الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ليست أفغانستان... أوكرانيا تبعثر رهان بوتين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 2021 - "أ ب"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 2021 - "أ ب"
A+ A-

قبل شنّ روسيا "العملية العسكرية الخاصة" على أوكرانيا، كانت التقديرات الغربيّة تشير إلى أنّ أيّ حرب روسيّة ستسقط كييف خلال أربعة أيام تقريباً. على سبيل المثال، ومع انطلاق العمليات العسكرية، نقلت مجلّة "نيوزويك" عن ثلاثة مسؤولين أميركيّين توقّعهم سقوط كييف بعد 96 ساعة من بداية الاجتياح الروسي على أن تسقط الحكومة الأوكرانية بعد نحو أسبوع. وأعرب مسؤول استخباري أميركي سابق عن التوقع نفسه: "بعد نهاية القصف الجوّيّ والمدفعيّ وبدء الحرب البرية فعلاً، أعتقد أنّ كييف ستسقط في أيام قليلة. قد يدوم الجيش لفترة أطول بقليل".

 

في 25 شباط، قال مسؤولان أمنيّان أيضاً لشبكة "سي أن أن" إنّ التوقعات الأساسية التي كانت سائدة قبل الحرب لا تزال كما هي: احتلال العاصمة الأوكرانية خلال يوم إلى أربعة أيام. وذكرت تقارير أخرى من بينها لشبكة "بلومبيرغ" أنّ كييف قد تسقط "في غضون ساعات".

 

يبدو أنّ هذه التوقّعات لم تصدق، علماً أنّ التطوّرات يمكن أن تتسارع باتّجاه أو بآخر في الساعات المقبلة. لكنّ الضغط سيزداد بلا شكّ على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحقيق انتصار قبل أن تطول فترة الحرب. فعقوبات الغرب تتصاعد وكذلك دعمه العسكريّ لكييف. لماذا وجد (أو وضع) بوتين نفسه في هذا الموقف الصعب هو الشغل الشاغل لمراقبي شؤون الكرملين. كان من المرجّح أن يتحرّك الرئيس الروسيّ لتغيير الوضع السياسيّ و/أو العسكريّ في أوكرانيا قبل الانتخابات الرئاسيّة المقبلة.

 

التوقيت

"هل يضمّ بوتين الدونباس قبل 2024؟"، طرح "النهار العربي" هذا السؤال في 20 أيلول 2021. اليوم، قد يكون بوتين في وارد ضمّ كلّ أوكرانيا. ثمّة أهداف كثيرة لهذا التحرّك، منها ما يتعلّق بإرث بوتين كرئيس أعاد توحيد النواة السلافيّة للاتحاد السوفياتي، ومنها ما يتعلّق بمنع حلف شمال الأطلسيّ (ناتو) من التوسّع شرقاً. كذلك، يعدّ إرضاء النخب التي تشكّل أداة حكمه مسألة أساسيّة في حسابات بوتين. ضمّ دونباس، أو أوكرانيا بأكملها ربّما، عامل أساسيّ في إرضائها.

لكن لماذا اختار بوتين التحرّك قبل عامين تقريباً من الانتخابات؟ ربّما لأنّ هذه الفترة الزمنيّة "آمنة" للتأكّد من أن تكون العمليّتان العسكريّة والسياسيّة قد أُنجزتا على أبواب الاستحقاق الرئاسي. لكن في الوقت نفسه، تعدّ فترة عامين طويلة نسبيّاً خصوصاً أنّها ستترافق مع تدهور الوضع الاقتصادي بسبب العقوبات الغربية المتوقعة. بذلك، يصبح أيّ انتصار للكرملين في أوكرانيا مكلفاً وعبئاً على استحقاق رئاسي يريد بوتين الفوز فيه بنسبة تتخطّى 70%. فأيّ نسبة تتدنى عن هذا الهامش، تعني أن الرئيس الروسي أصبح ضعيفاً، أو أضعف من قبل.

 

بعد ضمّ القرم، ارتفعت شعبيّة بوتين إلى 88% وظلّت أعلى من عتبة 80% طوال السنوات الثلاث التي أعقبت هذا الضمّ. وفي انتخابات 2018، حصد بوتين 77% من الأصوات. وحصد التصويت على التعديل الدستوري الذي يتيح له البقاء حتى سنة 2036 تأييداً بنسبة 78% في 2020. لكن بحسب استطلاع رأي نُشر في شباط 2021، أيّد 48% فقط من الروس ولاية خامسة للرئيس الحالي. ربما تشكّل هذه الأرقام عاملاً في الحسابات التي دفعت بوتين إلى استعجال الحرب. في الغالب، انصبّ الرهان الأساسي على معركة سريعة وحاسمة في أوكرانيا تنتهي عسكرياً وسياسياً في غضون أشهر قليلة، مع توقّع عقوبات اقتصادية إضافية لكن غير شاملة. بذلك، يصل الروس إلى صناديق الاقتراع في 2024 وفي أذهانهم فقط صورتا الانتصار العسكري وإعادة دمج أو "تحييد" أوكرانيا، مع تداعيات اقتصادية شبه جانبيّة على أوضاعهم المعيشية.

 

العامل الأهمّ

ثمة عامل أكبر يمكن أن يضاف إلى حسابات الكرملين، على الرغم من أنّه غير مرتبط بروسيا: الانسحاب الأميركيّ الكارثي من أفغانستان. التقط بوتين مؤشّرات ضعف من الإدارة الأميركية بأنها غير راغبة بالقتال في أفغانستان على الرغم من استثمارها البشري والمالي في البلاد على مدى عشرين عاماً. في الحسابات الأولية، للأمن القومي الأميركي مصلحة أكبر في أفغانستان (حماية من الإرهاب المستقبلي)، بالمقارنة مع هذه المصلحة في أوكرانيا. بحسابات مالية بسيطة، استثمرت الولايات المتحدة 84 مليار دولار في القوات الأفغانية، و2.7 ملياري دولار في القوات الأوكرانية.

 

لكنّ الحسابات لم ترتبط فقط بـ"ضعف" الإرادة الأميركية في مواجهة خصومها أو في الوقوف إلى جانب حلفائها، علماً أن هذا التقدير لم يكن دقيقاً في الملف الأوكراني. ما يشير إليه مراقبون أيضاً، ولعله النقطة الأهم في هذا الجانب، هو وقوع بوتين في خطأ تشبيه الجيش الأوكراني بالجيش الأفغاني. الكاتبة السياسيّة في مجلة "بوليتيكو" زويا شفتالوفيتش رأت أنّه "حين غادر الغرب أفغانستان السنة الماضية، كان من شأن سرعة ونجاح استيلاء طالبان على البلاد أن يسعدا بوتين... ربما ظن بوتين أنه سيتوغل في كييف بالطريقة نفسها التي توغلت بها طالبان في كابول، مواجهاً مقاومة ضعيفة من الأوكرانيين".

وتابعت أن بوتين يبدو أنّه توقع إلقاء الأوكرانيين أسلحتهم وأن يهرب رئيسهم فولوديمير زيلينسكي (كما فعل بالمناسبة الرئيس الأفغاني أشرف غني) مفسحاً المجال أمام حلفاء موسكو. "لكن بوتين قلّل من أهمية أوكرانيا" و"أيضاً من أهمية زيلينسكي".

 

بين ما توقّعه وما حصل عليه

بالنظر إلى التقارب الزمني النسبي بين الانسحاب الأميركي من أفغانستان والتحرك العسكري الروسي في أوكرانيا، يصعب إسقاط وجود علاقة سببية بينهما. ربما ظن بوتين أن الغرب لم يصحُ من كبوته، وأن الوقت ملائم لاستغلال ذلك وتوجيه ضربة عسكرية قبل تمكن الناتو من استنهاض قواه بعد كارثة آب الماضي. لكن كل هذه الحسابات المحتملة اصطدمت بميدان مفاجئ. ليس الواقع في أن الغرب كان قد ضمّد جراح الانسحاب من أفغانستان وطوى تلك الصفحة المؤلمة بالضرورة، بمقدار ما أن صمود الأوكرانيين هو الذي يمكن أن يكون قد دفعه إلى الاتحاد بسرعة والردّ بشمولية على روسيا.

كما كتبت شفتالوفيتش: "إذاً، توقع بوتين أفغانستان في 2021. لكنه حصل على أفغانستان في 1979".

 

نُقل عن "النهار العربي"

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم