الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الموارنة رحلة من بناء وطن الى أوطان

المصدر: "النهار"
Bookmark
مار مارون.
مار مارون.
A+ A-
الدكتور فادي قميرها هو عيد مار مارون يطلّ علينا هذه السنة ولبنان والموارنة يعتصرون من الألم على واقعٍ مأساوي ربّما أعادَ بهم الذاكرة الى قرونٍ خلَت. أَهُوَ قدر لبنان أم قدر الموارنة المعاناة والجهاد المستمرّان؟ هذا اللبنان الذي دافعوا عنه حتى الشهادة واستماتوا من أجله على مرّ العصور وعانوا وجاهدوا ثابتين وراسخين في إيمانهم وأرضهم وعملوا على بنائه منذ أن لجأوا إليه أيام مار مارون وتتلمذوا على روحانيته وانطلقوا منه الى مناطق مجاورة ودولٍ بعيدة وما زالوا حتى يومنا هذا.من دير مار مارون قرب أفاميا في سوريا خرجت الحركات الرهبانية المارونية وحولَه تَكوَّنَت. هجر الموارنة عالماً شعروا بأنّه يُشكّل خطراً على التزامهم الإيمانيّ وعلى عيشهم هذا الإيمان بالرغم ممّا كان يُقدَّم لها من رَغد في الحياة وبحبوحة في العيش. ورث الموارنة هذه الروحانيّة عن أبيهم القدّيس مارون وتلاميذه الذين قضوا حياتهم في التفتيش عن طرق غريبة للتقشّف والزهد، فعاشوا في العراء على قمم الجبال، مُعَرِّضين أجسادهم للحرّ والبرد، يدفعهم شوقهم إلى التشبّه بموت المسيح على الصليب، ورجاؤهم بالقيامة معه. فعاش رهبان دير مارون هذه الروحانية تشبّهاً بمعلّمهم القدّيس مارون وتلاميذه الأُول. ثم لجأوا إلى جبال لبنان الوعرة وأوديته السحيقة، فتحمّلوا قساوة الطبيعة ولم يحاولوا تَجنّبها بإنشاء أديار مُحكَمَة البناء، بل اكتفوا بالمغاور المعلّقة على سفوح الصخور. واقتداءً برهبانهم، لم يبنِ الموارنة بيوتاً فخمة توفّر الراحة وسهولة العيش بالرغم من قدرتهم الهائلة على العمل، وقد برهنوا عن قدرتهم هذه بتحويل جبال لبنان وأوديته إلى أراضٍ صالحة للزراعة.هذه الروحانية بتحمّل الظروف القاسية من طبيعية وسياسية واجتماعية، عانينا منها في كل مراحل تاريخ لبنان القديم والحديث وكانَت تُجابَه بالصمود والهدوء والمقاومة وهجرة البعض ولن ندخل في تفاصيل ما حصل في كل حقبة تاريخية، لكن بلمحة سريعة نُذكّر ببعضها، حيث إنّ الوجود المسيحي ولا سيما الموارنة والملكيين كان منتشراً في كل أنحاء لبنان زمن الفتح الإسلامي-العربي، إذ كان يشكّل أكثرية السكان حتى أواسط القرون الوسطى، ولكنّ من أسباب تراجعه في تلك الحقبة، السياسة التي اتّبعها الحاكم بأمر الله وغيره من الفاطميين، حيث بلغ الوجود الشيعي في عهدهم ذروة مجده. ثمّ كان لمجيء الصليبيين إلى الشرق أن قلب المعادلات رأساً على عقب، لكنّ انسحابهم وترحيلهم كان له بالغ الأثر الذي دفع ثمنه المسيحيون في هذا الشرق؛ إذ تعرّض المسيحيون في لبنان وحتى أبناء الطائفة الشيعية لحملات تأديبية نفّذت أولاها قوات السلطان المملوكي بيبرس إبّان حملاته على طرابلس لانتزاعها من الصليبيين عام 1268. وخلال هذه الحملة هوجمت بلدة حدث الجبّة في منطقة بشرّي شمال لبنان.أمّا الحملة الثانية فكانت في عام 1283 عندما حاصر رجال السلطان المملوكي قلاوون، وهم من التركمان، قرى الموارنة. فتعرّضوا للقمع والحصار ولما يشبه الإبادة التي طالت الكثير من القرى المارونية وخاصّة في منطقة جبّة بشرّي وجبيل والبترون وكسروان، حيث تمّت السيطرة على قرى إهدن وبقوفا التي عاثوا فيها نهباً لمنازلها وإحراقاً لأعيانها وسبياً لنسائها وصولاً الى المجازر التي ارتكبوها بحق أهالي حصرون وكفرصارون حتى محاصرة قلعة الحدث التي دمّروها وذبحوا مَن لم يلجأ من الأهالي إلى المغاور الشهيرة، وهؤلاء لم يكونوا أوفر حظّاً إذ قضوا جوعاً فيها. وكذلك وأحرِق البطريرك حجولا عام 1365 على أبواب طرابلس، التي سقطت بيد المماليك، وأُجبر السكان على الركون الى الهدوء ولا سيّما الموارنة، الذين كانوا تحت رقابة مشدّدة من قبل المماليك خشيةً من احتمال عودة الصليبيين إلى المشرق بمساعدة منهم. أمّا في الحملة على ميفوق عام 1440 فقد أُجبرَ البطاركة على اللجوء إلى قنّوبين، ابتداءً من...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم