الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف حاصر بايدن نفسه في أفغانستان؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ف ب"
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ف ب"
A+ A-

بطريقة غير مقنعة للبعض، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن انسحاب جميع القوات الأميركيّة من أفغانستان بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول. كان يُفترض أن يتمّ الانسحاب في موعد أقصاه 1 أيار، وفقاً للاتفاق الذي وقعته الإدارة السابقة مع حركة "طالبان" في 29 شباط 2020. لم يلتزم بايدن باتّفاق ترامب بشكل كامل، لكنّه لم يخيّب ظنّ كثر ممّن يؤيّدون دوراً عسكريّاً أقلّ للولايات المتحدة حول العالم. مع ذلك، أعطى الناقدين ومؤيّدي الدور الأميركيّ الموسّع عالميّاً حجّة لتوصيف خياره السياسيّ بـ"الاستسلام".

 

معضلة

خيارات بايدن ضئيلة فعلاً. الحكومة الأفغانية غارقة في الفساد كما أنّها منقسمة وغير فعّالة، إضافة إلى أنّ الاقتصاد الأفغانيّ على شفير الانهيار. أمّا الجيش الأفغانيّ فهو "كارثة" بحسب المفتّش الأميركيّ العام لمشروع إعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو.

 

ورث بايدن الفوضى الأفغانيّة عن أسلافه. واستفادت "طالبان" من الفساد الحكوميّ في أفغانستان ومن الدعم الكبير الذي قدمته باكستان لعناصرها، على صعيد توفير الملاذ والمساعدات العسكرية. وكلّفت الحرب، الولايات المتحدة، حوالي 2500 قتيل وأكثر من تريليوني دولار. إذا تمّت مقاربة هذه الأرقام من حيث النظرة الإجماليّة فالكلفة تبدو هائلة. لكنّ التفاصيل تظهر أنّ تلك الكلفة الباهظة أصبحت من الماضي. فأكلاف الحرب البشريّة والمادّيّة على الأميركيين انخفضت في السنوات الأخيرة بين 90 بالمئة و95 بالمئة. بالتالي، أمكن بايدن أن يمدّد بقاء قوّاته في أفغانستان بالتزامن مع محاولة أخرى لبناء مسار سياسيّ جديد.

 

ليس هذا التوجّه مضموناً. لكنّ الانسحاب اليوم أو بعد بضعة أشهر سيترك كابول تنهار أمام هجمات "طالبان". في نهاية المطاف، اختار بايدن الالتزام باتّفاق ترامب مع تعديل طفيف قضى بتمديد مهلة الانسحاب من 1 أيار إلى 10 أيلول. لكنّه تعديل قد يهدم كلّ الاتّفاق.

 

ثمّة حسابات شخصيّة يمكن أن تكون قد دفعت بايدن إلى اعتماد هذا الخيار. قال الرئيس، الأربعاء، إنّه لا يريد أن يورّث الحرب الأفغانيّة إلى رئيس أميركيّ خامس. سيترك هذا الكلام أثراً إيجابيّاً لدى الناخبين. لكن لو نفّذ بايدن انسحابه الكامل في 1 أيّار، لكان سُجّل هذا الإنجاز انتخابيّاً لصالح ترامب، بما أنّ الرئيس الحاليّ لم يفعل سوى الالتزام بالاتّفاق السابق. ولو رفض الانسحاب لما حقّق مكسباً شعبيّاً كبيراً. اختار بايدن تأجيل الانسحاب لبضعة أشهر كي يضع "بصمة" خاصّة به على الاتّفاق وربّما ليؤكّد أنّ إدارته ليست في وارد الخروج بعجلة من البلاد. لكنّ التقارير الواردة من واشنطن لا تعبّر عن تأنٍّ في اتّخاذ القرار، ولا حتى عن اتّباع للأصول الديبلوماسيّة. فكابول لم تعلم بقرار الانسحاب الأميركيّ إلّا عبر الصحف.

 

غياب تناسق... وغياب لباقة؟

وجّهت واشنطن في آذار، عبر وزير خارجيتها أنطوني بلينكن، رسالة قاسية إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني، تضمّنت ما سمّاه آدم سوليتر من صحيفة "نيويورك تايمس" لغة يستخدمها تلميذ متنمّر لا مسؤول رسميّ. كتب بلينكن عبارات مثل "يجب عليّ أيضاً أن أوضّح لك، سيّدي الرئيس"، و"بما أنّ مسارنا السياسي يتواصل في واشنطن، لم تستبعد الولايات المتحدة أي خيار". بالنسبة إلى سوليتر، كان النص الفرعيّ غير المكتوب واضحاً: "نفوذك هو عند الحدّ الأدنى".

 

انتقد كثر أسلوب الرسالة، مذكّرين الإدارة بأنّها خرجت عن أصول التعاطي الديبلوماسيّ مع الرؤساء المنتخبين، علماً أنّ الإدارة تدّعي أنّها فعّلت الديبلوماسيّة مجدّداً. بطبيعة الحال، ثمّة مسؤوليّة كبيرة ملقاة على عاتق غني لأنّه لا يرغب بحكومة جديدة يكون خارجها. مع ذلك، طالت الإدارة انتقادات أخرى حول غياب التناسق في سياستها الأفغانيّة ممّا أدّى إلى انخفاض المعنويّات بين الشعب الأفغانيّ في مرحلة حرجة، خصوصاً لدى النساء اللواتي بدأن يهربن من البلاد. فما تبيّن من تلك السياسة، أنّ واشنطن تفرض ضغوطاً على كابول للحوار مع "طالبان" أكثر من فرضها الضغط على الأخيرة، خصوصاً لجهة تخفيف تصعيدها العسكريّ ضدّ القوّات الأفغانيّة وقطع علاقاتها مع تنظيم "القاعدة".

 

يبدو بايدن عاجزاً عن تحديد طريقة خروج واضحة من أفغانستان. باستثناء اختيار تاريخ رمزيّ لإنهاء الوجود الأميركيّ في البلاد، يبدو قرار تأجيل الانسحاب التام لبضعة أشهر فاقداً لأيّ معنى. إذا كانت واشنطن قد حقّقت هدفها من الحرب هناك أو لم تحقّقه، لن تغيّر أربعة أشهر إضافيّة النتائج السياسيّة والاجتماعيّة التي تمخّضت عن الحرب. بل على العكس من ذلك، تصبح أخطار مفاقمة الأزمة أكبر إذا استهدفت "طالبان" القوّات الأميركيّة بحسب تهديداتها السابقة فيما لو بقي الجنود الأميركيّون بعد 1 أيّار.  

 

ترامب فائز؟

الباحث في مؤسسة الرأي الأميركيّة "ديفنس برايوريتيز" ريتشارد حنانيا، يرى في حديث لشبكة "أن بي سي" الإخبارية، أنّ تأجيل بايدن الانسحاب الأميركيّ لبضعة أشهر قد يجعل ترامب الفائز الأكبر مع بقائه المرشّح الجمهوريّ الأفضل لانتخابات 2024. ففترة السماح التي أعطاها لنفسه قد تعرّض قوّاته للخطر ممّا يصعّب عمليّة الانسحاب. وحتى من دون تحقّق هذا الاحتمال، سيشعر بايدن بانّه تحت الضغط لـ"تحسين" الاتّفاق الأساسيّ الذي وقّعه ترامب الأمر الذي قد يحثّه على تأجيل الانسحاب. ويضيف حنانيا أنّه بفضل اتّفاق ترامب، لم يُقتل جنديّ أميركيّ واحد طوال سنة. لكن، إذا عاودت الحركة استهداف الأميركيين، فسيكون بايدن في موقع من يشنّ حرباً جديدة لا كمن يواصل حرباً قديمة، بما أنّ أفغانستان ابتعدت عن الواجهة الإعلاميّة الأميركيّة مؤخّراً. هذا يعطي الرئيس السابق فرصة للقول إنّه وضع خطّة للانسحاب فعرقلها بايدن بإرادته الخاصة.

 

لا يعبّر خيار بايدن الأفغاني عن حسابات شخصيّة بحتة. فهو وقف ضدّ قرار زيادة القوّات الأميركيّة في أفغاسنتان سنة 2009 حين كان نائباً لأوباما، إذ إنّه منذ ذلك الحين أبدى تشاؤماً إزاء الوضع في البلاد. علاوة على ذلك، تعهّد بايدن خلال حملاته الانتخابية إنهاء الوجود العسكريّ الأميركيّ في أفغانستان. بالتالي، لا ينفصل قراره عن رؤيته العامّة للسياسة الخارجيّة. لكن بما أنّ الرئيس أعلن عن خطّته لإعادة الترشّح إلى انتخابات 2024، سيكون عزل قراره الأفغانيّ عن الحسابات الانتخابيّة صعباً.

 

يبدو أنّه كان مستحيلاً على بايدن الالتزام بخطة سلفه كما هي، على الأرجح لأنّ الفضل سيُنسب لترامب. فحتى لو ساءت الأحوال وفقاً للاتّفاق الأساسيّ، كان بإمكان بايدن أن يتحمّل مسؤوليّة أقلّ عبر الإشارة إلى أنّه ينفّذ سياسة سلفه فقط. لكنّ التعديل غير المفهوم الذي أدخله من أجل تخليد "بصمته" على الاتّفاق، فيه مخاطرة: بالنسبة إلى الأفغان والحلفاء الأطلسيّين، إنّما أيضاً بالنسبة إلى الأميركيين.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم