"زنا المحارم" في مصر... علاقات غير مشروعة يحميها الخوف
تطرح دور العرض السينمائي في مصر فيلم "حظر تجوّل" في مناسبة احتفالات عيدي الميلاد والعام الميلادي الجديد. ولعرض الفيلم الذي يناقش قضية "زنا المحارم"، دلالة مهمة، فهو يأتي في وقت تؤكد فيه تقارير ومؤشرات عدة تزايد هذه العلاقات الجنسية غير المشروعة داخل إطار بعض الأسر المصرية، على نحو غير مسبوق، خصوصاً مع تفشي فيروس كورونا، وقضاء أوقات أكبر في المنزل.
وتدور حوادث الفيلم حول سيدة قضت 20 عاماً في السجن عقوبة على قتل زوجها، وبعد خروجها من محبسها واجهت ابنتها التي أصبحت شابة تطاردها بالأسئلة حول سبب قتلها أباها وحرمانها منه في سن مبكرة. لا تستطيع الأم إخبار ابنتها بالحقيقة نظراً الى حساسية السبب، وخوفاً على صحتها النفسية، ويتبين في نهاية المطاف أن السبب هو اعتداء الأب على ابنته الطفلة جنسياً.
وبينما يعكس "حظر تجوّل" جانباً من الواقع، خصوصاً في ما يتعلق بمدى حساسية الاعتراف بوقوع "زنا المحارم"، إلى الحد الذي دفع الأم الى أن تقبل بأن تبقى قاتلة ومذنبة في عين ابنتها، على أن تخبرها بحقيقة القصة، إلا أن ما طرحه الفيلم، يشكل مساحة صغيرة للغاية من مشهد كبير، تحيطه سرية شديدة، ولا تكشف معظم قصصه إلى العلن إلا بعد ارتكاب جريمة أو فضيحة مدوّية تكسر جدران الصمت، لتصبح مادة تتناولها وسائل الإعلام المصرية، بصورة مكررة، كل أيام أو بضعة أسابيع على الأكثر.
معالجة ضعيفة
وتقول صفاء عبد الرزاق، الصحافية والكاتبة المتخصصة في مجال السينما والفن لـ"النهار العربي": "ما زلنا نخشى من الحديث أو التفكير في شيء اسمه (زنا المحارم)، لقد تطرّق الفيلم على استحياء الى فكرة زنا المحارم، لكنه لم يناقشها بالشكل المفروض أن يتم تناولها به... لماذا؟ لأن صناع الفيلم قد يكون لديهم خوف رد فعل المجتمع".
وتتساءل الكاتبة التي حضرت عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي: "متى سنرى الدراما، والسينما تحديداً، تناقش هذا الموضوع؟ الإجابة هي: حين يقتنع المجتمع بأن الفن يعكس ما يحدث في داخله بالفعل، لا العكس. الناس تخاف دائماً من أن ترى الكوارث التي تسببها من خلال السينما، أو حتى من خلال نص مكتوب".
وتضيف: "أعتقد أن المشتغلين في صناعة السينما، وخصوصاً المؤلفين، يجب أن يعملوا على هذا الموضوع جيداً حتى يقتنع الناس بأن هذه المشكلة موجودة بالفعل في المجتمع، وأن الناس هي التي لا تريد تصديق ذلك".
مؤشرات واقعية

وبعيداً عن الشاشة الكبيرة، وعلى أرض الواقع، قد تشكل الظروف التي فرضها انتشار كورونا أحد العوامل التي تساهم في تزايد تلك العلاقات الجنسية غير المشروعة، على نحو أسرع.
وبينما لا إحصاءات رسمية تكشف عن حجم هذه الظاهرة، نظراً الى عوامل متباينة، تؤكد دراسات اجتماعية أن نسبة كبيرة من "زنا المحارم" تحدث في المناطق الأكثر فقراً، والتي يعاني سكانها من التكدس حيث تقيم الأسرة في شقة تتكون من غرفة أو اثنتين.
وتشير بيانات "غوغل تريندز" خلال الفترة بين عامي 2004-2020 إلى أن عمليات البحث عن كلمات متعلقة بـ"زنا المحارم" شهدت ارتفاعاً ملحوظاً، فيما لم تكن هناك عمليات بحث تذكر تقريباً قبل عام 2004.
إضافة إلى ذلك، فإن إحدى المنصات الإباحية الإلكترونية، التي تحتل الرقم 36 بين المواقع الأكثر زيارة في مصر، حالياً، وفق ترتيب شركة "إليكسا"، تكشف عن أن من بين التصنيفات الأكثر إقبالاً من زوارها في مصر، هو "زنا محارم" وكلمات ذات صلة، لذا فهو يضعها في صدارة الاقتراحات للزائرين القادمين من هذا البلد.
عوامل عدة
يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي لـ"النهار العربي": "زنا المحارم موجود عبر التاريخ، لكن الزيادة التي نلحظها في عياداتنا النفسية، تجعلنا نقول إن هناك زيادة ملحوظة عما سبق، وهي أحد تجليات الانهيار الثقافي الذي بتنا نعاني منه في مصر والمنطقة العربية".
ويوضح فرويز أن "زيادة هذا النوع من العلاقات الجنسية غير المشروعة، يرجع إلى عامل أساسي للغاية، وهو انتشار تعاطي المخدرات، خصوصاً (الابتريل) مع (الترامادول)، تخيل أن (الترامادول) يسبّب تهييجا للقدرة الجنسية، و(الابتريل) يتسبب في تغييب القدرة العقلية، المتعاطي يتحوّل شخصا لديه قدرة جنسية عالية وعقل مغيب، لذا يتصرف كالحيوان تماماً، وهو ما يجعله يبحث عن أي أنثى، سواء كانت أمه، أم أخته، أم جدته، فهو لا يستطيع التفريق".
ويضيف: "في بعض الأحيان يكون السبب مرضاً عقلياً، خصوصاً الفصام، ولكن معدلات حدوث ذلك تكون منخفضة للغاية، اوإصابة عضوية في المخ مثل ورم أو جلطة قد يتسبب في التحرش، وهذا أيضاً قليلاً جداً ما يحدث".
ويشير الاستشاري النفسي إلى أن "الشباب المراهق، يقع في (زنا المحارم) أحياناً، بسبب الهواتف الجوالة، وتصفح المواقع الإباحية، والقصص الجنسية التي يرويها له أصدقاؤه، فتحرك غرائزه. بعض الناس تقول يجب أن نغطي على الموضوع، لكن المشكلة هنا هي الضحية، ماذا نفعل معها. الجاني إذا كانت لديه مشكلة يمكن أن نعالجها، لكن المهم هو الضحية، لأنها لا تنسى ويستمر معها لسنوات، وخصوصاً إذا كانت طفلة وتجاوز عمرها 3 سنوات، فإن هذا الأمر يستمر معها لسنوات، ويؤثر في علاقتها بأسرتها ومن حولها".
خيارات محدودة
وترى داليا وصفي الباحثة والكاتبة في مجال حقوق المرأة إن "تسمية (زنا المحارم) تحتاج للمراجعة، لأن الزنا يكون عملية رضائية، لكن هذا النوع من الجرائم من الأفضل أن نسميه (اعتداء المحارم) لأنه يكون غالباً ناتجاً من الإجبار، والإجبار له أشكال عدة".
وتقول وصفي لـ"النهار العربي": "قد يكون الإجبار جسدياً، أو نفسياً (بالتهديد على سبيل المثال)، أو عاطفياً، والنوع الأخير قليل جداً، ومن بين قصصه: بعدما توفيت الأم، دخل الأب إلى ابنته من باب استجداء عطفها، حيث بكى وقال لها إنه يحتاج لمشاعر افتقدها بعد فقدان أمها، وطلب منها أن تحتضنه، ومرة تلو الأخرى تطور الأمر، حاولت الفتاة أن ترفض، لكنها لم تستطع، إلى أن دخلا في (زنا المحارم)".
وتضيف الكاتبة: "لو عدنا الى الإحصائيات فسنكتشف أنها غير دقيقة، لأن الضحايا غالباً لا تتحدث، فالمجتمع ما زال ينظر إلى الضحية على أنها تحمل العار، وأنها المسؤولة عما حدث. غالبية الضحايا لا يتكلمون إذا كان المعتدي شخصاً غريباً، فما بالنا إذا كان أحد الأقرباء أو أفراد الأسرة الصغيرة. كما أن الأسر، غالباً، تجبر الضحايا على الصمت".
وعن الحلول المقترحة توضح وصفي: "ليس لدينا الكثير من الخيارات في الوقت الراهن، وحتى تتضح أفكار واقتراحات جديدة، يعدّ رفع الوعي هو العامل الأكثر أهمية. من المهم أن نرفع الوعي في قضايا تحديد النسل، لأنه يؤدي لخفض التكدس الأسري، وبالتالي تقليل الاحتكاك".
وتؤكد الباحثة أن "نشر الوعي بشأن احترام الخصوصية أمر مهم للغاية، فأغلب الأسر لدينا لا تحترم الخصوصيات. أي فرد فيها يستطيع أن يدخل غرفة الآخر في أي وقت، وهذا يمحو الحدود الجسدية، وهو ما يسمح بإقامة هذه العلاقات".
وترى الكاتبة أن "الوعي سيجعل أي ضحية تستطيع الرفض بقوة، ومعرفة حقوقها، وأن المعتدي يتعدى حدوده، وإذا تمادى فسوف تبلغ عنه، وأن تكون لديها الجرأة لترك المكان والإبلاغ من دون الخوف من الفضيحة لأن العار على المعتدي لا عليها".
نبض