السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل بدأت أوروبا تحنّ إلى زمن ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ترامب (أ ف ب).
ترامب (أ ف ب).
A+ A-

لا يزال الغضب الفرنسي مستعراً بسبب إلغاء أوستراليا صفقة غواصات وقّعتها معها سنة 2016 لصالح عقد جديد تستورد بموجبه غواصات ذات دفع نووي من الولايات المتحدة وبريطانيا. تعهّدت الدول الثلاث التي دخلت تحالفاً أمنياً جديداً تحت اسم "أوكوس" أن تعمل على تهدئة الإليزيه عبر إيجاد حل للقضية. في الإطار نفسه، من المتوقع أن يجري الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالاً للتشاور في وقت "قريب". وأشار الأستاذ في جامعة جونز هوبكينز والي نصر إلى أنّه كان من الأجدى ببايدن إجراء ذلك الاتصال قبل الإعلان عن الصفقة الجديدة، عوضاً عن مفاجأة الإليزيه.

 

"ترامب بدون تغريدات"

إنّ استدعاء فرنسا سفيريها في كانبيرا وواشنطن للتشاور، كما التوصيفات التي أطلقها وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان على الصفقة الجديدة، مثل اندراجها في إطار "الخيانة" و"الازدواجية" و"الازدراء" تظهر أنّ على الثلاثيّ الأنغلوساكسونيّ بذل جهد استثنائيّ لرأب الصدع. فالخلاف لا يتعلّق بالشق المالي من الصفقة الضخمة الملغاة (65 مليار دولار) وحسب، بل يتّصل أيضاً بالدور الفرنسيّ في منطقة الإندو-باسيفيك.

اتّخذ المراقبون مواقف متناقضة تجاه الصفقة. فمنهم من حمّل الفرنسيّين المسؤولية المباشرة عمّا حدث. تطرّق البعض إلى كلام ماكرون السابق عن "الاستقلالية الأوروبية"، قائلين إنّه حصل في نهاية الأمر على ما أراد. ينفي الديبلوماسي والباحث في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" بيار مرقس هذا المنطق ويكتب في تغريدة أنّ مقاربة فرنسا إلى الإندو-باسيفيك لم تكن قط حول الاستقلالية بل حول التعددية والشمولية. كما ينفي أن تكون فرنسا قد اتّخذت موقفاً وسطياً بين الولايات المتحدة والصين مشيراً إلى أنها كانت دوماً حليفاً لواشنطن. وفي هذا الإطار، يبقى أنّ من بين أبرز أسباب الغضب الفرنسيّ بحسب رأيه غياب الثقة. وكان لودريان قد أشار إلى أنّ واشنطن "تلاعبت بالأحلاف" وتعاملت "بوحشيّة" مع حليفتها. وأوضح أنّ بلاده لم تعرف بشأن خطة الثلاثي إلّا قبل ساعة واحدة على الإعلان الذي جرى يوم الخميس. كذلك، شبّه بايدن بترامب لكن "من دون تغريدات".

 

مفاجآت للذات وللآخرين

أيّد أميركيّون هذا التشبيه إلى حدّ بعيد، حيث قال الإعلاميّ والكاتب السياسيّ فريد زكريا إنّه في ملفّ تلو الأخرى، فوجئ المراقبون بل صُدموا بأنّ سياسة بايدن الخارجية كانت استمرارية لسياسة دونالد ترامب الخارجية ورفضاً لسياسة أوباما. وتابع زكريا ناقلاً عن ديبلوماسي ألمانيّ قوله إنه بحسب وجهة نظره، استشيرت الحكومة الألمانية في ولاية ترامب أكثر من الولاية الحالية. لا يتوقف الاستياء الأوروبي عند هذا الحد. ولا هو يرتبط فقط بطريقة انسحاب بايدن من أفغانستان كما بات معلوماً. يشير زكريا إلى ملاحظة ديبلوماسي أوروبي عن أنّه من خلال تعامل واشنطن مع بروكسل في جميع المجالات، بدءاً من اللقاحات وصولاً إلى القيود على السفر، كانت سياسة بايدن "أميركا أولاً في المنطق بصرف النظر عن البلاغة". حتى أنّ سياسياً كندياً قال إنّ سياسات بايدن أكثر حمائيّة من سياسات ترامب.

تعبّر جميع هذه الكلمات عن مؤشّرات أوّليّة إلى أنّ الغرب قريب على الأقل من أن يحنّ إلى أيّام ترامب. طبعاً، لا يزال الوقت مبكراً للخروج بخلاصة كهذه، إذ ثمّة وقت متاح أمام بايدن للتعويض. لكن إلى الآن ما من مؤشّرات إلى ذلك. بالمقابل، إنّ "الازدراء" لا يتعلّق فقط بطبيعة تعامل الأميركيّين مع الفرنسيين خصوصاً والأوروبيين عموماً. فبهذه الطريقة أيضاً تتعامل فرنسا مع دول شرق أوروبا التي تجاهلت مخاوفها حين أرادت الانفتاح على روسيا.

و"الازدراء" بعيد من أن يكون المشكلة الوحيدة للإدارة الحاليّة. فحتى لو فضّلت واشنطن المضيّ قدماً بسياسة بيع الغواصات إلى أوستراليا بالنظر إلى تأمينها مصلحة قوميّة أميركيّة عليا، لا يمكن إغفال أنّ الإدارة فوجئت بردّ الفعل الفرنسيّ. لهذا السبب، غرّد الرئيس المشارك لـ"المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" كارل بيلدت أنّ التعامل مع صفقة الغواصات يبدو "غير كفوء بشكل مذهل" لأن لا أحد درس كيفيّة التعامل مع رد الفعل الفرنسيّ والتداعيات المحتملة.

 

صدق التوقّع القديم

ثمّة مبالغات أحياناً في استذكار "العصر الذهبيّ" للعلاقات الأميركيّة-الأوروبّيّة. لكنّ ذلك التوصيف ليس واقعياً. كثيراً ما شهدت تلك العلاقات توتّرات حتى خلال الحرب الباردة، وحتى بين مسؤولين صُنّفوا أصدقاء، كما كانت الحال بين مارغريت تاتشر ورونالد ريغان الذي أمر بإنزال أميركيّ في غرينادا من دون التشاور معها.

في 11 كانون الأول 2020، أي بعد حوالي شهر على فوز بايدن بالرئاسة، كتب مستشار السياسات المالية يان فاون إيويجك مقالاً في موقع "أوروبا الجديدة" تحت عنوان: "لماذا قد تفتقد أوروبا دونالد ترامب". توقّع الكاتب حينها ألّا تعيد رئاسة بايدن الولايات المتحدة إلى أوروبا أو تغيّر الديموغرافيا الأميركيّة من حيث تضاؤل عدد الأميركيين الذين يتحدّرون من أوروبا، أو حتى أن يعيد الرغبة إلى الولايات المتحدة كي تكون شرطيّ العالم.

تدرك أوروبا كلّ ذلك كما تعرف أنّ ترامب هو عارض عوضاً عن أن يكون سبباً للسياسات الأميركية النمطية خلال العقد الماضي وربما أكثر. لكنّها على الأرجح لم تتوقّع أن تواجه سياسات بهذه الفجاجة، وبهذه السرعة. لم يمضِ ثمانية أشهر على رئاسة بايدن، وقد دخل الأخير في نزاعات مع الأوروبيين أكثر ممّا توقّعه أشدّ المتشائمين.

التأخّر في تعيين سفيريه إلى الناتو وبروكسل، عدم التشاور مع حلفائه في قضية مغادرة أفغانستان ورفضه طلبهم تمديد الموعد النهائي للانسحاب، وقبله عدم التشاور معهم في قضية عقد قمة مع نظيره فلاديمير بوتين، ومقترحه المفاجئ في رفع الحماية عن براءات اختراع اللقاحات، هي أمثلة عمّا عانى ويعاني منه الأوروبيون مع بايدن. 

 

التوصيف الأقرب للدقة؟

ربّما كان الكاتب السياسيّ في مجلّة "بوليتيكو" دايفد هرزنهورن الأكثر دقّة بوصف توقّعات الأوروبيين تجاه بايدن في أيّار الماضي حين كتب: "لقد ولّت الغطرسة الأميركية العدوانية والبغيضة لدونالد ترامب، واستُبدلت بالغطرسة الأميركية الأكثر وداً وتهذيباً التي يتذكرونها – ليس دائماً باعتزاز – من خلال تعاملاتهم مع رؤساء الولايات المتحدة السابقين".

ليس مؤكداً ما إذا كانوا اليوم محتفظين برأيهم تجاه كون "غطرسة" بايدن "أكثر وداً" من "غطرسة" سلفه.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم