الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"انتصار مزدوج"... بوتين مهتمّ ببديل للوكاشينكو؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو خلال قمة في مينسك، 2016 - "أ ب"
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو خلال قمة في مينسك، 2016 - "أ ب"
A+ A-

أطلق قرار الرئيس البيلاروسيّ ألكسندر لوكاشينكو في شأن إجبار طائرة متوجّهة إلى ليتوانيا على الهبوط في مطار مينسك، ارتدادات أوروبية. أثار أكثر من إشكاليّة، بدءاً بذريعة تنفيذه عبر الزعم بوجود قنبلة على متن الطائرة، مروراً بإجبارها على تحويل مسارها قبل دقيقتين فقط من دخول المجال الجوّيّ الليتوانيّ، وصولاً إلى الغاية من ورائه وهي اعتقال معارض بيلاروسيّ بارز. الاتّهامات التي وُجّهت إلى لوكاشينكو بأنّه مارس "قرصنة جوية برعاية رسميّة" ملأت البيانات الرسميّة والتحليلات الصحافيّة.

 

تجد أوروبا نفسها أمام معضلة جديدة. إنّها المرّة الأولى التي تقوم فيها دولة أوروبية بتهديد المجال الجوّيّ الأوروبيّ. في آب 2020، انفجرت الأزمة في بيلاروسيا بعد إعلان لوكاشينكو فوزه في انتخابات رئاسيّة "مزوّرة" بحسب بيانات الاتحاد الأوروبيّ والمعارضة. ردّ الأمنيّون بالعنف على تظاهرات المعارضين ونجحوا إلى حدّ بعيد في قمعها. يبدو أنّ بروكسيل تدفع حاليّاً ثمن صرف النظر عن تلك الأزمة، إضافة إلى ثمن انقساماتها المعتادة في السياسة الخارجيّة. وربّما هي تدفع أيضاً ثمن التنازلات الكبيرة التي قدّمتها ألمانيا والولايات المتحدة إلى روسيا في ما يتعلّق بطريقة الردّ على كيفيّة تعامل الأخيرة مع المعارضين. وضعَ كلّ ذلك لوكاشينكو في وضع مريح فلم يتوقّع ردّ فعل قويّاً من الغربيّين.  

 

حسابات موسكو... انتصار مزدوج؟

الوضع بالنسبة إلى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين بعد الحادثة قد يبدو معقّداً. يرى البعض أنّ ذلك الحادث يسبّب مشكلة له لكن أيضاً فرصة ثمينة في آن. من جهة، ستزداد العزلة الدوليّة على لوكاشينكو، الأمر الذي يدفعه للارتباط بروسيا أكثر. فقبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حاول الرئيس البيلاروسيّ بناء بعض العلاقات مع الغرب لتأمين نوع من الاستقلاليّة عن موسكو. تؤمّن تداعيات خطوة لوكاشينكو الأخيرة ضمانة إضافيّة لروسيا بأنّ مينسك لن تخرج من فلكها السياسيّ. مع ذلك، يعتقد آخرون أنّ ما فعلته مينسك مع طائرة "ماهان إير" لم يتحقّق من دون تنسيق مع موسكو، بالنظر إلى معاهدة دفاعية تعود إلى التسعينات وتظهر شكلاً من أشكال الترابط في المجال الجوّيّ لكلتا الدولتين.

 

هذا التناقض في ما يمثّله لوكاشينكو من مشكلة وفرصة في آن يمكن أن يستفيد منه بوتين على المدى البعيد عبر انتزاع تنازلات من الغربيّين في مقابل قبوله باستبدال لوكاشينكو. بحسب هذه الفرضيّة، ستحقّق موسكو "انتصاراً مزدوجاً" عبر توريط الغرب في عمليّة تهمّ روسيا، وعبر وضع شخصيّة أقلّ حنكة من لوكاشينكو في مينسك، لن تسعى كما فعل الأخير، إلى الاستثمار في تأليب الغرب والروس ضدّ بعضهم البعض لمصلحتها الخاصّة.

 

نتائج ضبابية

تعبّر هذه الفرضيّة عن سيناريو متطرّف بالرغم من أنّه ليس منعدم الاحتمال. فعلى الغرب أوّلاً أن يتقدّم من موسكو بطلب الضغط على لوكاشينكو كي تدرسه. ما من مؤشّرات أوروبّيّة حاليّة إلى ذلك. من جهة ثانية، ثمّة علامات استفهام حول الشخصيّة البديلة للوكاشينكو. للخروج من حالة اللا-استقرار التي تعيشها البلاد، من المرجّح أن تكون تلك الشخصيّة مراعية إلى حدّ ما لمطالب المتظاهرين. هل بإمكان بوتين القبول بشخصيّة كهذه تحظى بمباركة المعارضة والغربيّين؟ يصعب توقّع ذلك.

 

على أيّ حال، تعبّر هذه الإشكاليّة عن صعوبة الأخذ بسيناريو "الانتصار المزدوج" لأنّ نتائجه ضبابيّة. علاوة على ذلك، يبدو أنّ كلّ العقوبات الأوروبّيّة تستهدف بيلاروسيا لا روسيا. وهذا يعيد طرح سؤال آخر عن سيناريو استبدال لوكاشينكو برئيس آخر أقلّ حنكة منه، طالما أنّ الضغوط الغربيّة حرمت الرئيس البيلاروسيّ الحاليّ من إمكانيّة المناورة. والدول القريبة من بيلاروسيا مثل ليتوانيا وأوكرانيا وبولونيا أصبحت مراكز بارزة لتجمّع المعارضين البيلاروس. وهذا دليل إضافيّ إلى العزلة المتزايدة التي يعاني منها لوكاشينكو.

 

أسباب أخرى

إنّ تغيير الرئيس البيلاروسيّ يعني بطريقة أو بأخرى أنّ ثورة "ملوّنة" – بحسب المفهوم الروسيّ – قد نجحت في نهاية المطاف بإطاحة رئيس يدور في فلك الكرملين بصرف النظر عن بعض تصرّفاته السابقة. علاوة على ذلك، يتمتّع الرئيس البيلاروسيّ بجهاز أمنيّ واسع خارج الحدود قادر على اغتيال معارضين في الخارج. وليس مستبعداً أن يكون جهاز استخباريّ بيلاروسيّ في مطار أثينا قد أبلغ الأمنيّين في مينسك عن صعود المعارض رومان بروتاسيفيتش على طائرة "ماهان إير".

 

وثمّة تقارير أشارت إلى وجود مواطنين روس على متن الطائرة يشتبه في أنّهم عناصر مخابراتيّة. تظهر هذه المؤشّرات احتمال وجود تنسيق أمنيّ كبير بين البيلاروس والروس في هذه العمليّة. ويصعب أيضاً استبعاد وجود تشابك أمنيّ عميق بين موسكو ومينسك يمتدّ سنوات إن لم يكن عقوداً إلى الوراء. ولا شكّ في أنّ لوكاشينكو نفسه أدّى دوراً محوريّاً في بناء هذه الشبكة. وهذا عامل إضافيّ يقلّل من وجود اهتمام روسيّ مباشر بالتخلّص من لوكاشينكو.  

 

خطوات حديثة لافتة

منذ خمسة أيّام، استقبل بوتين لوكاشينكو في سوتشي. قلّل الرئيس الروسيّ من أهمّيّة الحادث. وقال إنّ الاتّحاد الأوروبّيّ يعتمد معايير مزدوجة مشيراً إلى أنّ طائرة كانت تحمل الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس من موسكو، مُنعت من دخول أجواء دول أوروبية عدّة إبّان مطاردة الولايات المتحدة إدوارد سنودن الذي كان لاجئاً في روسيا. وأضاف أنّ الصمت الأوروبّيّ ساد سنة 2013، حين تمّ إجبار الطائرة البوليفيّة على تحويل مسارها باتّجاه مطار فيينا.

 

خلال الزيارة الأخيرة، ذهب الرئيسان في جولة على متن سفينة في البحر الأسود. ووافقت موسكو على تقديم قرض ثانٍ بقيمة 1.5 مليار دولار إلى مينسك بعدما قدّمت إليها قرضاً سابقاً بقيمة 500 مليون دولار في تشرين الأوّل الماضي لإعادة تأسيس الاستقرار في البلاد. توحي جميع هذه التطوّرات بأنّ خطّة روسيّة للإطاحة بلوكاشينكو غير مطروحة. فالستاتيكو الحاليّ مفيد، إن لم يكن مثاليّاً حتى، بالنسبة إلى موسكو. أقلّه، في الوقت الراهن.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم