الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل ينجح رهان أردوغان في أفغانستان؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - "أ ب" عن موقع الرئاسة التركية
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان - "أ ب" عن موقع الرئاسة التركية
A+ A-

يضع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نصب عينيه توسيع نفوذه في أفغانستان. قد تبدو تلك البلاد بعيدة من تركيا كي تؤمّن له مكسباً مباشراً. لكنّ المرجّح أنّ حساباته هناك تنطلق من أهمية توطيد علاقاته مع الأقليات التركية في أفغانستان، والأهم، من فكّ عزلة بلاده الإقليمية والدولية. ومفتاح هذا الباب يحمله نظيره الأميركي جو بايدن. بوصول الأخير إلى الرئاسة، أدرك إردوغان أنّ سنوات العسل الأربع التي كانت تجمع أنقرة بالبيت الأبيض قد انتهت. حتى قبل مغادرة ترامب الرئاسة، فرضت إدارته عقوبات على أنقرة بسبب شرائها منظومة "أس-400" الروسية. إذاً، كانت الرياح تتغيّر تدريجياً في غير مصلحة السفينة التركية، حتى وجدت نفسها وسط عزلة إقليمية ودولية متزايدة.

 

لكن من حيث يدري أو لا يدري، قدّم بايدن بطريقة مجانية طوق نجاة لأنقرة من المشاكل المتراكمة. عبر انسحابه من أفغانستان في ظلّ تقدّم ميداني سريع لـ"طالبان"، أهدى الرئيس الأميركي فرصة لنظيره التركي كي يتولى حماية أمن مطار كابول. يتناقش الطرفان منذ فترة حول ما يستطيعان تقديمه لبعضهما مقابل هذا الهدف. ولم يخلُ لقاؤهما في قمة "حلف شمال الأطلسي" الشهر الماضي من تبادل وجهات النظر حول هذا الملف. لكن حتى لو وافقت إدارة بايدن على شروط تركيا كي تواصل حماية أمن المطار، أي المنفذ الوحيد لأفغانستان على العالم الخارجي، لا يتوقع كثر نجاح المهمة التركية.

 

تحذيرات وسؤال

أطلقت "طالبان" تحذيراً واضحاً للجيش التركي من محاولة البقاء في البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية والأطلسية. يراهن أردوغان على أنّ "طالبان" قد تتردد كثيراً قبل استهداف قوات دولة ذات غالبية مسلمة. وقد يراهن أيضاً على أنّ خطاباته التي غالباً ما تحمل "لواء الدفاع عن الإسلام" تشكل عاملاً إضافياً في حماية قواته. حتى اليوم، يبقى هذا التحليل قيد التخمين. ففي 10 حزيران الماضي، قال المتحدث باسم مكتب الحركة في قطر سهيل شاهين إنّ "تركيا كانت جزءاً من قوات الناتو خلال السنوات العشرين الأخيرة، وبالتالي عليها أن تنسحب من أفغانستان بناء على الاتفاق الذي وقعناه مع الولايات المتحدة في 29 شباط 2020".

 

التهديد الأقسى جاء على لسان الناطق باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد الذي قال إنّ مسؤولية أمن المطار وأماكن أخرى تقع على الأفغان. وقال إنّه "لو أرادت قوات أجنبية الاحتفاظ بوجود عسكري هنا باسم أمن المطار، فلن يسمح الأفغان بذلك وسينظرون إليهم كغزاة، أكانت أنقرة أو أي دولة أخرى". بالمقابل، قالت تركيا إنّها لا تنوي إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان من أجل حماية المطار.

 

لتركيا حوالي 500 جندي في أفغانستان ضمن مهمات تدريبية وغير قتالية مع حلف شمال الأطلسي وقد أدارت العمليات اللوجستية والعسكرية في المطار طوال السنوات الست الماضية. وعضوية تركيا في "الناتو" قد تكون العقبة الأساسية أمام تقبّل "طالبان" للوجود العسكري التركي هناك.

 

في هذا الإطار، نقلت شبكة "بلومبيرغ" عن المحلل الاستراتيجي في "مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية" في أنقرة نهاد علي أوزجان قوله إنّه "من دون أن يكون هنالك اتفاق بين طالبان وتركيا لتشغيل مطار كابول مؤقتاً، فستكون مهمة مستحيلة بسبب المخاطر الأمنية الهائلة". وأضاف أنّ السؤال هو "من سيمنع طالبان من إطلاق قذائف المورتر أو الصواريخ على المدرج من بعيد؟".

 

الرهان على باكستان

في هذا الوقت، يواصل وزيرا الدفاع التركي خلوصي آكار والأميركي لويد أوستين المحادثات اليوم بشأن تشغيل مطار كابول والدعم السياسي والمالي واللوجستي الذي تطالب به تركيا لإنجاز مهمتها. لكنّ المساعدة الأهم قد لا تأتي من واشنطن إنما من إسلام آباد. تنظر تركيا إلى باكستان كدولة تتمتّع بنفوذ داخل "طالبان" من أجل كبح الحركة عن تهديد قوّاتها.

 

اقترح إردوغان بعد قمة الناتو انخراط باكستان والمجر في المهمة الأفغانية المرتقبة. الردود الباكستانية الأولية على المقترح كانت إيجابية. في حديث إلى وكالة "الأناضول" التركية، قال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الباكستاني مشاهد حسين سيد "إننا نرحب بإعلان الرئيس أردوغان. إنه تطور إيجابي جداً" مضيفاً أنّ إسلام آباد وأنقرة لاعبان أساسيان في "السلام، الأمن والاستقرار في أفغانستان، لكونهما يتشاركان ثقة وصداقة متجذرتين. أمّا بعيداً من اللياقات الديبلوماسية، فيمكن أن تكون باكستان قد صاغت أجندتها الخاصة في أفغانستان.

 

الكاتب السياسي المتخصص في شؤون التركية في موقع "ألمونيتور" متين غورجان يعتقد أنّ لباكستان أولويّات أخرى في أفغانستان، من بينها إجهاض أيّ حلم باشتوني لتحقيق دولة مستقلة حيث قبائل البشتون في باكستان أكبر من تلك الموجودة لدى جارتها. وتصعّب المصالح الاقتصادية الخاصة والخلافات المائية مع أفغانستان تحوّل باكستان إلى حليف موثوق به لتركيا في كابول. ويضيف غورجان أنّ إسلام آباد قد تفضل وجوداً عسكرياً تركياً في أفغانستان بالمقارنة مع الوجود العسكري الأميركي، لكنّ الأفضلية الأولى لها هي تحريكها لنظام "طالبان" الذي وصفه بـ"الدمية" بيد باكستان.

 

مع ذلك، ليس واضحاً مدى قدرة باكستان على تقييد مصالح تركيا في أفغانستان. فالأولى تسعى إلى تعزيز الروابط معها خصوصاً في المجال الدفاعي حيث ترغب بشراء طائرات تركية من دون طيار. لكنّ غورجان يشير إلى أنّ باكستان ناورت حتى الولايات المتحدة في أفغانستان. وهذا يعني ضمناً أنها قد لا تتوانى عن اتّباع السياسة نفسها مع تركيا في المستقبل. ومع افتراض حسن نية إسلام آباد في مساعدة أنقرة، يبقى أنّ "طالبان" هي "هيكلية مظلّيّة" لا تصغي جميع فروعها للاستخبارات الباكستانية بحسب الكاتب السياسي في مجلة "الشؤون الدولية" الروسية أندريه عيساييف.

 

هل تورّط تركيا نفسها في المستنقع الأفغاني كما فعلت قبلها موسكو وواشنطن؟ وأيّ خدمة قد تقبل بها أنقرة مقابل المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها المهمة؟ وهل تستأهل هذه المهمة تضحيات جمّة محتملة في سبيل نيل رضا واشنطن؟ أسئلة ربّما لم ينتهِ الأتراك من طرحها على أنفسهم حتى اليوم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم