الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

وقف إطلاق نار في ناغورنو قره باغ... حتّامَ تنجح وساطة بوتين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - "أ ب"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - "أ ب"
A+ A-
في خرق لافت للأزمة، توصّلت أرمينيا وأذربيجان إلى وقف لإطلاق النار اعتباراً من ظهر اليوم السبت، بعد حوالي أسبوعين على انطلاق الحرب بينهما حول إقليم ناغورنو قره باغ. أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محادثات هاتفية أمس الجمعة مع كل من رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذري إلهام علييف.

عقب المحادثات، قالت الرئاسة الفرنسية إنّ ثمة تحرّكاً في "اتّجاه هدنة الليلة أو غداً لكنّ الوضع لا يزال هشاً". ومع أنّ تصريحات ماكرون صحّت اليوم، من المرجّح أن يعود الفضل الأكبر في وقف إطلاق النار إلى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين.

وحدها قادرة
توجّهت أنظار المراقبين منذ فترة إلى الكرملين من أجل حلّ الأزمة، باعتبار أنّه يملك تأثيراً في كلتا الدولتين. ناشر شؤون الأمن الدوليّ في شبكة "سي أن أن" الحائز على جائزة "إيمي" للوثائقيّات الاستقصائيّة نِك والش كتب منذ خمسة أيّام أنّ روسيا هي الدولة الوحيدة القادرة على إنهاء النزاع في المنطقة التي تقع في فضاء نفوذها المباشر. اقترح والش أسباباً عدّة تقف خلف "الصمت المطبق" للكرملين في الفترة الماضية، منها أنّ رئيس الوزراء الأرمينيّ الذي وصل إلى السلطة عبر انتفاضة شعبيّة سنة 2018 هو من نوع المسؤولين الذين لا يحبّهم بوتين.

أمّا السبب الثاني فهو أنّ الرئيس الروسيّ غارق أساساً في أربع أزمات دوليّة (أوكرانيا، بيلاروسيا، سوريا، ليبيا) وهو غير محتاج لفتح الباب أمام أزمة خامسة خصوصاً مع أوضاع داخليّة غير مؤاتية. لكنّ والش، كما مراقبين آخرين، توقّعوا أن تتدخّل روسيا إذا انكسر ميزان القوّة لصالح أذربيجان. وهذا ما كان يحدث مؤخراً بفعل الدعم التركيّ المقدّم لباكو.

المقلق في الدعم التركيّ بالنسبة إلى موسكو، إظهار تقارير عدّة كيفيّة إرسال تركيا جهاديّين من سوريا للقتال في إلى جانب أذربيجان. آخر مشكلة كانت تنقص روسيا حاليّاً بروز بؤرة جهاديّة في القوقاز. وهذا ما عبّر عنه مؤخّراً رئيس خدمة الاستخبارات الخارجيّة سيرغي ناريشكين حين حذّر من أنّ منطقة القوقاز الجنوبيّة قد تصبح "منصّة انطلاق جديدة للتنظيمات الإرهابيّة الدوليّة" حيث بإمكان المتشدّدين استخدامها لدخول روسيا.

حسابات أردوغان وبوتين
تنفي تركيا إرسال هكذا مقاتلين إلى المنطقة. لكنّ وسائل عالميّة بارزة مثل "رويترز" و"بي بي سي" قابلت مقاتلين قالوا إنّهم آتون من سوريا ويتلقّون المال من تركيا لتنفيذ هذه المهمّة. يبدو أنّ الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان أخطأ في حساباته لهذه الناحية. لكنّه كان قد اختار توقيتاً مناسباً له كي ينخرط في الحرب بحسب تحليل الكاتب في الشؤون الروسيّة ريشار جيراغوسيان.

فمن جهة، رأت تركيا أنّ روسيا كانت مشتّتة التركيز دوليّاً خصوصاً في تدخّلاتها الخارجيّة، كما في قضيّة تسميم المعارض الروسيّ ألكسي نافالني، لذلك، كان الهجوم على ناغورنو قره باغ مفاجئاً لروسيا بمقدار ما كان مفاجئاً لأرمينيا والإقليم. من جهة ثانية، يرى الكاتب أنّ الغرب كان منشغلاً بأزماته الداخليّة بفعل "كورونا" والانتخابات الأميركيّة.

فَتَرتِ العلاقات بين بوتين وأردوغان بفعل اصطدامهما في سوريا وليبيا. ليس معنى ذلك أنّ هنالك طلاقاً قريباً بين الطرفين إذ لا يزالان بحاجة لبعضهما من أجل مواجهة أزماتهما مع الغرب. لكنّ برودة العلاقات تعني استغلال أردوغان الفرص المتاحة حاليّاً لفرض ضغوط على نظيره الروسيّ. فمع زيادة العزلة التركيّة في شرق المتوسّط، يريد الرئيس التركيّ نقل الضغط إلى "الحديقة الخلفيّة" لروسيا من أجل قبض الثمن في سوريا أو ليبيا.

حتى لو فشل ذلك، وهذا مرجّح، لن يكون لدى إردوغان ما يخسره. كذلك، يمكن أن يكون أحد الرهانات التركيّة قد صبّ في خانة أنّ بوتين لا يريد الضغط على باكو كي لا تبتعد عنه باتّجاه الولايات المتّحدة، أو حتى باتّجاه تركيا خصوصاً أنّ هنالك علاقات عسكريّة بين موسكو وباكو، على الرغم من أنّها ليست بالمتانة نفسها للعلاقات بين موسكو ويريفان مع وجود قاعدتين روسيّتين في أرمينيا.

لكن في مقابل هذه الحسابات، ثمّة هواجس أخرى لدى الكرملين. فعلاوة على أنّه لا يزال غير متقبّل لفكرة خسارة موسكو الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفياتيّ، لدى الكرملين مخاوف أخرى متعلّقة باستقرار المناطق التي كانت واقعة في فضاء نفوذه السابق. أوكرانيا وبيلاروسيا وإلى حدّ ما جورجيا، قدّمت أمثلة على ذلك. ومؤخّراً، انضمّت قرغيزستان إلى الدول التي تشهد غياب استقرار داخليّ يثير هواجس الكرملين. ولا تتوقّف المخاوف الروسيّة عند هذا الحدّ. فدول آسيا الوسطى تشهد تمدّداً بارزاً للنفوذ الصينيّ بفعل "مبادرة الحزام والطريق". لهذا السبب، لا يستطيع بوتين السماح لمنطقة جنوب القوقاز بالإفلات من قبضته. بالتالي، وجد بوتين الوقت مناسباً للتدخّل الديبلوماسيّ.

رقعة الشطرنج القوقازيّة
أعرب جيراغوسيان عن قناعته بأنّ روسيا تغلّبت على تركيا حين تمكّنت من استدعاء وزيري خارجيّة أرمينيا وأذربيجان على عجل يوم الجمعة. بهذه الطريقة، "قتلت روسيا الملك التركيّ على رقعة الشطرنج القوقازيّة".

أعلنت وزارة الخارجيّة الروسيّة اليوم السبت أنّ الدولتين المتنازعتين توافقتا على بدء "مفاوضات جوهريّة" للتوصّل إلى حلّ سلميّ للنزاع في الإقليم. جاء ذلك بعد محادثات ماراثونيّة استمرّت حوالي عشر ساعات.

لم تكن مفاجئة – أقلّه ليس تماماً – قدرةُ روسيا على إقناع الطرفين بإعلان وقف لإطلاق النار، بالنظر إلى تمتّعها بعلاقات جيّدة معهما. يضاف إلى ذلك، أنّ لروسيا تاريخاً من النجاح الديبلوماسيّ في هذا الإطار أكان بعد نهاية الحرب الأولى سنة 1994 أو بعد الحرب السريعة في نيسان 2016. لكنّ التاريخ نفسه يظهر أنّ المرحلة المقبلة ستكون على الأرجح عبارة عن نزاع مجمّد إلى حين اصطدام الطرفين مجدّداً حول المسألة نفسها.

قدرة بوتين على قيادة وساطة مستقبليّة محايدة بين الطرفين يمكن أن تكون قد وصلت إلى خواتيمها. فإذا أراد تجنّب الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب آخر في المعركة المقبلة، فسيكون عليه بذل جهد، ربّما بمساعدة واشنطن وباريس، على تطوير وقف إطلاق النار إلى سلام دائم. فهل ينجح في ذلك قبل جولة حربيّة أخرى ربّما تكون أكثر عنفاً؟


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم