السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

البطاقة التمويلية: 750 ألف أسرة و15 دولاراً للفرد الواحد... آلية الرقابة غير واضحة، وباب التدخلات السياسية مفتوح على مصراعيه

المصدر: "النهار"
لهيب الأسعار في السوبرماركت يرهق المواطنين (تعبيرية- "النهار").
لهيب الأسعار في السوبرماركت يرهق المواطنين (تعبيرية- "النهار").
A+ A-
 
منذ أن نالت حكومة حسان دياب الثقة في شباط 2020، والحديث عن البطاقة التمويلية يتجدد، خصوصاً عندما يرفع مصرف لبنان الصوت عالياً لعدم قدرته على الاستمرار بالدعم لفترة طويلة.
أمس وزّعت رئاسة الحكومة تصوراً أولياً للمشروع، فقدّمت مسودة شاملة تتعلق بآلية التطبيق (تحديد المستفيدين، طريقة تقديم الطلب، طريقة الدفع...)، لكن هذا التصور لم ينجُ من الانتقادات التي صبّت كلها في اطار تحويل هذه البطاقة الى رشوة انتخابية، بدليل أن آلية التنفيذ ستحتاج الى 3 أشهر على الأقل، بما يعني اننا سنكون على أبواب الانتخابات النيابية، اضافة الى أن التعقيدات الواردة في المشروع وخصوصا حيال كثرة المستندات المطلوبة ستفتح الباب للتدخلات السياسية.
 بعدما أعلن مصرف لبنان أخيراً عجزه عن الاستمرار بسياسة الدعم التي بدأت منذ أيلول 2019، وبعدما أصبحت هذه العملية بعيدة المنال بصرف النظر عن عدم جدواها، ما انعكس سلباً على المواطنين لاسيما الفئة الأكثر حاجة منهم وقد أصبحوا أكثرية، خصوصاً بعدما وصل سعر صرف الدولار الأميركي إلى أرقام قياسية.
يستهدف البرنامج 505 آلاف عائلة لبنانية مُقيمة في لبنان شرط أن تتقدّم بطلب الحصول على إعانة التحويل النقدي الذي يبلغ 15 دولاراً لكل فرد من أفراد الأسرة (حدّ أقصى 6 أفراد لكل أسرة، وقد تختلف هذه الأرقام بحسب توافر التمويل وعدد الأسر المستفيدة من البرنامج) اضافة إلى تحويلات تكميلية نقدية بقيمة 25 دولاراً شهرياً بحدّ أدنى قدره 40 دولاراً لكل أسرة ومبلغ 11 دولاراً للأسرة التي تضمّ شخصا يفوق عمره 75 عاماً (شخص واحد في كل عائلة) وعلى ألا يتجاوز المبلغ ما مقداره 126 دولاراً، وتُدفع المبالغ مباشرةً إلى رب الأسرة عبر بطاقة إلكترونية (Electronic card) أو على تطبيق محفظة على الهواتف الذكية (Wallet application on smart phone)، ويُمكن للأسرة أن تستخدم المبالغ النقدية المُحوّلة وغير المشروطة بحرّية لشراء أي نوع من أنواع السلع، سواء عن طريق الدفع أو السحب من خلال البطاقة الإلكترونية أو تطبيق المحفظة وبناءً على سعر السوق الموازية.
 الدعم من خلال هذا البرنامج، شبيه بذلك الذي يوفره برنامجا ESSN وNPTP، وهو عبارة عن عملة الكترونية فورية بالدولار الأميركي كأولوية أو ما يعادلها بالعملة اللبنانية بحسب سعر الصرف في السوق الموازية.
سيُموّل هذا البرنامج من خلال مصادر عدّة، منها إعادة توجيه نحو 300 مليون دولار من مشروع الطرقات والعمالة الممول من البنك الدولي، و/أو من ضمن حقوق السحب الخاصة (SDR) بلبنان التي يجيزها البنك الدولي للإنشاء والتعمير بنحو 860 مليون دولار والمتوقع الحصول عليها في أيلول المقبل، والتي سيُخصص جزء منها (300 مليون دولار) لتمويل برنامج البطاقة بالإتفاق مع مصرف لبنان.
المستفيدون وغير المستفيدين؟
يستهدف البرنامج جميع الأُسر غير المشمولة ببرنامجيESSN  وNPTP  المقدمين عبر وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تقدر بـ 245 ألف أسرة، وتُضاف إليها 505 آلاف أسرة جديدة ليُصبح العدد الإجمالي للأُسر المقيمة في لبنان والمستهدفة بشبكة الأمان 750 ألف أسرة شرط ألا تكون من فئة المستثنين من البطاقة التمويلية وفقا للآتي:
- كل أسرة مؤلفة من شخص أو أكثر (مع أو بدون رابطة دم) يعيشون في مسكن واحد.
- امتلاك بطاقة تعريف الهوية كأولوية وإلا بيان إخراج قيد لكل فرد من أفراد الأسرة (على أن يحصل جميع المستفيدين على بطاقة الهوية بمهلة أقصاها نهاية العام 2021 إلا اذا تعذّر ذلك على وزارة الداخلية والبلديات).
أما المُستثنون فهم:
- جميع أفراد الأسرة اللبنانية المقيمين حالياً في لبنان لفترة تقل عن ستة أشهر متواصلة في العام باستثناء من هم دون سن 23 عاماً.
 - الأسرة التي يفوق دخلها السنوي الإجمالي مهما كان مصدره مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف في السوق الموازية.
- العائلة التي يفوق إجمالي ودائعها المصرفية مبلغ 10 آلاف دولار أو ما يعادلها بحسب سعر صرف الدولار المصرفي في السوق الموازية (على سبيل المثال، 200 مليون ليرة لبنانية على سعر صرف 20 ألف ليرة تعادل وديعة مصرفية بقيمة تقريبية 50 ألف دولار بالدولار المصرفي).
- الأسرة التي تدفع بدل إيجار سنوي يزيد عن 3500 دولار أو ما يعادلها بحسب سعر الصرف في السوق الموازية.
-  الأسرة التي تملك سيارتين أو أكثر مسجلتين بعد العام 2018 يعود تاريخ صنعها للعام 2017 وما بعده.
- الأسرة التي تستعين بخدمات مدبرة منزل أو أكثر.
تقدر كلفة برنامج البطاقة التمويلية بـ556 مليون دولار، ويهدف إلى تقديم تحويلات نقدية لـ 505 آلاف أسرة لبنانية، وهذه التحويلات مُقسّمة كالآتي: 15 دولاراً شهرياً لكل فرد من أفراد الأسرة (بحدّ اقصى 6 أفراد لكل أسرة) إضافة إلى تحويلات تكميلية بقيمة 25 دولاراً شهرياً لكل أسرة (بحدّ أدنى قدره 40 دولاراً للأسرة)، ويضاف إليها مبلغ 11 دولاراً للأسرة التي تضمّ شخصاً يفوق عمره 75 عاماً (شخص واحد في كل عائلة) وعلى ألا يتجاوز المبلغ ما مقداره 126 دولاراً. أما بالنسبة الى طريقة الدفع فسوف يتمّ تحديدها بناءً على العروض التي ستُقدم بهذا الصدد ومن بينها الخيارات الآتية: الدفع من خلال المصرف أو من خلال وكلاء تحويل الأموال أو ليبان بوست، أو من خلال ويسترن يونيون.
تخضع جميع العمليات المرتبطة بالبرنامج للتدقيق الخارجي من قِبل شركات متخصصة بما يؤمن الشفافية وحُسن سير تنفيذ البرنامج وتقييم أدائه. وفي حال عدم تأمين المصاريف اللازمة لتغطية مصاريف التدقيق من قِبل المساعدات الدولية يُصار إلى إجراء المقتضى القانوني لتأمين نقل الاعتمادات الضرورية إلى موازنة رئاسة مجلس الوزراء.
المشرف العام لخطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية عاصم أبي علي أكد لـ"النهار" أنّ "طريقة الحصول على إعانة البطاقة التمويلية لم تحدد بعد، أكان نقداً بالدولار، أم بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف السوق الموازية، أو بالدفع الإلكتروني"، مشدداً على أنّ موقف وزارة الشؤون الاجتماعية هو إعطاء الدعم بالدولار النقدي منعاً لمزيد من التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية"، لافتا الى أنّ القرار قد يُترك للمجلس النيابي.
وإذ أشار إلى أنّ "موضوع البطاقة الإلكترونية لم يُحسم بعد، لأنّه إذا تمّ التعاقد مع مصرف أو مع "ويسترن يونيون" فسيكون السحب نقديا"، أكد أبي علي أن وزارة الشؤون الاجتماعية ستعمد إلى استهداف الأسر، لأنها معنية بوصول المساعدات الى الفئات المستحقة، والعمل على أنّ تحقق البرامج الثلاثة الهدف عينه".
أما الخبير الاقتصادي جان طويلة فانتقد آلية الرقابة "غير الواضحة، والبعيدة عن الشفافية، خصوصا في ظلّ غياب ممثلين من المجتمع المدني أو الدولي بعدما فقدنا الثقة بالسلطة الحاكمة والمشرفة".
بالنسبة الى طويلة، تحوم ريبة كبيرة حول طريقة الموافقة على الطلبات، ليخلص الى أنّه "لا بدّ أن تحصل التدخلات السياسية، وتالياً أن تكون هناك استنسابية في التعاطي. فالـ31 مستنداً التي طلبتها الإدارة، تصعّب الآلية وتشرّع الأبواب أكثر أمام التدخلات السياسية".
وإذ اعتبر أن البطاقة التمويلية فقدت جدواها، عندما استثنت الحكومة الطبقة الوسطى من الاستفادة من التمويل، لأنّ الهدف الأساسي منها كان حماية الطبقة الوسطى، سأل طويلة عن طريقة التدقيق بالمستندات المطلوبة للافادة من البطاقة التمويلية، وتحديداً المعلومات المالية التي يحميها قانون السرية المصرفية.
الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور أيمن عمر، رأى أنّه في ظلّ غياب أي أفق للحلّ السياسي الذي يبدأ من تأليف حكومة قادرة على لجم الانهيار وبثّ الطمأنينة، تصبح أي عملية إصلاح حقيقية للاستنهاض الاقتصادي وانتشال الشعب اللبناني من الوضع الكارثي المعاش في مهبّ الريح. ووفق ذلك تصبح البطاقة هي الذلّ الذي لا مفرّ منه مع غياب الحلول الجذرية واستقالة المسؤولين من ضمائرهم قبل مراكزهم. من هنا يعتبر عمر أنّ البطاقة التمويلية هي أحد الحلول الترقيعية الناتجة من حالة الهذيان التي تمارسها السلطة في مواجهتها للأزمات، وهي ليست أوكسيجينا للاقتصاد إنما مجرد تنفّس اصطناعي لمريض يعاني من حال تنازع الروح عند سكرات الموت بعد الإمعان في اغتصابه من قِبل مسؤولين أقل ما يُقال عنهم إنهم ساديون.
منذ أكثر من سنة ونصف سنة والحديث عن هذه البطاقة بين أخذ وردّ، وكلما صار رفع الدعم أمراً واقعاً يُثار موضوع البطاقة التمويلية بقوة باعتبارها بديلاً منه، فيما لا يزال المسؤولون يصرون على الدفع بالليرة اللبنانية لمستحقيها مع أن المشروع المقدم من البنك الدولي هو بالدولار، وهو أحد المواضيع الذي يعكس حالة التيه والتخبط وغياب الحسم في القضايا المفصلية.
وبغضّ النظر عن تحديد الفئات المستحقة وطريقة الدفع وعملة الدفع وهي أمور تقنية، فإن هذه تكرّس وبشكل رسمي هوية لبنان الاقتصادية السائدة القائمة على التسوّل والطوابير وغياب الرفاهية والإحباط النفسي وقتل الطموح، وتاليا دفن النموذج الحر، ويؤكد عمر أن "هذه البطاقة ستتحوّل إلى انتخابية بامتياز مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، لنشاهد طوابير البطاقة ستصطف على أبواب مكاتب الزعماء، لتُضاف إلى طوابير المحروقات والخبز والمياه والتبغ والتنباك".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم