الأزمة الأوكرانية الروسية- 4: بين جدلية عالم الخير وعالم الشرّ

المحامي كارول ساباتَسرَّع البطريرك كيريل في إعطاء بُعد أو غطاء كنَسيّ لهذه الحرب المُدَمِّرة للجميع في أوكرانيا. فهذه لها أسبابها ومُسبِّباتها وأهدافها الدَهريّة، العسكرية والجيوسياسية، بمَعزِل عن أيّ تبرير لاهوتي. فلا بُدّ هُنا مِن استِدارة روحيّة نَرجوها من الكنيسة الروسيّة العَريقة بشُهدائِها، لأنّ حَرب الإخوة، كما كلّ حَرب، مُدانة بِشِدّة.لن أدخل هنا في جدلية عالم الخير والشرّ كما يراها الروس اليوم في خطابهم كمجتمع مُحافظ، كتبرير فكري لهذه الحرب المُدمّرة التي لا يُمكن تبريرها. فهذه الجدلية استعملها الرئيس ريغان قبلهم ليعتبر أن الاتحاد السوفياتي المُلحد هو مِحوَر الشَرّ، بينما الغرب هو مِحوَر الخير. كلّ العُقّال يُدركون اليوم، أنّ هذه الثنائيات المُغلقة لا تقنع أحداً أمام سياسات الدول الكبرى المَصلحِيّة التي لا تقيس للإنسان مقياساً، غربية كانت أو شرقية، ديموقراطية كانت أو أوتوقراطية. لن أدخل أيضاً في التداخل التاريخي بين أوكرانيا وروسيا. فالجغرافيا تتكلم والتاريخ مُتكلم أكبر عن تكوين هذا التدخّل التاريخي الذي يجعل من هذه الحرب، حرب إخوة.مقالات صديقي محمود الزيباوي الأخيرة في "المدن" مُهمّة لفهم جوانب وجوانح وجوارح هذا التاريخ المُتداخِل. أمّا ما لا يَراه مُثقفو الغرب ولاهوتيّوه اليوم فهو أبعد من بوتين وفكرة "الروسكي مير" المُبتذلة، ضرورة إعادة قراءة الفلاسفة الكبار الروس من إيفان إيلين الأب الروحي لسولجينتسين، وسولجينتسين نفسه، وقبله فلاديمير سولوفييف ونيقولا برداييف، ودوستويفسكي وغيرهم الذين تكلموا عن "خط روسيا" ومسارها الذي يربط التاريخ بالجغرافيا بقدر روسيا الروحي والحضاري في عالم اليوم ويوم كل عالم. فقراءة كتاب الصديق الفيلسوف الفرنسي من منشأ روسي، ميشال إلتشانينوف "في رأس فلاديمير بوتين" ضرورة لكيلا نبقى على سطحية تحليلات "العالمين" على شاشات التلفزة المتواصلة.المهم اليوم أن نقول إن الكنيسة الروسيّة أخطأت عندما لم تسحَب صاعِق التفجير في الملفّ الكنسي الأرثوذكسي الأوكراني مُسبقاً بمنحها إراديّاً الاستقلالية للكنيسة الأوكرانية الشرعية التابعة لها ذات الإدارة الذاتية بقيادة المتروبوليت أونوفري. بالطبع، الرفض كان سيأتي من بطريركية القسطنطينية التي تدَّعي أن مَنح...