الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سياسة ألمانيا الخارجيّة مع شولتز... القديم على قِدَمه؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
المستشار الألماني المنتخب حديثاً أولاف شولتز (أ ف ب).
المستشار الألماني المنتخب حديثاً أولاف شولتز (أ ف ب).
A+ A-

إنّ الذين ينتظرون أن تتغيّر السياسة الخارجيّة الألمانيّة بقيادة المستشار الجديد أولاف شولتز، قد يتعيّن عليهم الانتظار طويلاً. لطالما قال شولتز، وزير المالية في آخر ولاية لأنجيلا ميركل، إنّه خلف طبيعيّ للمستشارة السابقة. حتى أنّه وضع نفسه في خانة أسلوب القيادة الذي اتّبعته ميركل، "أسلوب قيادة براغماتيّ جدّاً، جافّ قليلاً في بعض الأحيان، ومتشدّد"، بحسب صوفيا بيش من "مركز الإصلاح الأوروبي" ومقرّه لندن.

كانت براغماتيّة ميركل مفيدة أحياناً على مستوى صياغة علاقات خارجيّة متعدّدة الاتّجاهات. لكنّها في الوقت نفسه حرمتها من أن تكون شخصيّة رؤيويّة على المستوى الأوروبّيّ. في أوقات مواجهة المشاكل والتحدّيات، لا مساحة كبيرة لصياغة الاستراتيجيّات العامّة. هذا كان تفسير البعض لشخصيّة ميركل في الحكم. المؤشّرات الأوّليّة توضح أنّ شولتز يريد مواصلة إرث ميركل الخارجيّ والأرجح طريقة مقاربتها للشؤون الدوليّة.

 

"أكثر مشروع إثارة للانقسامات"

قال شولتز مؤخراً في حديث إلى شبكة "دويتشه فيله" إنّ "السياسة الخارجيّة الألمانيّة هي سياسة استمرارية". فاعليّة هذه السياسة في مواجهة سلسلة التحدّيات أمر غير محسوم. أرادت ميركل أن تكون صديقة الكلّ. صاغت علاقات مع الولايات المتحدة والصين وروسيا في آن. ذلك، ضمنت أمن ألمانيا الأمنيّ والتجاريّ والطاقويّ. وهذه أبرز ركائز استمراريّة دوران المحرّك الاقتصاديّ العملاق. لكنّ ضمان أمن الطاقة كان مكلفاً. دول أوروبا الشرقيّة لم تكن راضية عن "أكثر مشروع للبنية التحتيّة إثارة للانقسام السياسيّ في أوروبا" بحسب صحيفة "فايننشال تايمس". وقد يكون "نورد ستريم 2" المشروع الذي يربط مستقبل أوروبا بروسيا ويزيد الاعتماد عليها، علماً أنّ للألمان وجهة نظر أخرى تقول إنّ موسكو بحاجة للأموال الأوروبية الناجمة عن بيع الغاز وبالتالي هي لن تختطف أوروبا كـ"رهينة" لأهدافها السياسيّة.

حتى مع وضع هذه المشاكل جانباً، يبقى أنّه في عالم يتّجه نحو المزيد من الاستقطاب، قد لا تكون هذه السياسة الألمانيّة المنفتحة على الجميع مستدامة. ستضطرّ ألمانيا إلى الاصطفاف بجانب إحدى هذه القوى في مواجهة قوّة أخرى عند الاستحقاقات المفصليّة التي ستحلّ على شولتز باكراً جدّاً.

 

"نورد ستريم 2"

ثمّة تساؤلات عن مصير مشروع أنابيب "نورد ستريم 2" التي تجرّ الغاز من روسيا إلى ألمانيا متفادية الأراضي الأوكرانيّة. كان حزب المستشار "الديموقراطيّ الاجتماعيّ" من أبرز مؤيّدي المشروع. لو اجتاحت روسيا أوكرانيا بداية السنة المقبلة كما توقّع وزير الدفاع الأوكرنيّ وكما أشارت إلى ذلك تقارير أميركيّة، فسيكون على شولتز حسم خياره، لا على المستويين الأخلاقيّ أو الاقتصاديّ وحسب، بل الأهمّ على المستوى السياسيّ.

سبق للرئيس الأميركيّ جو بايدن أن أعفى الشركة الأساسيّة المشغّلة لمشروع "نورد ستريم 2" من العقوبات. الآن، يتوقّع الأميركيّون من الألمان تعليق العمل في المشروع لو حصل هذا الهجوم. هل يبادلهم شولتز "الجميل"؟ لا يزال المشروع في طور المراجعة التنظيميّة الأخيرة من قبل الألمان والأوروبيين. في تشرين الثاني، رفض الناظم الألمانيّ إعطاء المصادقة ريثما تستكمل الشركة المشغّلة التزامات قانونيّة. على أيّ حال، وفي وقت بإمكان شولتز التذرّع بالإجراءات الإداريّة والقانونيّة التي ستؤخّر انطلاق ضخّ الغاز ربّما حتى أواسط السنة المقبلة، يبدو أنّه يتّجه لفرض العقوبات في حال حصول الاجتياح. هذا ما نقلته "فايننشال تايمس" عن أشخاص مقرّبين من الحكومة الألمانيّة الجديدة. مع ذلك، ثمّة سؤال معاكس. ماذا لو كانت الحشود العسكريّة الروسيّة على الحدود الأوكرانيّة وسيلة ضغط لتسريع المصادقة الألمانيّة على خطّ الأنابيب؟ لا شكّ في أنّ هذا الاحتمال يخلط أوراق الحسابات لدى برلين.

 

العلاقات مع الصين

أعفى الأميركيّون "نورد ستريم 2" في إطار جهد إعادة بناء العلاقات والثقة مع الألمان. لكنّ الجهد ليس مجّانيّاً. ليس مبالغاً به القول إنّ واشنطن تريد من برلين الوقوف إلى جانبها في الصراع/التنافس مع بيجينغ وهذا ملفّ آخر بالغة الحساسيّة. الخلاف الأوّل بين واشنطن وبرلين في هذا الملفّ بدأ يتظهّر مع موقف شولتز الرافض ضمناً لمقاطعة الألعاب الأولمبيّة الشتويّة في الصين، مقاطعة أعلنت الولايات المتّحدة مؤخّراً أنّها ستتبنّاها. وتايوان قضيّة ملتهبة أخرى قد تجبر شولتز على الخروج من الحياد في حال قرّرت الصين إعادة ضمّها بالقوّة وقرّرت إدارة بايدن الردّ عليها. بحسب الكاتب في مجلّة "بوليتيكو" ماثيو كارنيتشينغ، سيكون على شولتز حسم خياراته الدوليّة "وسريعاً". لكنّه لم يكشف أوراقه، بما فيها تلك المرتبطة بالملفّ الصينيّ.

لم يكن كارنيتشينغ الوحيد الذي توقّع استمراريّة في السياسة الخارجيّة الألمانيّة، سياسة "لِمَ لا نستطيع أن نكون جميعنا أصدقاء" التي اتّبعتها ميركل بحسب صياغته، وغير المستدامة، بحسب تحليله. سُودا دايفد ويلب من "صندوق مارشال الألمانيّ للولايات المتحدة" استبعدت أيضاً حدوث تغييرات جذريّة في عهده.

 

تحدّيات أوروبّيّة

وأعلن شولتز أيضاً وقوفه إلى جانب بولونيا في أزمة المهاجرين التي يبدو أنّ بيلاروسيا افتعلتها على الحدود. لكنّه قال أيضاً إنّ حكم القانون أساسيّ بالنسبة إلى بولونيا، في انتقاد لقرار قضائيّ للمحكمة الدستوريّة لا يعطي الأولويّة للقوانين الأوروبّيّة على القوانين الداخلية. الموازنة بين الرؤيتين قد تكون صعبة على شولتز، كما كانت صعبة على ميركل. ولقيت الأخيرة انتقادات بسبب غضّ الطرف عن تراجع القيم الليبيراليّة في بولونيا لمصلحة العلاقات التجاريّة والاستثماريّة معها.

وسيواجه شولتز أيضاً في حال واصل سياسة ميركل إشكاليّة في التعاطي مع الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون. غالباً ما كان الأخير يواجه اعتراضات شبه فوريّة من المستشارة السابقة بشأن طروحاته المتعلّقة بـ"الاستقلاليّة" الأوروبّيّة وتأسيس جيش أوروبّيّ وغيرها من القضايا الخاصّة بالموقع الاستراتيجيّ للاتّحاد. من المرجّح أن ينتهز ماكرون فرصة التغيّر السياسيّ في ألمانيا لتحويل محور الثقل في صناعة القرار القارّيّ من الشمال إلى الجنوب. سيكون شولتز أمام خيار القبول بهذا التحوّل مقابل تعزيز العلاقات مع فرنسا أو الإبقاء على الستاتيكو الحاليّ لكن من دون تطوير الروابط الألمانيّة-الفرنسيّة.

 

"الصداع الأكبر"

زميل ويلب في "صندوق مارشال الألمانيّ" جايكوب كيركيغارد وجد أنّ السياسة الخارجيّة لألمانيا ستكون "الصداع الأكبر" لشولتز. لا عجب في أنّ الإبقاء على الاستمراريّة في السياسة الخارجيّة سيكون الخيار الأسهل أمام شولتز للتخفيف من هذا الصداع أو على الأقلّ لعدم مفاقمته. معرفة نجاح هذا العلاج متروكة للمستقبل.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم