تضامُن مع شاعرة مصرية خضعت للتحقيق... "ازدراء الأديان" تُهمة تُستغلّ لملاحقة المثقفين
خضعت الشاعرة المصرية أمينة عبد الله لتحقيقات رسمية، بسبب بلاغ تقدم به أحد المحامين، يتهمها فيه بـ"ازدراء الأديان". وإثر إعلان نبأ بدء التحقيق مع الشاعرة، أطلق مثقفون ومستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي، حملة واسعة للتضامن معها، تحت وسم #أدعم_الشاعرة_أمينة_عبدالله.
وقررت النيابة العامة المصرية إخلاء سبيلها بكفالة قدرها 5000 جنيه مصري (قرابة 255 دولاراً أميركياً)، بعد الانتهاء من التحقيقات في الاتهامات الموجهة لها والتي ترتبط بديوانها الشعري "بنات للألم".
و"ازدراء الأديان" هو اتهام وجه للعديد من الباحثين والكتاب والأدباء المصريين على مدار العقود الأربعة الماضية، وقد أثار الكثير من السجالات منذ بدأ استغلال مادة بقانون العقوبات المصري، أضيفت عام 1982. ويعتبر مثقفون وحقوقيون أن تلك المادة باتت "أداة قمع" تستخدمها تيارات الإسلام السياسي، والمتشددون دينياً، لقتل الإبداع وقمع الآراء المخالفة والإبقاء على فهم أحادي لنصوص الدين الإسلامي.
وشهدت ساحات البرلمان، نهايات العام الماضي، مساعيَ من نواب مصريين تهدف لتعديل المادة التي تحمل الرقم 98 من قانون العقوبات المصري، والمعروفة إعلامياً بمادة "ازدراء الأديان"، ووصفت تلك المساعي بأنها مساندة لحرية الرأي والتعبير التي يكفلها الدستور، لكنها لم تسفر حتى الآن عن تغيير فعلي.
وطالب النائب أحمد مقلد، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين في مجلس النواب المصري، إبان تلك الفترة، بتشكيل لجنة للنظر في المادة التي قال عنها إنها "لم تهدف إلى ملاحقة الباحثين أو غلق باب الاجتهاد أمام طارقيه، بل قصدت تجريم استغلال الأديان، ما يضر بالوحدة الوطنية، وفقاً لمشروع القانون الوارد للمجلس حينها".
وكانت تلك المادة التي أضيفت إلى قانون العقوبات عام 1982 تهدف إلى التصدي للجماعات الدينية التي تثير الفتن الطائفية، مستخدمة الدين في التحريض على العنف الطائفي، لكن لم تستخدم في الغرض الذي شرعت لأجله، حسبما يؤكد باحثون وسياسيون مهتمون بحرية الرأي والتعبير.
موقف غامض
حتى كتابة هذه السطور، لا تعلم أمينة عبد الله إن كان إخلاء سبيلها تمهيداً لحفظ البلاغ المقدم ضدها، أم سيحال الأمر على القضاء.
وتقول الشاعرة المصرية لـ"النهار العربي": "تم استدعائي للتحقيقات صباح الأحد الماضي، ولم أكن أعلم على وجه الدقة ما هو سبب استدعائي، ولم أجهز أي ردود أو مذكرات أو أي شيء للرد على الاتهامات الموجهة ضدي، لأنني ببساطة لم أبلغ بما هي. وقد بقيت قيد الحبس، إلى أن أخلي سبيلي من قسم الشرطة، مساء يوم الثلثاء".
وتضيف أمينة "لا أعلم حتى الآن إن كان إخلاء السبيل تمهيداً لحفظ البلاغ المقدم ضدي، أم سيحال الأمر على القضاء، وإن كنت أتمنى أن يحال على القضاء المصري لأنني أثق في عدالته ونزاهته".
وعن السبب الذي تم التذرع به لتقديم البلاغ ضدها، وما إذا كان قصيدة في ديوانها الشعري أم الديوان كاملاً، تقول: "الأزمة بدأت قبل نحو عامين، في البداية كان الدافع هو قصيدة في ديوان "بنات للألم"، لكن تقرير مركز البحوث الإسلامية بالأزهر تحفّظ عن الديوان كاملاً".
أداة قمع
يقول الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي حسام الحداد لـ"النهار العربي": "نص المادة 98 التي أعتقد أنها تفسر حسب الهوى في قضية أمينة عبد الله، ورغم اعتراضي الكامل على هذه المادة، وأن وجودها حتى الآن يمثل سبة في جبين المصريين، إلا أنها لم تهدف - عند إضافتها لقانون العقوبات - إلى ملاحقة الباحثين، أو غلق باب الاجتهاد أمام طارقيه، بل قصدت تجريم استغلال الأديان، ما يضرّ بالوحدة الوطنية، وفقاً لمشروع القانون الوارد للمجلس حينها (عام 1982)".
ويرى الحداد أن المادة المثيرة للجدل "باتت تستخدم لملاحقة الباحثين والمبدعين فقط، وتترك المحرّضين على الكراهية والطائفية الذين يقومون بالفعل بتهديد وحدتنا الوطنية، وهم كثر، سواء كانوا منتمين لجماعات السلفية الجهادية أو غيرها، ولنراجع على سبيل المثال لا الحصر، فيديوهات: محمد حسان، وأبو إسحق الحويني، وياسر برهامي، وغيرهم، وهي متاحة على "يوتيوب"، ولنتابع قناة "الرحمة" الفضائية، وغيرها من برامج دينية تحرّض على الأقباط ليل نهار".
ويضيف الباحث في حركات الإسلام السياسي: "ليس هذا فقط، بل إنهم يحرّضون على الدولة نفسها، وعلى المجتمع المصري، ولم يرفع أحد عليهم قضية، ولم يراجعهم أحد. أما ما يحدث فهو ملاحقة الباحثين والمبدعين بمثل هذه القضايا، وخاصة الذين لهم موقف سياسي مناهض للمتشددين والمتطرفين دينياً".
ويعتبر الحداد أن الهدف من البلاغات التي تقدم ضد الباحثين والمبدعين هو "إرهابهم، ومحاولة تهديد الآخرين بقانون "ازدراء الأديان"، حتى تستطيع هذه الجماعات فرض هيمنتها وسيطرتها الفكرية على المجتمع، هذه هي الحرب التي يواجهها المفكرون والباحثون والمبدعون المصريون الآن، الموضوع ليس أمينة عبد الله... بل هي حرب على الإبداع والثقافة والهوية المصرية".
تعطّش للشّهرة
يرى شاعر العامية والكاتب الساخر رامي يحيى أن الاتهام الموجه للشاعرة المصرية هو "اتهام تافه، من شخص لا علاقة له بالشعر أو الأدب".
ويقول يحيى لـ"النهار العربي": "إن النص الذي كتبته الزميلة أمينة في ديوانها "بنات للألم" يتحدث عن معاناة الأنثى عموماً، والمرأة الشرقية خصوصاً، لذا من الطبيعي أن تتقاطع أزمات الأنثى مع التشريعات الدينية (المعمول بها حالياً)".
ويضيف: "لو افترضنا أن كلماتها - في هذا الديوان - تقع تحت بند الحرمانية، إذاً سيكون مصيرها إلى النار، في الآخرة. السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو شأن مقدم البلاغ أو أي إنسان في هذا العالم؟!".
ويرى الكاتب الساخر أن "العيب ليس في الأفراد، فالبحث عن الشهرة هوس إنساني، لكن المشكلة تكمن في الإبقاء على قوانين وتشريعات، عفّى عليها الزمن، وتجاوزتها البشرية، تسمح لأي شخص بالتنطع في مجال لا يفقهه، باسم عبارات مطاطة مثل ازدراء الأديان، أو الحفاظ على قيم المجتمع".
ويعتقد يحيى أنه من الضروري "إلغاء هذه القوانين فوراً، وإلا مع الوقت سيتم شل القضاء والحياة العامة بكم كبير من البلاغات شديدة التفاهة، عديمة الجدوى، لا ينتظر صاحبها من ورائها غير أن يصبح تريند".