلات الأخرى أيضاً"، بحسب ما يفيد صاحب شركة "Mike sport" للألبسة الرياضية، سمير صليبا.
 
لا تغلق الشركة محلاتها بسبب كورونا لأنّها تدرك تماماً كيف تتعايش معه عبر اتخاذها جميع إجراءات الوقاية على مستوى موظفيها وزبائنها، وقد تم التدقيق بهذه الإجراءات وتبين أنّ 92 % من المحلات تلتزم بها. لكن الاستمرار بهذه الطريقة من إصدار قرارات للإغلاق بسبب كورونا غير مقبول وفق صليبا، "نحن نقوم بواجباتنا، والقرارات الغبيّة من فتح منطقة وإغلاق أخرى يجب أن تتوقّف".
حجم الاقتصاد يتأثّر بأكثر من 100 سرير في مستشفى، فثمن هذه الأسرّة بين مليون ومليون ونصف دولار، لكنّ "الخسارة الاقتصادية إذا ما أُغلِقت المحال التجارية أكثر من ذلك بكثير، ومرتبات موظفينا أكثر من ذلك بكثير، وهم خط أحمر وممنوع المساس بكرامتهم ولقمة عيشهم".
 
 
تصوير حسام شبارو.
 
عدد التجار في لبنان كبير جداً، و"لا يمكن التعاطي معهم بهذه الطريقة"، ويشرح صليبا أنّه خسر في شهر حزيران فقط 700 ألف دولار جراء ارتفاع الدولار من 5000 إلى 10000 ليرة، وحتى الآن تفوق خسارته الثلاثة ملايين دولار، ويضيف أنّ الدولة كلّفت البلد خسارة مخيفة بسبب خلافات غامضة في ما بينهم، و"عيب بسبب مليون ومليوني دولار، أن يتوقّف اقتصاد بلدٍ مهترئ أساساً". 
 
"خسارتنا كبيرة جداً، نحن نذوب ولا يمكن أن نستمرّ"، وفق تعبير صليبا، وقد يستمرّ من ستة أشهر إلى سنة كحدٍّ أقصى في حال لم يقفل محلاته، أمّا إذا أقفلها فسيستمرّ لشهرين ويغلق بعدها أبوابها، إذ سبق له أن أغلق حتى الآن ثمانية فروع من محلاته وبقي 15، وإذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فسيغلق خمسة إضافية خلال شهرين أو ثلاثة.
 
ويطلق صرخته قائلاً: "فليفهموا، الموضوع ليس تحدّياً، الموضوع كيف علينا أن نستمرّ، فليجتمعوا بنا ويعطونا حلّاً منطقياً لنسير به، وكيف سيعيش الموظف؟ من المعيب الحديث عن قيمة المرتبات إذ مَن كان يتقاضى مليون ونصف المليون ليرة ما يعادل 1000 دولار سابقاً، أصبح مرتّبه يساوي 200 دولار! كيف سيعيش ويؤمّن مستقبله ويدفع أقساط مدارس أولاده؟ وكم هو عدد الشباب الذين هاجروا؟  لكن من الصعب أن يدفعونا إلى الهجرة، هم سيذهبون ونحن باقون".
 
 
تصوير حسام شبارو.
 
من جهته، محامي شركة "ABC" وحيد عون، صرّح أنّهم مسؤولون عن آلاف العائلات، ولا يمكن الخروج بقرارات يومية متباينة بين فتح وإغلاق، وأنّهم ملتزمون جداً بإجراءات الوقاية التي فرضتها وزارة الصحة، لا بل أكثر من ذلك، "نحن نلنا شهادة من منظمة "أباف" وهي منظمة عالمية تهتّم بموضوع السلامة والصحة".
 
هناك عشرة آلاف عائلة تعتاش من القطاع التجاري، ما بين موظفي المجمعات التجارية والمستثمرين في هذه المجمعات، وبحسب عون، "العدد مخيف ولا نريد أن نسجّل أرباحاً، نريد فقط أن نستمر، إذ ليس من جدوى اقتصادية في أن نُبقي محلاتنا ومجمّعاتنا مفتوحة، فنحن نخسر، ونفتح أبوابنا فقط لكي نسدّد مرتبات الموظفين، لا نطلب من الدولة مساعدتنا، لكن نطلب منها أن تتركنا بحالنا". 
 
ويسأل: "هل يا ترى إذا ما أغلقنا سنكون قادرين على تسديد مرتبات لهذا العدد الهائل من الموظفين؟"، ويؤكّد على أنّهم لم يخالفوا قرار الدولة يوماً، وهم يطلقون صرخة من خلال الوقفة الاحتجاجية الموحَّدة، فالصرخة الفردية لم تُسمَع، لذا "قرّرنا أن نتّفق ونتوحّد لكي تصل صرختنا، وإذا لم نصل إلى النتيجة المرجوّة، سنعاود الاجتماع كمجمعات تجارية وكموظفي القطاع التجاري، لكي نتخذ قراراً مشتركاً وموحَّداً، نحن لا نخالف القانون، لكن نحن نضغط لنغيّر القانون".
 
 
تصوير حسام شبارو.
 
وأغلقت شركة "Aishti" للألبسة الفاخرة نحوعشرين محلاً متفرِّعاً من Aishti مع بداية الأزمة الاقتصادية، لكنّها حافظت على حوالى ثلاثين محلاً في وسط بيروت وخارجها، لأنّها كانت تشهد الكثير من التظاهرات والتكسير والإغلاق. ويشرح صاحب الشركة، طوني سلامة، أنّ هذه المحلات بقيت، لكن بسبب الانفجار تهدّمت جميع محلاته في وسط بيروت، والآن هناك 15 محلاً مقفلاً، إذ أغلق في منطقة فردان محلّين بداعي التصليح، وفي الأشرفية كذلك. بقي لديه المحل الكائن في ضبيه، "حيث تركنا الموظفين وعائلاتهم ليعملوا، وصدر قرار بالإغلاق، لكنّني لا أفهم لماذا هذا القرار في منطقة هي أوتستراد حيوي؟"، يسأل سلامة.
 
ويفيد بأنّ العمل تراجع لديه نحو 85 %، وعالمياً، أي مؤسسة يتراجع عملها 20% تفلس فتساعدها الدولة، "أمّا نحن فتراجع عملنا إلى هذا الحد واضطررنا إلى بيع عقارات والإنفاق من مالنا المدَّخَر لاستمرار مؤسّساتنا لأنّنا لا نريد أن نخسر تعب حياتنا كلّه، لكنّهم لا يسمحون لنا بأن نستمر بأقلّ مقدار للمحافظة على الموظفين وعلى عائلاتهم وعلى كرامتهم". 
ويشدّد على أنّه "سنفتح محلاتنا وسنكمل، لدينا عائلات مسؤولة عن أولاد، ومنها لديها مشاكل صحية، لا يمكن أن نغلق مؤسساتنا".  
 
تصوير حسام شبارو.
 
بدوره، أكّد رئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي، شارل عربيد، أنّه "يجب أن يكون هناك عملية تشاركية أكثر حول القرارات المتعلقة بفتح وإغلاق المؤسسات التجارية، فالحكومة تصدر قرارات في وقتٍ بعض الوزراء لا يتواصلون مع بعضهم بسب اختلافٍ بالرأي". وفي معرض حديثه، رأى أنّ لجنة كورنا تعمل، وأحياناً يؤخَذ بتوصياتها وأحياناً أخرى لا، والمؤسسات التجارية تراعي إجراءات الوقاية من كورونا بشكلٍ عالٍ جداً، وعندما تتّخذ الدولة قراراً بالإقفال، عليها أن تتحمّل واجباتها، وهذه الواجبات تكمن في دعم المؤسسات وديمومة العمل، وليس بشكل استنسابي واعتباطي. 
 
المطلوب، برأي عربيد، حوار اقتصادي اجتماعي، وهو مفقود في البلد، وهناك أشخاص غير قادرين على تسديد نفقاتهم الشهرية، والموظفون غير متأكدين من استمرارهم بوظائفهم، فالمؤسسات تعاني، ويجب إيجاد مقاربة مختلفة، ويجب ألّا ننسى أنّ وجود كورونا سيطول وبالتالي الوقاية الجدية الهادفة هي المطلوبة وليس قرارات ومزايدات تدفع بالناس إلى القيام بتحرّكات اعتراضية للمطالبة بالعمل بشكلٍ طبيعي، "ندرك أنّ الوضع صعب ، والموضوع الصحي أساسي، إنّما علينا أن نتعايش مع الوباء بشكلٍ علمي وتقني وطبي وأن نتعاون جميعنا". 
 
في هذا الإطار، يلفت عربيد إلى أنّ الاستهلاك في لبنان يؤثّر على 70 % من الناتج، وقد تراجعت حركة الاستهلاك أكثر من 80 %، وقرارات الإغلاق غير المدروسة تزيد هذه النسبة، فالمطلوب هو التعاون والتواصل والتفاهم، مع الحفاظ على السلامة العامة للجميع، و"ليس المطلوب ارتجالاً، وهذه وقفة ضد الارتجال، وأنا أتيت لمساندة العمال وأصحاب العمل، وحيث يكونون أكون الثالث بينهما". 
 
 
تصوير حسام شبارو.
 
في السياق نفسه، يقول المدير العام التنفيذي في شركة "Le Mall"، جورج كمال: "لا نفهم كيف يمكن إصدار قرار بالإغلاق في ظل هكذا وضع اقتصادي سيّئ، ونحن مسؤولون عن موظفين". وتقديرات الخسائر في الشركة صعبة، و"نحن في خضمّ معركة الصمود حالياً ولم ينتهِ هذا العام بعد، وندفع من مالنا الخاص في هذه التجارة كي يستمر". وتمنّى على الدولة الوقوف بجانبهم ليستمرّوا، وأن ترأف بهم، وأن تميّز ما بين مَن يتقيّد ومَن لا يتقيّد بالوقاية، و"ما سيقرّره منسّقو هذه الوقفة الاحتجاجية سنقوم به لنحافظ على عملنا، فنحن لا نفهم أبداً قرار الإقفال المجحف هذا، إذ نحن نراعي جميع معايير الوقاية"، وفق كمال.
وكانت الشركة تتحضّر لفتح فرعٍ لها في جبيل، وفرعٍ آخر في طرابلس، إنمّا بسبب الأزمة الاقتصادية التي حلّت، أغلقت الشركة فرعها في سن الفيل وجمّدت العمل في فرعها في صيدا، ووضعت فرع جبيل قيد الانتظار. 
وفي كلمة ألقاها خلال الوقفة الاحتجاجية، أكّد كمال على أنّ فرع الشركة الوحيد النشط حالياً هو فرع ضبيه، وقد ذهبت إلى معايير وقائية أبعد من التي فرضتها الحكومة، وبعد الكشف على المجمعات التجارية والتجار في لبنان لتقييم التزامها إجراءات الوقاية، "حصلت على أكثر من 90% وهذه نسبة لم يحصل عليها بلد في العالم ومع ذلك تقرّر إغلاق المؤسسات". وكل مجمع تجاري يحوي بين ألف وثلاثة آلاف موظف بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، "لا أعرف ماذا يفعلون بهم من خلال هذا القرار".
 
 
تصوير حسام شبارو
 
تصوير حسام شبارو
 
تصوير حسام شبارو
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم