قراءة في كتاب منذر جابر: "يوسف بك الزين، من جبل عامل إلى الجنوب اللبناني"

محمد علي العريبيبهدوء، ومن علٍ مُشرِف يمعن الدكتور منذر محمود جابر في كشف اللثام عن تفاصيل تاريخ الجنوب اللبناني السياسي والاجتماعي، بشياطينه وملائكته، وبطريقته المميزة المتجاوزة لمجرد السرد، وإن استند، في سبيل ذلك، إلى أدبيات تراثية معبرة عن واقع معاش في أُطر مفتوحة على رحاب مرحلة من تاريخ مرتبط بامتداد المكان، ومتصل باحداث تضمر في طياتها تفاعلات اقتصادية وموروثات حضارية جمّة. بهذه الروحية، كما يبدو، وضع الدكتور منذر جابر كتابه، ضمن اصدارات "مكتبة انطوان"، بعنوان رئيس: "يوسف بك الزين" وعنوان متفرع رديف:"من جبل عامل إلى الجنوب اللبناني". ولعله اراد العبور من العنوان الرئيس الى رحاب العنوان الرديف والجمع بين السيرة الشخصية لزعامة سياسية عاملية جنوبية فاعلة، والدراسة الاجتماعية لكتلة بشرية في عمق انتمائها لارض، وعقيدة طائفة لها تطلعات عابرة للمكان في آفاقها الثقافية والجغرافية، التي رسمتها اتفاقيات تحالف الدول المنتصرة في الحربين الكونيتين، والتي تم بموجبها توزيع الغنائم التي حصدتها من الامبراطورية العثمانية. وهذا الجمع محفوف بتساؤلات شديدة الحساسية والتي ابرزتها ادبيات "مجلة العرفان" الاكثر انتشاراً في تلك الحقبة في تحميل الزعامات الجنوبية مسؤولية حالة تردي الطائفة الشيعية، وأهملت عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية وعصبية قد ساهمت في تشكّل الحالة. الأمر الذي جعل الكتابة في الزعامات السياسية اسيرة جلبابي الملائكة والشياطين، والنفوذ منها لا يخلو من مشقة توجب الدراية، والحرية المقترنة باتساع النظر، والقدرة على التمحيص للخروج من نفق التجاور والتصادم بين الحدين.فيوسف اسماعيل بك الزين وجيه كبير وسياسي بارز، ولد في قرية كفر رمان العاملية سنة 1882 واختير لعضوية المجلس الاستشاري عام1922 ثم نائبا، بعد تحول المجلس الاستشاري إلى مجلس للنواب، لفوزه في انتخابات 1926، نائباً عن النبطية، واستمر فوزه في أغلب الدورات التي تلت حتى وفاته عام 1962، وهو وأب لثلاثة نواب (عبد اللطيف، وعبد المجيد، وعبد الكريم).وقد رسم الدكتور منذر منذ المقدمة الاطار الذي يتحرك ضمنه في الكشف عن خفايا السيرة السياسية ليوسف الزين، وتوسعة حراكه خارج الحدود الجغرافية لجبل عامل ليعم كامل الجنوب اللبناني. وأخذ العهد على نفسه عدم الأخذ بالأحكام المبرمة والاسترسال في تبيان التفاصيل، لأنه من الحري على الجنوبي لأن يأتي تاريخه عبر التقاصل الصغيرة والمرويات الدقيقة، والرك عليها للزومها، موازية بأهميتها للتاريخ العام، لمرحلة دقيقة من تاريخ لبنان الحديث. فيوسف الزين عايش المرحلة التأسيسية في تاريخ جبل عامل والجنوب داخل الكيان اللبناني، وعاصر رجالات بالغة الأهمية في الفعل السياسي والديني والاجتماعي والثقافي والتي لا تزال حاضرة في ذاكرة الجنوبيين واللبنانيين. ولقد نبش الدكتور منذر، في سبيل ذلك، محاضر جلسات...