05-10-2022 | 07:46

لماذا كلّ هذا الغضب تجاه نبيل رجب؟!

منذ فترة يتعرض الحقوقي البحريني نبيل رجب لسلسة من الانتقادات اللاذعة، يوجهها له فريق من مؤيديه السابقين عندما كان رجب ناشطاً في المشهد السياسي البحريني الذي أعقب أحداث شباط (فبراير) 2011، اذ برز اسمه كواحدٍ من الشخصيات البارزة والمشاركة في العديد من الفعاليات العامة.
لماذا كلّ هذا الغضب تجاه نبيل رجب؟!
Smaller Bigger
منذ فترة يتعرض الحقوقي البحريني نبيل رجب لسلسلة من الانتقادات اللاذعة، يوجهها له فريق من مؤيديه السابقين عندما كان رجب ناشطاً في المشهد السياسي البحريني الذي أعقب حوادث شباط (فبراير) 2011، إذ برز اسمه كواحدٍ من الشخصيات البارزة والمشاركة في العديد من الفعاليات العامة.

رجب الذي كان مؤثراً في جمهور واسع من الشباب البحريني الشيعي تحديداً، يواجه اليوم معارضة شريحة من الجمهور نفسه الذي كان يهتف باسمه لسنوات، ويطالب بإطلاق سراحه عندما كان موقوفاً في السجن.

هي "سيكولوجيا الجماهير" التي تتمايل كالريح، فترفع من قدرك إلى عنان السماء، ثم تهوي بك إلى قاع الأرض، من دون توازن في الحب والبغض، في التأييد أو الاختلاف، وهذه بحد ذاتها مشكلة اجتماعية تحتاج إلى بحث لمعرفة أثرها في الحياة السياسية والثقافية في البحرين.

الموقف من "جمعيّة التّجديد"
ظاهر هذه الحملة المضادة التي تعدّت إلى التعرض لعائلة نبيل رجب واتهامه بالتساهل تجاه ضرب أسس المذهب الشيعي – الإثني عشري، هو وجهة نظر طرحها رجب حول طريقة التعامل مع أفكار "جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية"، وهي جمعية بحرينية تعدّ الواجهة الأساسية لما كان يُعرف في فترة التسعينات من القرن الماضي بـ"جماعة السفارة"، حيث يعتقد رجب أن من حق أي تيار فكري أن يقدم أطروحاته، وأن هذه الآراء يجب أن تناقش علمياً، ومن يختلف معها يرد عليها بطريقة موضوعية منهجية، من دون قمعها أو التحريض عليها أو الدخول في أزمات اجتماعية، يسعى فيها كل فريق إلى إلغاء الآخر وشيطنته.

"جماعة السفارة"، هي مجموعة انتمى إليها عدد من الشباب البحريني الشيعي، الذين اعتقدوا أن شخصية تُدعى عبد الوهاب البصري، هو نائب للإمام محمد بن الحسن المهدي، آخر الأئمة الاثني عشر للمسلمين الشيعة.

البصري يدّعي أنه نائب للإمام المهدي، وهو ادعاء "باطل" في نظر علماء الدين المسلمين، شيعة وسنّة، إذ يرى الشيعة أن النواب الخاصين للإمام المهدي هم أربعة فقط، وهم: عثمان بن سعيد العمري، ومحمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري، وبموت آخرهم انتهى ما يُعرف بزمن "الغيبة الصغرى"، وسُدّ باب "السفراء الخاصين"، وبدأت "الغيبة الكبرى" عام 329 هجرية، وخلالها لم يعيّن المهدي ابن الحسن أي سفير له، فيما مراجع التقليد الذين يأخذ منهم الشيعة أحكامهم الفقهية، هم نواب عامون، ليس لهم خصوصية "السفراء الأربعة" وليس لهم أي علاقة حسية أو تواصلية مع الإمام الغائب. بل إن كتب التراث الشيعي، تنقل عن الإمام المهدي رسالته إلى آخر سفير له، وجاء فيها: "سيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذّاب مفتر. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم". وعليه، فإن ادعاء عبد الوهاب البصري نيابته الخاصة عن المهدي بن الحسن، أمر باطل بنظر الفقهاء، يخالف صريح النقل والعقل؛ وهذا مكمن الخلل الرئيس لدى "جماعة السفارة" في البحرين. والأغرب من الادعاء الغرائبي هذا، وجود أشخاص يؤمنون به، وتنطوي عليهم حيلة البصري، في عصر تقدم فيه العلم والتقنية وللعقل مكانته الراجحة!

تناقضات خطاب "التّجديد"!
"جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية"، ومن خلال شخصيات بارزة فيها مثل جلال القصاب وعيسى الشارقي، تسعى إلى أن تقدم أفكاراً تبدو متسامحة ومنفتحة على الآخر، إلا أن "المثير للاهتمام في روئ جماعة السفارة وخطابها هو ما تؤثث به خطابها من اتهامات وتحقير لمن سبقها من مذاهب وجماعات.. مثال: تفسير القرآن (قبل أن تكتشف السفارة الطريقة الصحيحة لتفسيره)، هو نتاج عبث الشيطان في عقول المُفسّرين وقلوبهم، بل وضلال مبين"، وفق الكاتب الصحافي عادل مرزوق، بحسب ما كتبه في منصة "تويتر"، معتبراً أن "الجماعة كأي جماعة، تحتاج لصناعة فهم جديد ورؤى ونظام يفسر ويبرر وجودها ويضمن استمرارها، وهذا ما تعمل عليه منذ انتهاء أزمة السجن"، مضيفاً: "ثقافة وعلو كعب القصاب والشارقي تصنعان فارقاً. المنتج فيه اللافت وما هو دون ذلك". إلا أن الغريب في نظر مرزوق هو "تورط خطابهما في ما تشتكي الجماعة منه (احتكار المعرفة)"، ملاحظاً أن "بعض تعابير القصاب لا تخلو من الاستفزاز".

عادل مرزوق، في مناقدته لأفكار "جمعية التجديد"، يسعى إلى أن يقرأ سياق تشكل فكر الجماعة، وغاياتها، ومضمون خطابها، وإن كان لم يشتغل على ذلك بالتفصيل الذي هو قادر عليه كباحث مختص في هذا الحقل، إلا أنه يخشى أن يتحول النقاش الدائر في البحرين حول أفكارها دعوات إلى الكراهية والعنف.

الخشية من تحوّل النقاش إلى نوع من الاغتيال المعنوي المتبادل بين الفرقاء، نتاج كون المؤيدين لـ"السفارة" أو المعارضين لها، يتنازعون "المقدس"، والفريقان يدّعيان أنهما يقدمان الفهم الأصح لـ"التشيع"، وبالتالي هنالك نرجسية مرضية لدى المتخاصمين، تصير كل مجموعة تعتقد بصوابيتها المطلقة وفساد الآخر المقابل لها!
إذاً، هنالك صراع على من يملك التشيع، ومن يمثله، ومن يذود عنه، ومن الأحق بادعاء أنه السائر على نهج محمد بن الحسن المهدي، ومن المنحرف عن صراطه. وجميعها نزاعات حادة داخل البيت المذهبي ذاته.

الحقّ في الاختلاف!

نبيل رجب، نظر إلى هذا الصراع من زاوية مدنية – حقوقية بحتة. فهو كشخصية تؤمن بحق الإنسان في الاختيار الحر، يرى أن لـ"جمعية التجديد" تمام الحق في طرح أفكارها، وهذا الأمر مثبت أيضاً لنقادها، شرط أن يكون الاختلاف طبيعياً، منهجياً، من دون عمليات تفسيق أو إلغاء أو تحريض على الكراهية والازدراء.

رجب غرّد عبر حسابه في منصة "تويتر" قائلاً: "الناس، كل الناس، بمن فيهم هؤلاء الذين نختلف معهم، يملكون كامل الحرية في الاعتقاد والتعبد وممارسة الطقوس التي يؤمنون بها، وعلينا احترام حقهم في ذلك. حقوق الإنسان لم تشرع لنا فقط ولا لأبناء مدرستنا الدينية، إنما لكل الناس بمختلف مشاربهم الدينية والمذهبية والعرقية"، منتقداً الانتقائية في المواقف، ومضيفاً: "لا نستطيع المطالبة بالعدالة ونحن لا نعمل بها في محيطنا الاجتماعي الأقرب، ومع فئات مجتمعاتنا الأضعف، أو حين نصمت عندما تُنتهك من قبل رفاقنا. النضال من أجل حقوق الإنسان يجب أن يبدأ بنا ومن بيوتنا، وإلا فسنكون حملة شعارات خاوية لن تحصد إلا الخيبات أو العدالة المنقوصة التي لن تدوم طويلاً".

مسبّبات النقد!
نبيل رجب الذي ينطلق من قاعدة مدنية ذات مرجعية فكرية دنيوية، علمانية في عمقها، واجه انتقادات واسعة من المناوئين له، وهذه الانتقادات اعتبرته منحازاً إلى"جمعية التجديد"، باعتبار أن هناك أفراداً من عائلة رجب يؤمنون بأفكار "الجمعية"، أو أن نبيل رجب لم يتطرق إلى ما تمارسه قيادات "جماعة السفارة" من ترهيب تجاه بعض الخارجين من عباءتها، وغض الطرف عن انتهاكاتهم بحسب ما يدّعي نقّاده. وهذه النقاط جميعها – برأيي الشخصي – لا تمثل إلا القشرة للسبب الحقيقي لمحاولة تهشيم صورة نبيل رجب، وهي حملة اشترك فيها بعض المؤمنين الطيبين، معتقدين أنهم ينافحون عن الإمام المهدي بن الحسن، لكن النواة الصلبة للحملة ضد رجب، أساسها "المعارضون الراديكاليون" الغاضبون من التموضع السياسي الجديد لرجب بُعيد خروجه من السجن.

في أيار (مايو) 2021، نشرتُ مقالةً في "النهار العربي"، بعنوان "العقوبات البديلة.. نافذة للإصلاح المؤسّسي في البحرين"، تناولت فيه التغيرات السياسية والثقافية التي مر بها نبيل رجب، وتأييده برنامج "العقوبات البديلة"، و"إطلاق السراح المشروط"، وإيمانه بضرورة العمل الإصلاحي المؤسسي في البحرين تحت سقف القانون، وأهمية التواصل البنّاء مع "بيت الحكم" ومؤسسات الدولة، وتجاوز السلبيات التي أفرزتها مرحلة ما بعد 2011.. إضافة إلى موقفه المشيد بعدد من الخطوات الإصلاحية في السعودية والتي رافعتها "رؤية المملكة 2030"، وهذه المواقف السياسية من شخصية تنال احتراماً شعبياً مثل نبيل رجب لم تعجب "صقور المعارضة" التي رأت فيها "سلوكاً انهزامياً"، غير مدركة عمقَ المراجعات التي قام بها رجب، والتباينات الفكرية والسياسية التي تفصل بين آرائه وآرائهم. من هنا، كانت الحملة النقدانية قاسية ضد نبيل رجب، مستترةً خلف شعار "حماية المذهب" و"الانتصار للإمام المهدي"، فيما هدفها الحقيقي الاغتيال المعنوي لأي شخصية مستقلة، تتبنى آراء غير تلك التي تؤمن بها المعارضة الراديكالية ورموزها من رجال دين أو شخصيات خارج البحرين، لم تستطع خلال سنوات طويلة مراجعة أدبياتها واجتراح أفكار حديثة تخرجها من العزلة السياسية والفكرية التي تعيشها، وهي العزلة التي لا يريد لها رجب أن تستمر.

بالتأكيد، نبيل رجب ليس "مقدساً"، بل من حق الآخرين نقده ومساءلة أفكاره. إنما أيضاً، المراقبون للمشهد يعون أن التيار الديني في البحرين يعيش أزمة فكر ونفوذ وغياب للمشروع الإصلاحي المندمج مع كيان الدولة والمتواصل معها. لذا، فهو بحاجة لأن يدافع عن وجوده بشراسة، حتى لو اقتضى ذلك أن تنهشَ أطرافٌ من المعارضة لحمَ رجب وترميه على مذبحها، قرباناً لمشاريع لم تلد شيئاً، بل أورثت خيبات متتالية عاماً بعد عام!

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا
فن ومشاهير 11/21/2025 3:46:00 AM
تلي هذه المرحلة جولة جديدة تُعلن فيها المتسابقات الـ 12 اللواتي سيكملن المنافسة في فقرة فساتين السهرة