الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيف تمكّن أوربان من الفوز بولاية رابعة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يحيّي أنصاره بعد فوز حزبه في انتخابات الأحد التشريعية - "أ ب"
رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يحيّي أنصاره بعد فوز حزبه في انتخابات الأحد التشريعية - "أ ب"
A+ A-

"من دون الرغبة بأن أبدو درامياً بشكل مفرط، إنها مأساة. يبدو وكأنها نهاية أي أحلام قد تراود المرء بشأن الديموقراطية في المجر".

هذا ما قاله مسؤول في الاتحاد الأوروبي لوكالة "رويترز" تعليقاً على فوز حزب "فيدس" بالانتخابات التشريعية التي نظمت يوم الأحد. كانت النتيجة مشابهة لما توقعته استطلاعات الرأي. لكن ما عجزت الأخيرة عن توقّعه بدقّة هو نسبة النجاح، حيث فاز الحزب على معارضيه بهامش أوسع من التقديرات الأساسية.

بعد فرز نحو 99% من الأصوات، حصد الحزب قرابة 53% من الأصوات مقابل 35% للائتلاف المعارض الذي يضم ستة أحزاب. ومن المرجّح أن يحقّق الحزب نتيجة أفضل من تلك التي حقّقها في 2018 مع إضافة نحو 4% من الأصوات على رصيده السابق. وقاربت نسبة المشاركة أيضاً مستويات 2018 القياسية، مع إقبال إلى صناديق الاقتراع بلغ 67.8%.

 

حرب وخلافات

نظمت المجر انتخاباتها في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا. ووصف أوربان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنّه كان "أحد الخصوم" في هذه الانتخابات. بينما كان زيلينسكي قد وصف المجر بأنها "غصن روسي في أوروبا" وحض القادة الأوروبيين على "التوقف عن الإصغاء إلى أعذار بودابست".

ضمّ أوربان أيضاً الإعلام الدوليّ و"بيروقراطيي" بروكسل إلى لائحة خصومه. لخّص رئيس الوزراء المجري الحملة بكونها خياراً واضحاً بين "السلام والحرب" متّهماً الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا بأنّهما يريدان جرّ بلاده نحو الحرب. ويعدّ أوربان من أقرب الساسة الأوروبيين إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بالمقابل، تتهم أوروبا رئيس الوزراء وحزبه بتقويض حكم القانون والقيم الليبيرالية وحقوق الإنسان. وفي ذروة أزمة اللجوء سنة 2015، بنت المجر سياجاً على حدودها الجنوبية لمنع اللاجئين من دخول أراضيها.

وقال أوربان أمام مناصريه إنّ الانتصار الذي تحقق كبير إلى درجة أنه "يمكن رؤيته من القمر، ولكن بالتأكيد من بروكسل أيضاً". ويؤكّد أوربان أنّ السياسات المحافظة هي المستقبل لا الماضي.

 

خطوة أوروبية نادرة

بفعل مزج القانون الانتخابي للنظامين النسبي والأكثري، من المرجّح أن يحظى أوربان بغالبية ثلثي عدد المقاعد البرلمانية. ورفض أوربان نقل الأسلحة إلى أوكرانيا المجاورة وفرضِ عقوبات نفطية عليها. واتهم وزير خارجيته المعارضة بالتنسيق مع أوكرانيا من دون تقديم أدلّة. بينما أيّد مرشّح المعارضة بيتر ماركي-زي انضمام بلاده إلى بولونيا والمملكة المتحدة وآخرين في حملة إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا. وذهب أبعد من ذلك مع تأييد فكرة إرسال قوات إلى تلك البلاد بشرط أن يحصل ذلك ضمن خطة أطلسية متكاملة.

بعد الخسارة، قال ماركي-زي أمام مناصريه إنّه لا يجادل في انتصار حزب "فيدس" لكنّه يجادل في توصيف الانتخابات بأنّها ديموقراطية ومؤمّنة لفرص متساوية. وحصل ماركي-زي على خمس دقائق فقط كي يروّج لبرنامجه الانتخابي على الإعلام الرسميّ. ولقي أوربان انتقادات أوروبية بسبب سيطرته المتزايدة على الفضاء الإعلامي كما على القضاء. وأرسلت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مهمة كاملة لمراقبة الانتخابات، وهي خطوة نادرة لها على مستوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وانطلق ائتلاف "متحدون من أجل المجر" من موقع أفضل أوائل السنة الحالية مع استطلاعات رأي أظهرت نتائج متقاربة، قبل أن ينجح "فيدس" في توسيع الفارق. وفاز ماركي-زي بالانتخابات التمهيدية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 ونظرت إليه المعارضة على أنه بديل محافظ مقنع عن أوربان بعدما فاز بمنصب العمدة في أحد معاقل "فيدس" سنة 2018. لكنّ حملته واجهت انتقادات بسبب انعدام الخبرة وسوء التنظيم بحسب "فورين بوليسي".

 

أسباب الفوز

يبدو أنّ الحزب الحاكم استفاد أيضاً من الحرب على أوكرانيا بحسب تقرير لشبكة "أورونيوز". عادة ما تدفع الحروب والازمات الدولية الناخبين إلى تأييد أولئك الموجودين في الحكم. واتّهم "فيدس" المعارضة برغبتها جرّ المجر إلى الحرب، بدلاً من الحفاظ على الوضع المحايد للبلاد ومواصلة استجرار الطاقة من روسيا، بحسب السردية الرسمية. وقال أوربان إنّ نقل السلاح إلى أوكرانيا سيجعل بلاده هدفاً لروسيا.

تحصل المجر من روسيا على 85% من حاجاتها للغاز و64% من حاجاتها النفطية. وأصبحت المجر أول دولة أوروبية تشتري لقاح "سبوتنيك-في" الروسي لمواجهة فيروس "كورونا". وكان أوربان قد قبل بدعم العقوبات الأوروبية على روسيا وشجب غزوها لأوكرانيا. لكنّه لم يتّخذ إجراءات أبعد من ذلك ممّا جعله عرضة لانتقادات كييف. كذلك، قالت بودابست إنّها استقبلت نحو نصف مليون لاجئ أوكراني وإنّها دعمت انضمام كييف السريع إلى الاتحاد الأوروبي.

لم يكن تخطّي أوربان للإشكالية التي يفرضها غزو أوكرانيا على بلاده أمراً سهلاً. سوّق أوربان لنفسه على أنّه شخصيّة تتمتّع بالخبرة في الشؤون الدولية، لكنّ مواقفه بدت متناقضة. كانت بلاده تصوّت لصالح اتخاذ قرارات محدّدة في بروكسل قبل أن تنتقد تلك القرارات نفسها بعد عودة الديبلوماسيين إلى البلاد، بحسب تقرير للخبير في الشؤون الانتخابية المجرية روبرت لاسزلو بمركز "هينريخ بويل فاونديشن" الألماني. حوّل أوربان مسألة "الشرق في مواجهة الغرب" إلى مسألة "الحرب في مواجهة السلام" ممّا وضع المعارضة في موقف صعب وفقاً للخبير نفسه.

علاوة على ذلك، لا تحتلّ مسائل الديموقراطية وحكم القانون الأولوية على أجندة الناخبين المجريين بحسب أكثر من مراقب، من بينهم الباحث في مركز "حلول سياسية" ومقرّه بودابست أندراس بيرو-ناغي. وقال لشبكة "أورونيوز" إنّ القضايا الأساسية بالنسبة إلى المجريين هي ارتفاع كلفة المعيشة وانخفاض الأجور ووضع الرعاية الصحية وتدني المعاشات التقاعدية. وفي حديث إلى مجلة "فورين بوليسي" قال دانيال هيغيدوس من "صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة" إنّه بالنسبة إلى المجريين، تبدو سردية السلام جذابة لأنها تعدهم بعدم دفع الفاتورة الاقتصادية للحرب. وأشار إلى أنّ الاقتصاد المجري ازدهر تحت قيادته.

 

سؤالان للمرحلة المقبلة

قد يتأكد أوربان من صحّة خياراته السياسية وصوابية خطاباته الحادة ضد الاتحاد الأوروبي فيقرّر مواصلة تحدّي بروكسل. لكنّه بحاجة أيضاً إلى المنح والقروض الأوروبية لمواجهة تداعيات "كورونا". وتمنع بروكسل تحويل أكثر من 7 مليارات الدولار من هذه المنح إلى المجر (وبولونيا) بسبب اتهامات بانتهاك مبادئ الاتحاد. رأى المؤرّخ تيموثي غارتون آش في صحيفة "الغارديان" أنّ على أوروبا أن تقسو على "العدو الروسي في الخارج والعدو المجري في الداخل". وأضاف: "لكن هل يمكنها وهل ستفعل ذلك مع كليهما في آن معاً؟"

لا شكّ في أنّ مراقبين كثراً يرغبون في معرفة الجواب.  

 
*نُقل عن "النهار العربي"

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم